لم ينتهِ رسميًا حتى الآن فرز جميع الأصوات في الانتخابات الرئاسية الأميركية التي جرت في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، ولكن يمكن التكهن تقريبًا باتجهات التصويت للجالية العربية والإسلامية في هذه الانتخابات الكبرى، انطلاقًا من استطلاعات الرأي، ومن بعض المقابلات مع عدد مهم ومؤثر من هذه الجالية.
بشكلٍ عام، فإن اكتساح ترامب لجميع الولايات الأميركية الخمسين سواء في المجمع الانتخابي أو في الأصوات العامة، يشير إلى أن ترامب نجح بشكل كبير في الحصول على أصوات الجاليات والأقليات في الولايات المتحدة الأميركية، وهو الأمر الذي كان حكرًا على الديمقراطيين في الانتخابات السابقة. فعلى سبيل المثال في الانتخابات الرئاسية السابقة أعطى 75% من اليهود والعرب والمسلمين أصواتهم لبايدن، وفي بعض المدن مثل ديربورن بولاية ميشيغن حصل بايدن في مواجهة ترامب على 90% من الأصوات العربية والإسلامية.
بشكلٍ عام، فإن نظام التصويت في الولايات المتحدة (نظام النقاط في المجمع الانتخابي) لا يعطي وزنًا مهمًا لأصوات الأقليات العرقية والدينية بمن فيهم العرب واليهود، إلا أن بعض الولايات التي تمتاز بثقل ديمغرافي مثل نيويورك التي يعيش فيها أكثر من 2 مليون يهودي أو ميشغن التي يسكنها نحو 300 ألف عربي ومسلم، فإنه يمكن لهذه الأقليات أن يكون لها صوت مؤثر، خاصة إذا ما تقاربت نسب التصويت بين المرشحين الديمقراطي والجمهوري. وهو ما حدث تقريبًا في الانتخابات الرئاسية السابقة، حيث فاز ترامب في ميشيغن بفارق عشرة آلاف صوت تقريبًا عام 2016 عندما هزم هيلاري كلينتون، ثم خسر ترامب الولاية بفارق مئة ألف صوت تقريبًا أمام بايدن في عام 2020.
وفي الواقع يبدو أن القاعدة الذهبية التي ارتكز عليها الديمقراطيون في الانتخابات الأميركية الرئاسية باعتبار أصوات الأقليات بما فيها العربية والإسلامية ستذهب حتمًا للديمقراطيين، بدأت بالتصدع، وهنالك عدة عوامل أدت إلى قلب هذه القاعدة، وأهمها:
- أولاً: الأوضاع الاقتصادية السيئة التي مرت على الأميركيين خلال فترة إدارة بايدن، حيث ارتفعت نسب الضرائب والتضخم بشكل كبير جدًا، ما أدى إلى انتشار الفقر والبطالة. بالمقابل وعد ترامب الناخبين بتقليص الضرائب وتخفيض التضخم وزيادة الوظائف وهو أمر لمسوه في فترة إدارة ترامب الأولى.
- ثانيًا: استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتوسع الحرب في منطقة الشرق الأوسط في ظل إدارة بايدن الضعيفة، والتي لم تستطع وقف قتل المدنيين في غزة، بل على العكس قدمت لإسرائيل أكبر ترسانة عسكرية إستراتيجية لم تحصل عليها إسرائيل في أي عهد رئاسي سابق. بالمقابل، فإن الرئيس ترامب الذي ظهر بمظهر القوة والثقة بالنفس وعد بإنهاء الحرب وتحقيق الاستقرار. وفي هذا السياق، انطلقت حملة في الأوساط العربية والإسلامية منذ عام ترفع شعار "التخلي عن بايدن" بسبب تحميلها إياه المسؤولية عن حرب غزة وعدم إيقافها. وسرعان ما تحولت هذه الحملة، بقيادة العديد من أئمة المساجد والناشطين العرب بسرعة إلى حملة "التخلي عن هاريس".
- ثالثًا: اتجاه نسبة لا بأس بها من الأصوات العربية والإسلامية إلى مرشحة حزب الخضر جيل ستاين برغم استحالة فوزها، كعقاب لإدارة بايدن. وهو الأمر الذي كان لصالح ترامب بالمطلق بسبب طبيعة نظام احتساب الأصوات. وفي هذا السياق، تظهر توقعات أخبار NBC أنه بفضل غضب المجتمع العربي والإسلامي من تعامل إدارة بايدن- هاريس مع عدوان إسرائيل على غزة، تمكن ترامب من الفوز بأغلبية الأصوات في ديربورن – 47٪ مقابل 28٪ لنائب الرئيس كامالا هاريس، التي تغلبت فقط على مرشحة حزب الخضر جيل ستاين بست نقاط مئوية.
- رابعًا: إحجام نسبة كبيرة من الجالية العربية والإسلامية على منح أصواتهم لكاميلا هاريس خوفًا من فوزها وإقرارها قانونًا لحرية تغيير الجنس دون سن 18. وهي قضية حساسة جدًا بالنسبة للمحافظين العرب والمسلمين. بالمقابل، فهذه قضية مرفوضة بشكل مطلق من قبل الجمهوريين المحافظين.
- خامسًا: تصاعد إهتمام ترامب بالأقليات بشكل لافت على عكس سلوكه في فترته الأولى. فقد نظم بين أوساط العرب والمسلمين أكثر من 15 لقاء انتخابي وسمح لهم بالمشاركة والحديث في هذه المهرجانات، ومن أبرز أمثلة ذلك حضور ترامب شخصيًا لتلقي الدعم المباشر من عمدة مدينة هامترامك يمني الأصل. كما قام قادة الحملة الانتخابية لترامب بالاتصال الشخصي بالعديد من كوادر الجاليات العربية والإسلامية، ومنهم من حظي بلقاء ترامب شخصيًا.
من جانبٍ آخر، يتولى صهر ترامب العربي، مسعد بولس، تنسيق النشاط الانتخابي بفعالية لترامب في التواصل مع الأميركيين العرب والمسلمين. وهذا الجهد الفاعل ساهم بتشكيل حركة "عرب أميركيون من أجل ترامب" وهو لوبي عربي صغير نشأ في ميشغين لصالح ترشيح وفوز ترامب.
وفي الواقع، يظهر تحليلنا السابق، بأن العرب والمسلمين راهنوا على فوز ترامب لشعورهم بقدرته على إنهاء الملفات الساخنة والمهمة في شأنهم العام مثل العدوان الإسرائيلي وغيره، ولكن تبقى المسألة المهمة إذا ما ستنجح هذه المراهنة في التأثير على ترامب لتغيير سياسته المنحازة كليًا لإسرائيل.
إن الإجابة على هذا التساؤل الكبير سيتم تحديده خلال الأربع سنوات القادمة برغم أن المؤشرات الأولية تشير إلى عكس ذلك تمامًا، خاصة بعد قيام حملة ترامب بدعوة مجلس المستوطنات لحضور حفل تنصيب الرئيس.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها