عندما كانت "إسرائيل" تعد العدة لاقتلاع منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان كان هناك مخطط تدريجي من خلال تغذية الحرب الأهلية والاغتيالات في لبنان، وكان مخطط اجتياح لبنان يبدأ من حدود شمال فلسطين إلى العمق اللبناني ليصل إلى منطقة الزهراني، وهذه الخطة الإسرائيلية كانت ضرب المقاومة الفلسطينية وبشكل خاص حركة "فتح" والتي تقود الثورة الفلسطينية والتحالف مع الحركة الوطنية اللبنانية تؤكد على خطورة الموقف، ولذلك عقدت اللقاءات بين اللجنة المركزية لحركة "فتح" مع القيادة السورية ولم تتحق النتائج المرجوة، في اللقاء الأول وبعد ذلك عقدت اللجنة المركزية لحركة "فتح" برئاسة الرئيس أبو عمار ورفاقه اللقاء مع الرئيس الراحل حافظ الأسد من أجل التنسيق المشترك لمواجهة الاجتياح الإسرائيلي، وفي ذلك الوقت كان هناك قرار احترازي من قبل القيادة الفلسطينية في التزاماتها بعدم التصعيد وتجنب قصف المستوطنات الإسرائيلية شمال فلسطين المحتلة تجنبا لعملية الاجتياح الإسرائيلي جنوب لبنان، والتي أطلق عليه الشهيد القائد أبو عمار عملية الكورديون وفي أثناء ذلك وقعت محاولة اغتيال وإصابة السفير الإسرائيلي في لندن وفي نفس الفترة الزمنية جرت محاولة لاستهداف السفير الإسرائيلي في فرنسا، وقد اتخذت "إسرائيل" ذريعة وكانت تلك المحاولات والتي تكررت خلال أيام يقف خلفها المدعو "صبري البنا أبو نضال" والذي كانت نهاية حياته الانتحار في مكتبة في العاصمة العراقية بغداد والذي دخلها تسللاً من ايران وقد يكون انتحر أو تم تصفية المدعو أبو نضال.
في نهاية الأمر فإن "إسرائيل" قامت باستغلال عمليات الاغتيال كذريعة وقامت بعملية اجتياح لبنان وشارك سلاح الجو وسلاح البحرية ومختلف القطاعات العسكرية وآلاف الجنود وضباط المحمول جواً وسلاح الدروع، حيث تقدم القوات البرية بغطاء جوي وبحري وتم الوصول إلى حدود العاصمة اللبنانية بيروت منطقة خلدا ولم يتوقف إلى حدود الزهراني 45 كم وقد نجم عن ذلك تدمير قاعدة صواريخ سام السورية في سهل البقاع اللبناني ليشمل الاجتياح من حدود شمال فلسطين حتى عمق العاصمة اللبنانية بيروت منطقة خلدا والقصف وصل إلى سهل البقاع وشمال لبنان وكان الهدف إيقاع أكبر عدد من الضحايا المدنيين اللبنانيين والفلسطينيين.
عودتي إلى سرد أحداث من الماضي للتأكيد على أن الاحتلال الإسرائيلي يستغل الأحداث لخدمة الأهداف الإستراتيجية، حيث هدف حكومة نتنياهو وفريقه إنهاء الحل السياسي للقضية الفلسطينية والقيام بعمليات عسكرية شاملة بقطاع غزة، وإنهاء وجود الأجنحة المسلحة للمقاومة الفلسطينية بكل مكوناتها كتائب القسام وسرايا القدس وكتائب شهداء الأقصى ومختلف المقاومين، ولكن الاحتلال يبحث عن الذريعة؛ لذلك لم يحرك ساكنا خلال الساعات الأولى لعملية طوفان الأقصى وشل حركة الجيش الإسرائيلي والأجهزة الأمنية كما ظهرت "إسرائيل" في موقع الضحية أمام دول العالم، وهي تجيد مثل هذه الأدوار الخبيثة.
وسناريو غزة كان سيحدث بغض النظر عن عملية طوفان الأقصى التي استخدمتها "إسرائيل" كذريعة في إطار منظومة تصفية القضية الفلسطينية، وإنهاء الحل السياسي الذي يتمثل بحل الدولتين، وكما قامت سلطات الاحتلال بالتصعيد غير المسبوق في محافظات الضفة الغربية ومخيماتها والقدس في إطار دفع السلطة الفلسطينية للانخراط بعمليات عسكرية لمواجهة جيش الإحتلال الإسرائيلي وقطعان المستوطنين والمتطرفين الصهاينة.
ولكن لإنهاء السلطة الفلسطينية ولكن السلطة قامت بعملية ضبط النفس، حيث تدرك النتائج وأهداف حكومة نتنياهو وفريقه من الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تسعى لدفع السلطة لصدام بعملية غير متكافئه مع جيش الاحتلال والذي سوف يقوم بعملية عسكرية على غرار ما حدث بقطاع غزة. وإنهاء السلطة.
لقد تحملت السلطة الفلسطينية الانتقادات وخاصة الرئيس ابو مازن على وجه التحديد ما لا يتحمل إنسان على وجه الأرض، وهذا الصبر والجلد على التحمل في إطار المحافظة على الكيان السياسي الفلسطيني، والذي بدأ في اتفاق أوسلو والتزاماتها حكم ذاتي لخمسة سنوات ولم تنته حتى الوقت الحاضر رغم مرور 30 عامًا.
لقد لجأ سيادة الرئيس أبو مازن إلى خوض الصراع الدبلوماسي والاتصالات مع مختلف دول العالم وتحقيق نتائج سياسية من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، رغم الفيتو الأميركي. وكذلك تقديم شكوى بمحكمة العدل الدولية في لاهاي من قبل دولة جنوب أفريقيا إضافة إلى ما صدر من تنبيهات من المحكمة الدولية، حيث تعتبر أهم النتائج وضع نتنياهو وفريق حكومته بقفص المحاكمة وتقديم المرافعات من العديد من ممثلي دول العالم.
وفي نفس الوقت لم تتوقف الضغوطات على سيادة الرئيس عباس من أجل إدانة عملية كتائب القسام يوم السابع من أكتوبر، بل تحدث عن حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن النفس وسلطة لا تملك السلاح والامكانيات لمواجهة جيش الاحتلال الإسرائيلي بالضفة الغربية. حيث أدت عملية ضبط النفس من قبل السلطة بمنع عملية اجتياح "إسرائيل" للضفة وإعادة الاحتلال لها، وتهجير الفلسطينيين إلى شرق الأردن في إطار عملية ترانسفير لذلك تستمر سلطات الاحتلال بعمليات عسكرية في مختلف مناطق شمال محافظات الضفة ومخيماتها حيث تصاعد أعداد الشهداء والجرحى والمصابين والمعتقلين.
ومن جانب آخر فإن حركة التضامن التي تشهدها الجامعات الأمريكية وفي أوروبا وفرنسا وبريطانيا والمانيا يدلل على عدالة القضية الفلسطينية ونبذ نتنياهو وفريق حكومته التي تقوم بالعدوان على الشعب الفلسطيني بقطاع غزة والإبادة الجماعية للفلسطينيين وتدمير البيوت والمخيمات والأبراج السكنية والجامعات والمدارس والمستشفيات وقتل الأطباء والصحفين وقد تمت تصفية ما يزيد عن 120 من العلماء والمفكرين ورؤساء الجامعات الفلسطينية، لذلك فإن المطلوب التخلص من الخلافات والتباينات الداخلية في الساحة الفلسطينية يين طرفي الصراع حركتي فتح وحماس وعدم الانجرار وراء من يسبب الفتنة الداخلية وزعزعة الوصول إلى إتفاق وطني فلسطيني موحد على قاعدة الشراكة الوطنية الفلسطينية لمواجهة مخطط حكومة نيتنياهو وفريقه من الأحزاب اليمينية المتطرفة وعلينا أن ندرك المخاطر الإسرائيلية ما بعد قطاع غزة هو الضفة الغربية ومخيماتها والقدس في إطار مخطط تهجير الفلسطينيين وتصفية القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني خاصة بعد تزايد أعداد الدول التي تعترف بدولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية وفقًا للقرارات الشرعية الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، لذلك علينا السير جنب إلى جنب في الحرك السياسي والعمل الدبلوماسي في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية وتحقيق نتائج التضامن العالمي لصالح الشعب الفلسطيني ومن جانب آخر فإن صمود المقاومة الفلسطينية بقطاع غزة يشكل رافعة للقضية الفلسطينية، ولذلك يجب أن لا ننتظر نجاح "إسرائيل" في هزيمة المقاومة الفلسطينية بقطاع غزة لا سمح الله وصمود المقاومة المسلحة لشهر الثامن يعتبر إنتصار للقضية الفلسطينية وهزيمة للاحتلال ونصر صبر ساعة نصر من الله وفتحنا قريب وبشر الصابرين.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها