حديث رئيس حماس في الخارج خالد مشعل، ووعيده باستعادة أسلوب العمليات التفجيرية "الانتحارية" السابق لحديث خليل الحية نائب يحيى السنوار للجزيرةِ عن اشتعال النار في الضفة الغربية، ومخطط نتنياهو لإحراقها، تتقاطع مع عمل حكومة الصهيونية الدينية برؤسائها الثلاثة: نتنياهو وبنغفير وسموتريتش، لاستدراج الذرائع المطلوبة لتبرير الجزء الثاني من حملة الإبادة التي أطلقتها منظومة الاحتلال الاستعمارية الصهيونية العنصرية في إسرائيل، بعد حصولها في 7 أكتوبر الماضي على الذريعة من "حماس" لتبرير جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية ومجازرها اليومية بحق الشعب الفلسطيني، التي بلغت الذروة في سفك دماء أكثر من "150 ألف" إنسان مدني أعزل بريء "75% منهم نساء وأطفال" في قطاع غزة، وكأن 330 يومًا مضت حتى الآن على أفظع نزيف شهدته الإنسانية – حسب إقرار المنظمات الإنسانية والحقوقية الدولية والشخصيات الرسمية ذات السمعة العالمية – لم تدفع قيادات حماس للتفكير بمصير الشعب الفلسطيني ومستقبل أرض وطنه، ولم تحضهم على مراجعة أساليبهم التي تسببت بنكبة تاريخية ثانية، أكثر مأساوية من سابقتها التاريخية أيضًا، ومع اصرارهم هذا، وإدراكهم لأهداف منظومة الاحتلال – كما قال الحية – فإن الشعب الفلسطيني، بمحكمته التاريخية الوطنية سيحملهم مسؤولية المساهمة في نحر المشروع الوطني الفلسطيني، ومنح منظومة الاحتلال العنصرية "إسرائيل" الذرائع ليتخذها "ثعلب إسرائيل" دعامات – ولو صورية - لرفض اجماع العالم والشرعية الدولية على حق الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال والكرامة في دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس.

لماذا الآن، ولماذا العودة إلى أساليب اتفق الكل الوطني على نبذها بعد نتائجها الكارثية على الشعب والأرض؟ فقد كانت سببًا في إعادة تشكيل واقع الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي على الأرض المحتلة من فلسطين في سنة 1967، وقضم مساحات عظيمة من أراضي المواطنين لصالح السور الأمني الاستيطاني، علاوة على اتخاذ تلك العمليات مبررات مكنت حكومات "دولة الاحتلال إسرائيل" من إقناع دول وحكومات بالتراجع عن مشروع حل الدولتين المنصوص عليه في مرجعيات عملية السلام على رأسها قرارات الشرعية الدولية، ثم لماذا في هذا التوقيت بالذات حيث تتبلور إرادة دولية رسمية وشعبية متزامنة مع مثول منظومة الاحتلال "إسرائيل" أمام المحكمة الجنائية الدولية كمتهم بارتكاب جرائم ابادة، وانكشاف حقيقتها - كما أبرزتها محكمة العدل الدولية – باعتبارها دولة احتلال واستعمار وجرائم ضد الإنسانية.

سيبقى الاحتلال الاستعماري السبب الرئيس لنكبات ومعاناة الشعب الفلسطيني، لكننا لا نبرئ نوايا أحد منهم، ولن نمنحهم العذر على جهلهم – وإن كنا نراهم ونعلم أنهم يدركون ما يفعلون – لأنهم إن وجدوا آذانًا صاغية لدى أفراد ربوهم على الطاعة العمياء الصماء، فإنهم بذلك يساهمون عمليًا في تفكيك الطوق الدولي والقانوني على دولة الاحتلال، وسيصبح الفلسطيني متهمًا أمام الجنائية الدولية بجرائم حرب، خاصة عند المساس بمدنيين إسرائيليين، علمًا أن منظمة التحرير الفلسطينية تنبذ الإرهاب والعنف المسلح بحق المدنيين والأبرياء مهما كانت جنسياتهم وانتماءاتهم وعقائدهم، ما يعني أن العالم سيحمل دولة فلسطين، ومنظمة التحرير الفلسطينية مسؤولية نتائج وتبعات وتداعيات "عمليات مشعل الانتحارية"، وللتذكير فقد كان على رأس الحاضرين من قيادات جماعات من فصائل فلسطينية، قبل حوالي عقد ونصف العقد للبحث في تشكيل بديل عن منظمة التحرير الفلسطينية، وإلى جانبه سفير النظام الإيراني آنذاك في العاصمة السورية دمشق التي غدروا بها، عندما اختارت حماس الاصطفاف مع جماعات الإخوان المسلمين المسلحة ضد الدولة، وهو نفسه الذي أفتى واعتبر انقلاب حماس على المشروع الوطني الفلسطيني "حسمًا مسلحًا " ضروريًا، وهو نفسه الذي لا يرى بأسًا في معاناة الملايين من الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ومدن ومخيمات الضفة الغربية والقدس، ويعتبر آلاف الشهداء والجرحى الفلسطينيين الذين نحرهم جيش الاحتلال بسلاح وتعاليم وأوامر ساسة دولته التلمودية العنصرية "ثمنًا للحرية"  وكأن عملية السنوار قد أنجزت ولو صفرًا من المئة من أهدافها، بل على العكس فقد انحدر واقع الحال الى ما بعد الصفر وما زال الهبوط مستمرًا، حتى يأخذ تشكيلاً جديدًا لاحتلال واستعمار غزة من جديد كما نقدر ونرى في منظور أهداف حملة الإبادة الإسرائيلية، وتثبيت واقع الاحتلال الاستيطاني في الضفة الغربية بما فيها القدس إلى أجل غير منظور. أما دعوات مشعل فإنها تكمل عقلية الانتحار التي بدأها  السنوار، فكلاهما يبغضان الحياة.