شهد المجتمع الإسرائيلي خلال أمس الأول الأحد، وأمس الاثنين الأول والثاني من أيلول/سبتمبر الحالي تحولاً نسبيًا في مواجهة تعنت ورفض حكومة الائتلاف الحاكم بقيادة نتنياهو لإبرام صفقة التبادل للأسرى، حيث شارك في المظاهرة الشعبية المطالبة بإبرام صفقة التبادل للأسرى، ووقف الحرب في غزة نحو 300 ألف إسرائيلي، وهي الأكبر منذ مظاهرات الانقلاب القضائي عشية 7 تشرين أول/ أكتوبر 2023. كما تلازم مع المظاهرة إعلان الإضراب العام، الذي دعا إليه رئيس اتحاد نقابات العمال "الهستدروت" أرنون بار ديفيد ليوم واحد بدعم شركات صناعية كبرى في إسرائيل، ورواد أعمال قطاع التكنولوجيا المتطورة. وهو الإضراب الأول الذي يتم منذ بداية الإبادة الجماعية على قطاع غزة قبل 333 يومًا، وأدى إلى تعطل الخدمات العامة في إسرائيل.

وجاءت المظاهرة والإضراب بعد مقتل ست رهائن إسرائيليين، وعثور الجيش الإسرائيلي عليهم، مما زاد من غضب الشارع الإسرائيلي على حكومة الموت والابادة الجماعية، التي رفض رئيس وزرائها خلال الشهور الـ11 الماضية من إبرام صفقة التبادل للأسرى بحجج وذرائع عديدة، من خلال وضع شروط تلو الشروط كلما حصل تقدم في الوصول إلى اتفاقية لوقف حرب الأرض المحروقة في قطاع غزة.

وشارك في الإضراب قطاعات واسعة في مجالات التعليم والصحة والبنوك والمواصلات وسلطة المطارات والموانئ البحرية والعديد من البلديات، مما أثار غضب وسخط اركان الحكومة، وهدد رئيس الوزراء ووزير ماليته كل من يضرب عن العمل بخصم يوم العمل، الذي يضربون فيه، ليس هذا فحسب، إنما توجه بتسلئيل سموتريتش إلى محكمة العمل اللوائية، التي عقدت أمس الاثنين، واتخذت قرارًا بعدم شرعية الإضراب، وطالبت بوقفه فورًا، وعلى إثر قرار المحكمة أعلنت النقابات عن نيتها بوقف الإضراب مساء أمس.

هذا التحول النسبي في الشارع الإسرائيلي فاقم من حدة التناقض بين الحكومة من جهة والشارع الإسرائيلي بقطاعاته المختلفة من جهة أخرى، وزاد من الهوة بينهما، ولم يعد يقتصر التناقض محصورًا في أركان المعارضة وذوي الأسرى الإسرائيليين، وهو ما قد يدفع الأمور نحو مزيد الاحتكاك بين المجتمع الإسرائيلي عمومًا والائتلاف الفاشي الحاكم في قادم الأيام والأسابيع اللاحقة. لأن نتنياهو وأركان حكمه من الأحزاب الصهيونية الدينية يرفضون الإصغاء لصوت الشارع ويصرون على مواصلة الإبادة الجماعية وتنفيذ مخطط التطهير العرقي لأبناء الشعب في قطاع غزة وعموم الوطن الفلسطيني.

لكن على أهمية التحولات الإيجابية النسبية في الشارع الإسرائيلي، هل يمكن أن تنجح في التأثير على صانع القرار؟ من المبكر الافتراض بإمكانية نجاح ذلك، ما لم تتوسع دائرة المظاهرات والاضرابات العامة، القادرة على شل حركة الحياة، وعجلة الاقتصاد والتعليم والصحة والوزارات والبلديات والموانئ والمطارات، عندئذ يمكن أن تراجع حكومة نتنياهو المارقة خياراتها الدموية. رغم أنها لم تعد تأبه بحياة باقي الرهائن الإسرائيليين. كما أعلن أحد وزراء الليكود، الذي لم يذكر اسمه، أن رئيس الحكومة لا يأبه بحياة الرهائن، ويتمنى الموت لهم جميعًا. وبالتالي فرضية توسع الحراك الاجتماعي الإسرائيلي مرهونة بتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والديبلوماسية على الداخل الإسرائيلي.

بيد أن ما يطمئن نتنياهو وفريقه الحاكم، هو وقوف الولايات المتحدة الأميركية بمختلف مستوياتها القيادية التشريعية والتنفيذية والقضائية خلف الحكومة الإسرائيلية، وهو ما كان أعلنه الرئيس جو بايدن، ووزير خارجيته بلينكن، وأركان الإدارة جميعًا، وصولاً إلى رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركي، الجنرال تشارلز كيو جونيو، الذي صرح أثناء زيارته الأخيرة لإسرائيل في 26 آب/أغسطس الماضي عن إدانته لانسحاب الجيش الإسرائيلي من المناطق التي سيطر عليها في قطاع غزة، وطالب ببقاء سيطرته على كل المناطق، للحؤول دون عودة مقاتلي حماس لتجديد نشاطهم في تلك المواقع. وهو ما يعني إطلاق يد الجيش في البقاء والسيطرة على القطاع، ومواصلة الإبادة الجماعية. لأن لذلك صلة عميقة بالمصالح الحيوية الأميركية في إعادة ترتيب الوطن العربي وإقليم الشرق الأوسط الكبير وفي استباق للتحولات الجيوسياسية العالمية، وفرض السيطرة الأميركية الكاملة على الإقليم ضمن تقاسم النفوذ في العالم الجديد، متعدد الأقطاب.

وبالنتيجة ستبقى نتائج التحولات الإيجابية النسبية محدودة إلى حين، وإما أن تتسع، أو تتضاءل وتتراجع وفقًا للتطورات الجارية على الأرض في الداخل الإسرائيلي وفي الحرب الدائرة على أرض دولة فلسطين المحتلة عام 1967.