في خطوة تعدّ الأولى من نوعها لاستكشاف التأثيرات النفسية للعقاقير على أحد أصعب الاضطرابات النفسية "فقدان الشهية العصبي"، قدّم باحثون من جامعة كاليفورنيا في سان دييجو تحليلاً شاملاً لتجربة سريرية تم نشر نتائجها في مجلة Nature Medicine.

تناولت الدراسة تأثير علاج "السيلوسايبين"- مركب مخدِّر يُستخرَج من الفطر- على الأشخاص الذين يعانون من فقدان الشهية العصبي، والذي يُعدّ أحد أعلى الأمراض النفسية من جانب معدلات الوفاة، ويقاوم عادةً العلاجات التقليدية.

تقدّم الدراسة رؤى فريدة حول كيفية تأثير العلاج بـ"السيلوسايبين" على مرضى فقدان الشهية العصبي، وتعكس آراء المرضى أنفسهم من خلال مقابلات شبه منظمة، وتقييمات شاملة، وتكشف عن نتائج واعدة، وتحديات مهمة قد تؤثر على كيفية تطوير نهج العلاج مستقبلاً.

فقدان الشهية العصبي

وفقدان الشهية العصبي أحد أخطر الاضطرابات النفسية، ويتسم بمعدل وفيات مرتفع، ويصيب النساء بشكل أساسي، ويعاني المصابون بهذا الاضطراب من قلق شديد بشأن الوزن وشكل الجسم، وقد يمتنعون عن تناول الطعام إلى حد يؤثر على صحتهم بشكل خطير، ورغم الجهود العديدة لعلاجه عبر الأدوية والعلاج النفسي، فإن الاستجابة تكون غالباً محدودة، مما يدفع العلماء إلى البحث عن حلول مبتكرة.

و"السيلوسايبين" من المركبات المثيرة للجدل التي أظهرت في السنوات الأخيرة قدرة محتملة على علاج عدة اضطرابات نفسية كالاكتئاب، واضطرابات القلق، وتعتمد آلية عمله على التأثير على مستقبلات السيروتونين في الدماغ، مما يؤدي إلى تجارب نفسية عميقة وتحولات في التفكير والإدراك. 

وعلى عكس العلاجات التقليدية، يفتح "السيلوسايبين" أبواباً جديدة لفهم الجوانب العميقة للمرض النفسي، مما يجعله خياراً واعداً لعلاج الحالات التي يصعب الوصول إلى نتائج ملموسة في علاجها.

شارك في الدراسة مجموعة من المرضى الذين تلقوا جرعة واحدة من "السيلوسايبين" بتركيز 25 ملليجراماً، مصحوبة بدعم نفسي خاص قبل وأثناء وبعد الجلسة، وقد كانت النتائج مفاجئة ومبشرة.

وقال 90% من المشاركين بأن تجربتهم مع "السيلوسايبين" كانت واحدة من أهم خمس تجارب حياتية عاشوها، وأظهر 40% من المشاركين انخفاضاً ملحوظاً في أعراض اضطرابات الأكل، لا سيما القلق المرتبط بشكل الجسم والوزن، فيما أفاد 70% من المشاركين بتحسن في جودة حياتهم، إذ شعروا بتغييرات داخلية في نظرتهم لأنفسهم، وإن لم تكن هذه التغييرات ملحوظة بشكل كبير في مظهرهم الخارجي أو وزنهم.

وأفاد 70% من المشاركين بتحسن في جودة حياتهم، وشعروا بتغييرات داخلية في نظرتهم لأنفسهم، وإن لم تكن هذه التغييرات ملحوظة بشكل كبير في مظهرهم الخارجي أو وزنهم.

ورغم النتائج الإيجابية، تشير الدراسة إلى أن هذا العلاج لا يُعالج جميع جوانب فقدان الشهية العصبي، ولم تسفر التغييرات في النظرة النفسية للمشاركين عن استعادة الوزن بشكل كبير، مما يبرز الحاجة إلى تكامل العلاج النفسي مع العلاج الغذائي.

وأظهرت التجربة أن بعض المرضى يستجيبون بشكل أفضل من غيرهم، ما يثير تساؤلات حول دور العوامل الجينية وتباين مستقبلات السيروتونين في التأثير على فعالية العلاج.

وتوصي الدراسة بضرورة إجراء المزيد من الأبحاث، لاسيما تلك التي تتضمن استخدام تقنيات تصوير الدماغ، وتحليل العوامل الجينية، لفهمٍ أفضل لآليات الاستجابة للعلاج. 

ويقول الباحثون إن العلاج بـ"السيلوسايبين" يبرز كخيار مساعد للعلاج التقليدي، إذ يمكن أن يسهم في تعزيز التغيرات النفسية الإيجابية لدى المرضى. 

وإذا تم إثبات فاعلية العلاج عبر تجارب إضافية موسعة، فقد يُصبح العلاج النفسي بـ"السيلوسايبين" جزءاً من بروتوكولات العلاج المستقبلية لفقدان الشهية العصبي.

وتشير هذه الدراسة إلى أن "السيلوسايبين" قد يوفر نافذة جديدة لعلاج الحالات المقاومة للعلاج، ويعزز من إمكانيات التغيير النفسي العميق لدى المرضى الذين يعانون من اضطرابات الأكل.