في أعقاب المحادثة الصعبة بين الرئيس جو بايدن ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو نهاية الأسبوع الماضي، أي يوم السبت الثالث من آب/ أغسطس الحالي، والتي وبخَ فيها الرئيس الأميركي حليفه الإسرائيلي، معتبرًا أن اغتيال إسماعيل هنية لم يكن توقيته مناسبًا، وأنه حان الوقت الذي يأمل فيه الأميركيون أن تصل الصفقة إلى النهاية، معربًا عن مخاوفه بأنها قد تؤدي إلى إثارة حرب إقليمية. حسب صحيفة نيويورك تايمز الأحد الرابع من آب/أغسطس، والتي ذكرت في مقالها، أن المحادثة بين الرجلين كانت عاصفة، ذاكرةً نفي رئيس الائتلاف الحاكم النازي بأن تكون إسرائيل هي من تشكل عقبة أمام وقف العدوان على غزة. 
وتزامنًا مع ذلك، تم انتخاب يحيى السنوار رئيسًا لحركة حماس يوم الثلاثاء السادس من آب/أغسطس الحالي خلفًا لرئيس الحركة السابق هنية، الذي اغتالته إسرائيل في العاصمة الإيرانية طهران يوم الأربعاء 31 يوليو الماضي، فضلاً عن اغتيال فؤاد شكر الرجل الثاني في حزب الله في اليوم السابق وقبل أقل من 12 ساعة من اغتيال أبو العبد، وما حملته من تداعيات سياسية وعسكرية، ووعود بالرد العسكري من قبل إيران وحزب الله وأذرع المقاومة في اليمن وغيرها، وتجييش الولايات المتحدة الأميركية أساطيلها من حاملات طائرات وبوارجها الحربية في البحرين الأحمر والمتوسط استباقًا لأية ردود لحماية إسرائيل، وفق تصريحات المسؤولين في إدارة بايدن، والرسائل التي أرسلتها واشنطن لإيران وحزب الله والسنوار خلال الأيام الماضية، وحملت في طياتها الوعيد والتهديد بعظائم الأمور في حال تم قصف إسرائيل، كما تضمنت وعودًا للأطراف المعنية ببعض جزر الترضية، منها: الإسراع بوقف الحرب على غزة، وتأمين خروج السنوار سالمًا من غزة إلى حيث يريد، هذا إن وافق، وإن بقي حيًا، والإفراج عن أرصدة إيرانية جديدة، حسب بعض المصادر الأميركية والغربية والعربية غير المؤكدة. 

وتوازيًا مع ذلك، أعلن السيد حسن نصر الله الثلاثاء الماضي إصرارًا على الرد، حتى لو لم ترد إيران وغيرها على جريمة اغتيال هنية وشكر "الحاج محسن" في الضاحية الجنوبية مركز قيادة الحزب في العاصمة اللبنانية بيروت، واعتبر ذلك مرحلة جديدة من المواجهة مع إسرائيل، إلا أن الرد لم يتم حتى اللحظة الراهنة، لكنه ممكن في أي لحظة.
وفي هذه الأثناء أصدرت كل من الإدارة الأميركية ومصر وقطر بيانًا فجر الجمعة التاسع من آب/أغسطس الحالي دعت فيه الأطراف المختلفة لإبرام اتفاق وقف العدوان على غزة، والإفراج عن الأسرى والرهائن الإسرائيليين، وشدد البيان على أنه يجب عدم إضاعة مزيد من الوقت، وإلا قد تكون هناك أعذار لمزيد من التأجيل. وأكدوا في بيانهم، أنهم مستعدون كوسطاء، إذا اقتضت الضرورة لطرح مقترح نهائي لتسوية الأمور المتعلقة بالتنفيذ. ودعوا لاستئناف المفاوضات الأربعاء أو الخميس القادم 14و15 آب/أغسطس في الدوحة أو القاهرة لسد الثغرات والفجوات المتبقية والبدء بتنفيذ الاتفاق دون تأجيلات جديدة. 

ورغم صيغة البيان التي تحمل صيغة الحزم، والدعوة الصريحة للوقف الفوري للإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وعموم الوطن الفلسطيني مع دخولها الشهر الحادي عشر، واليوم 310 من حرب الأرض المحروقة، إلا أن التفاصيل المتعلقة بالتنفيذ تبقى هي العقدة التي قد تسمح لنتنياهو من الإفلات من ضغط إدارة بايدن، حيث قال في لقاء مع مجلة "تايمز" البريطانية قبل يومين: "أن هدفنا في غزة تحقيق نصر حاسم على الفصائل الفلسطينية، بحيث لا تستطيع تشكيل تهديد لإسرائيل". وبالتالي أكد على عدم استعداده لوقف الحرب فورًا وبشكل دائم. أضف إلى أن دفع واشنطن بأساطيلها الحربية، والشروع بشحن قنابلها الثقيلة من أسلحة الدمار الشامل الأحدث والأكثر فتكًا بالمدنيين العزل لإسرائيل، لا يشير إلى أنها معنية بما ورد في البيان الثلاثي. 
ومع ذلك، قد يكون السباق الرئاسي في الانتخابات الأميركية أحد أكبر عوامل رغبة واشنطن بوقف الحرب، تفاديًا لمضاعفاتها السلبية على المرشحة الديمقراطية، التي نادت بضرورة وقف الحرب على شعبنا الفلسطيني في غزة، وكذلك اتساع دائرة الرفض الرسمي والشعبي العالمي عمومًا وفي الولايات المتحدة خصوصًا من العوامل المحفزة لإصدار البيان، وحث الخطى لوقف تداعيات الإبادة الجماعية في قطاع غزة. فضلاً عن قرار مجلس الأمن 2735 الصادر في 10 حزيران / يونيو الماضي، والذي قدمه بايدن كمشروع قرار، وهو بالأساس رسالة نتنياهو للإدارة الأميركية، الذي دعا لوقف فوري للحرب، وإبرام صفقة التبادل للأسرى ولإدخال المساعدات الإنسانية بمشتقاتها المختلفة، والذهاب للحل السياسي. رغم تأكيد نتنياهو في مقال صحيفة "تايمز" البريطانية على ضرورة فصل غزة عن الضفة، وإيجاد روابط قرى جديدة في القطاع. 
وبقراءة موضوعية لا يمكن الرهان على البيان، ولا أعتقد أن حظوظه أوفر من قرار مجلس الأمن، وغيره من القرارات الأممية، إن لم يلجأ الرئيس الأميركي المتحرر من السباق الرئاسي للضغط الواضح والصريح على حكومة الائتلاف الإسرائيلية النازية، لن تتوقف دوامة الإبادة الجماعية. وزج كل من مصر وقطر، وتبعهما الاتحاد الأوروبي بدعم البيان لا يضيف ثقل حقيقي، ومحاولة من أميركا للهروب من مسؤولياتها في وقف الإبادة الجماعية، التي تقف خلفها منذ الثامن من تشرين اول / أكتوبر 2023 وحتى الآن، وبالتالي إن لم تستخدم كل الدول والقوى سلاح العقوبات، وتفرض عقوبات حقيقية اقتصادية وتجارية وأمنية عسكرية وديبلوماسية على إسرائيل، لا حظوظ للبيان.