يقول جدعون ليفي في صحيفة هآرتس الإسرائيلية 8/8/2024 في مقاله اليومي أن التقرير الذي قدمته منظمة بتسيلم عما يجري في السجون الإسرائيلية هو التعبير الأصدق عما يجري في إسرائيل وهو تقرير عن مسلكية إسرائيل ككيان. فحسب الاستطلاع الذي أجرته القناة 12 الإسرائيلية في نفس اليوم والذي أظهر أن 47%من الإسرائيليين يؤيدون اغتصاب السجناء الفلسطينيين.
فإنها نتائج مرعبة رغم أنها نسبة أعلى بكثير مما نشر إذ ما أخذنا بعين الاعتبار عدم مشاركة 22 % من المجتمع الإسرائيلي في الاستطلاع فهذا يرفع النسبة إلى أكثر من 60% من الإسرائيليين اليهود. فهل هذا الانحراف عفوي أم أنه يأتي ضمن الاستراتيجيات العشرة التي تحدَّث عنها المُفَكِّر الأميركي ناعوم تشومسكي والتي تَبَنَّاها واعتمدها أصحاب النُّفوذ العالمي من ساسَة ورأسماليين منذ عام 1979 في وثيقة سرية تم اكتشافها صُدْفة عام 1986 بعنوان "الأسلحة الصامِتة لِخَوْض حرب هادِئَة"، وهو دليل للسيطرة على عقول ومُقَدَّرات وأموال الشعوب، وبالتالي توجيه سُلوكهم والسيطرة على أفعالهم.
هل سيكون بالإمكان تصويب الانحراف السلوكي والقيمي المرعب في المجتمع الإسرائيلي والذي من غير المستبعد أن يكون ضمن الاستراتيجيات الواردة في الوثيقة السرية آنفة الذكر إضافة إلى عدة عوامل مرتبطة بمجملها بالنظرة الفوقية التي يتبناها صناع القرار في إسرائيل وربطها بنصوص دينية لا أحد يعرف من أين أتت والتي يتم استثمارها في التحريض واقتناص غلاة الفكر الصهيوني أي فرصة لتعزيز الكراهية والحقد ضد الآخر حتى وإن كان يهوديًا.
ومن أجل وضع الأمور في سياقها الصحيح فإن علينا الاسترشاد بتعريف عالم النفس الاجتماعي هــــــاري ستاك سوليفـان لسلوك الافراد والذي اسماه "وهم الفردية". حيث الرواية التي تبنتها الحركة الصهيونية وما أوجدته من مسوغات لهذه الرواية أحيانًا بالاستناد إلى نصوص دينية تتناقض بالمطلق مع طبيعة وروح الأديان كافة مأخوذة من تفسيرات تخدم الهدف الأساسي للحركة الصهيونية وهو السيطرة على العالم.
سأسترشد هنا بما كتبه المؤرخ الإسرائيلي إسرائيل شاحاك في كتابه الديانة اليهودية وطأة ثلاثة آلاف عام حول نص ديني مفاده "إذا وجدت أغيارًا يحفرون بئرًا ولديهم سلم للصعود والهبوط لا تقتلهم بل انزع السلم فسيموتون وحدهم". وفي مكان آخر من نفس الكتاب وبعد استفسار من الحاخامات الذين أكدوا له أن من واجب اليهودي إذا استشعر خطرًا مستقبليًا من طفل رضيع فلا بأس من قتله.
إن إشارة نتنياهو إلى نبوءة إشعيا وحديث رئيس جهاز الأمن القومي الإسرائيلي السابق بأنه ليس هناك أبرياء في غزة ومطالبة وزير التراث بمحو غزة عبر قنبلة نووية وقيام بن غفير بتسليح المستوطنين وقبلها المطالبة بحرق القرى الفلسطينية تدفع باتجاه مزيد من الانحراف السلوكي للفرد والمجتمع في إسرائيل. ومن أجل انحراف سلوكي وقيمي وأخلاقي بلا عودة عمد صناع القرار في إسرائيل إلى اختراع روايات عن فظائع قام بها الفلسطينيون في غلاف غزة لتعزيز روح الانتقام داخليًا ولاستعطاف العالم خارجيًا.
وكاستنتاج فقد نجح نتنياهو في جر غالبية المجتمع الإسرائيلي إلى تبني فكر انتقامي سيصبح من مركبات الشخصية اليهودية عند انتهاء الحرب. حيث أن من يرى ممارسات الإسرائيليين تجاه أبناء شعبنا في الضفة الغربية وغزة ومن يتابع التصريحات من شخصيات دينية ومجتمعية وسياسية في إسرائيل يستطيع أن يدرك كيف سيكون هذا المجتمع الإسرائيلي بعد الحرب.
وهنا سنعود إلى السؤال إلى أي مدى سيسهم مستقبلاً هذا الانحراف في تقويض المجتمع الإسرائيلي من الداخل عبر صراع بين مكونات المجتمع بما فيهم فلسطينيي الداخل؟ وهل بالإمكان فعل شيء خاصة بعد تفعيل بروتوكول هاني بعل والذي سيضع الجيش في مواجه أهل المختطفين الذين تعرضوا لخطر الموت وفعلاً مات غالبيتهم على يد الجيش الإسرائيلي في غزة.
وفي الختام اعتقد جازمًا أن قيادات إسرائيل وعبر كل ما سلف سيأخذون مشروعهم، وكيانهم وحقدهم وانحرافهم إلى الهاوية غير مأسوف عليهم.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها