تعامل مع الفلسطينيين كأقلية لا تتمتع بحق تقرير المصير، اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل. فرض حقائق الاستيطان وضم الأرض، وأغلق القنصلية الأميركية بالقدس التي كانت منذ عام 1844. أغلق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وهاجم الأونروا تمهيداً لإغلاقها للتخلص من قضية اللاجئين وإخراج الملف من مسؤولية إسرائيل، إضافة لاعترافه بالجولان تحت السيادة الإسرائيلية، وأزاح صفة الأراضي المحتلة عن الضفة الغربية. بالمقابل لم تتراجع إدارة جو بايدن والديمقراطيين عن أي من قرارات دونالد ترامب والتي تعتبر بمثابة قلب الحقائق ونزع الحقوق. ردة الفعل الدولية جاءت رافضة بعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حيث رفض 14عضواً من أصل 15 قرار ترامب الخاص بتقرير مصير القدس. الجلسة الطارئة كانت أشبه بجلسة توبيخ دولية ضد ترامب، بعد أن تحدث مندوبو كل من (الصين، فرنسا، بريطانيا، روسيا، إيطاليا، الأوروغواي، أوكرانيا، بوليڤيا، مصر، اليابان، السنغال، السويد، إثيوبيا والأردن) رافضين قرار ترامب باعتبار القدس عاصمة لإِسرائيل لعدة أسباب، ومخالفات قانونية للقرار وأثاره السلبية الحتمية.
- أولاً: فعل أحادي الجانب فيه مخالفة صريحة للاتفاقيات الموقعة بين الطرفين "بالتحديد البند السابع من الاتفاق الانتقالي عام 1995" "لن يقوم أي طرف باتخاذ خطوات من شأنها استباق نتائج مفاوضات الحل النهائي، التي حددت القدس والحدود والمستوطنات واللاجئين والأمن والمياه".
- ثانياً: قرار ترامب فيه مخالفة صريحة لقرارات الأمم المتحدة الحافظة لحق الشعب الفلسطيني في القدس الشرقية وكافة الأراضي المُحتلة عام 1967، ونذكر منها (قرار 242 عام 1967، وقرار 253 عام 1968، وقرار 267 عام 1969، وقرار 298 عام 1971، وقرار 476 عام 1980، وقرار 478 عام 1980، والقرار الأخير 2334 لعام 2016)، كلها أعلنت بطلان الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لتغيير وضع القدس وكل هذه القرارات وغيرها تنظر للقدس الشرقية كمدينة مُحتلة، وتؤكد حق الفلسطينيين على أراضي 1967، وأن تقرير مصيرها يأتي من خلال مفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ويُعتبر أي إجراء أحادي من شأنه تغيير الوضع القانوني والإداري للقدس باطل ومرفوض. وفوق كل ذلك جاء بما سماها "صفقة القرن"، خطيئة استراتيجية، حيث اعتقد رجل الأعمال أن صفقات الأموال قد تجلب الأمن والاستقرار للمنطقة بتحييد الطرف الفلسطيني من المعادلة.
الآن، وبعد عودة دونالد ترامب للحكم وفي ظل استمرار جريمة الإبادة التي دعمها الديمقراطيون، السؤال كيف تتعامل القيادة الفلسطينية مع إدارة ترامب؟ ومن الضروري التعلم من دروس الماضي، المقاطعة التي انتهجتها منظمة التحرير لم تخدم المصالح الفلسطينية. بعد فوز دونالد ترامب بالرئاسة، يتوجب على منظمة التحرير الفلسطينية تبني نهج براغماتي يركز على المصالح الوطنية والحقوق الراسخة، ويعزز مكانتها كطرف فاعل في المنطقة. إن تهنئة الرئيس عباس لترامب خطوة دبلوماسية تقليدية مهمة لفتح قنوات التواصل، وإبداء حسن النوايا عملاً بالقاعدة الأساسية في الدبلوماسية المتمثلة ببناء التحالفات الدولية بدلاً من خلق العداوات في السياسة الخارجية.
داخلياً، ذلك يتطلب تحضيراً على المستوى الوطني، بدءاً بضرورة تشكيل فريق متخصص في الدبلوماسية والسياسة الخارجية يكون قادرًا على التعامل بوعي ووطنية دون تنازل مع الإدارة الأميركية الجديدة، فريق يتقن لغة ترامب ولا نعني هنا الإنجليزية فحسب، ولكن لغة مدرسة هارفارد التفاوضية في عقد الصفقات ورسم خرائط الحلول المبتكرة التي ترتكز إلى قاعدة ربحية بحتة، ما يفتح قنوات اتصال بناءة تخدم مصالح الفلسطينيين. لن يتمكن الفلسطينيون من التعامل بجدية مع هذه الإدارة دون تعزيز الوحدة الوطنية من خلال تشكيل حكومة توافق وطني ترتقي للتحديات السياسية بروح وطنية، ما يقوي الموقف الفلسطيني داخلياً، وإقليمياً، ودولياً. وفي ظل الإدارة الأميركية الجديدة، يعد التواصل البراغماتي مع واشنطن أساسيًا، مع التركيز على استمرار جهود إنهاء الحرب، وضمان أن تبقى غزة جزءًا من الدولة الفلسطينية دون أي حلول انتقالية أو مجتزأة تختص بقطاع غزة ككيان منفصل. أي تغيير في السياسة الأميركية تجاه فلسطين، يتطلب تحضيرًا دقيقًا عبر فريق فلسطيني متخصص يرتقي لمستوى تجربة الفلسطينيين السابقة مع إدارة ترامب، التي ركزت على التعامل الأمني، ما أوصلنا لاتفاقيات أبراهام التطبيعية التي تجاهلت الطرف الفلسطيني كلاعب أساسي لحفظ الاستقرار في المنطقة.
مطلوب من القيادة الفلسطينية أن تستفيد من التجربة السابقة مع إدارة ترامب، التي أثبتت أن التعامل الأمني أو الاقتصادي بمعزل عن السياسي الحقوقي واستبعاد الفلسطينيين لا يسهم في السلام الحقيقي. الجميع يدرك أن إدارة ترامب وتاريخها هي تحدٍّ كبير، ومن التجربة السابقة يتوجب على الفلسطينيين تحويل هذه التحديات لفرص، وهذا يتطلب مراجعة وتقييم وتحضير لمواجهة السيناريو البراغماتي التجاري الذي يتبناه ترامب من خلال الصفقات التي غالباً ما ستعود بشكل إقليمي يقوم على المصالح، بعيداً عن القيم أو القانون الدولي أو الحقوق، وهذا يتطلب فريقاً فلسطينياً يتقن القوة الناعمة، ويخاطب بلغة دبلوماسية وطنية، وقوة المنطق، وألا تقبل بالخضوع لمسار حل تجاري أو أمني بعيداً عن مسار سياسي يضمن الحقوق الفلسطينية. وفي حال إحياء ترامب لـ"صفقة القرن الإقليمية" مع الأخذ بالحسبان التحالف الدولي الذي تقوده المملكة العربية السعودية. يجب التعامل بحذر، لضمان تحقيق حلول واقعية، فهدف الشعب الفلسطيني في حق تقرير المصير ليس مجرد الاعتراف بالدولة، بل تحقيق سيادة كاملة تضمن إنهاء الاحتلال، وتحديد حدود الدولة والحرية والاستقلال.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها