بقلم: فاطمة إبراهيم
منذ سبعة أشهر لم يصل المواطن صايل ملحم من بلدة كفر راعي جنوب غرب جنين إلى أرضه المزروعة بأشجار الزيتون، ولم يتمكن من رعايتها وتقليم أغصانها وحراثتها، وحتى لم يتمكن من قطف ثمار الزيتون في الموسم الماضي من أرضه الواقعة شمال البلدة، بسبب أن المستعمرون من مستعمرة "دوتان" يجوبون وهم يحملون السلاح ويركبون دراجات نارية و"تراكتورونات" صغيرة منطقة زراعية واسعة تتوسط المسافة بين البلدة وبلدتي عرابة ويعبد المجاورتين لها في أراضيها، حيث تصاعدت استفزازاتهم بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وقد هاجم أحد المستعمرين عددًا من المزارعين الذين حاولوا الوصول إلى أراضيهم الواقعة في تلك المنطقة، واعتدى على بعضهم بالضرب ووجه الشتائم وهو يرفع سلاحه نحوهم، وقال: هذه منطقة عسكرية يُمنع دخولها.
ملحم واحد من المزارعين الذين لم يتمكنوا من استغلال أراضيهم بسبب هذه الممارسات، وامتدت حالة من الرعب بين المزارعين، ما دفعهم إلى ترك أراضيهم فريسة لهذا المستعمر الذي يجوب المنطقة في مختلف الأوقات، ويطلق الرصاص في الهواء لدفع المزارعين إلى ترك أراضيهم.
يقول ملحم: "أنا مزارع محروم من الوصول إلى أرضي منذ سبعة أشهر، والمعروف أن أي أرض زراعية لا يجوز أن تُترك دون رعاية كل هذا الوقت، أرضي وأراضي القرية ستتحول إلى أراضي بور لا تصلح للزراعة بسبب المستعمرين"، حيث يملك ملحم 15 دونمًا مزروعًا بأشجار الزيتون، تشكل مصدر دخل جيد له ولعائلته، ويمتلك قطعة أرض أخرى مزروعة بأشجار الكرز، من المفترض أن يتم جني ثمارها في هذا الوقت من العام، لكن أيضاً منعه مستعمرو "دوتان" المقامة على أراضي البلدة من الدخول إليها قبل يومين، وقد حاول ملحم قطف ثمار الزيتون، وبعد ساعة من وصوله إلى الأرض، جاء المستعمرون وبدأوا عربدتهم عليهم، فتهجموا عليه وعلى المزارعين، وأجبروهم على المغادرة، بعدها بيومين عاد إلى الأرض لكنهم أيضاً أجبروه على المغادرة برفقة أمن المستعمرة هذه المرة، مضيفًا بأنه قد خسر قرابة 110 أطنان من حب الزيتون الذي بقي على الشجر، وربما سرقه المستعمرون.
الأمر ذاته يحصل اليوم لمزارعي الكرز في كفر راعي، حيث يمنع مستعمرو المستعمرة المذكورة الأهالي من جني ثمار الكرز، والاستفادة منها وبيعها، ما يهدد الموسم بالتلف، خصوصاً أن هذا الموسم قصير نسبيا وثمار الكرز سريعة التلف.
ولم تتوقف الخسائر الناتجة عن هذه الممارسات على موسمي الزيتون والكرز، وإنما طالت المزروعات الشتوية والصيفية في المنطقة كالقمح والشعير والعدس، إذ لم تتم حراثة الأرض وبالتالي بقيت بلا زراعة، ويرى ملحم أنه إن بقي الحال كما هو عليه فإن أراضي البلدة ستتحول إلى أراضي بور غير صالحة للزراعة بسبب قلة العناية بها.
وتقع مستعمرة "دوتان" بين بلدتي يعبد وعرابة وجزء من أراضي كفر راعي حيث أقيمت عام 1978 على مساحة كلية تقدر بـ3185 دونما، ويعتدي مستعمروها على أهالي البلدات المقامة على أراضيها بشكل متكرر، وآخر هذه الاعتداءات جرى قبل يومين حين تجمّع مزارعو كفر راعي وتوجهوا بشكل جماعي لجني ثمار الكرز من أراضيهم قبل أن يهاجمهم المستعمرون بالسيارات والهراوات والضرب والصراخ.
يقول رئيس بلدية كفر راعي وليد يحيى: "بسبب خسارة أهالي البلدة لموسم الزيتون الماضي، ولعدم تمكن أي من المزارعين من فلاحة أرضه والعناية بها منذ ذلك الوقت، حاولنا عند بدء موسم الكرز جني المحصول بسلاسة ودون مضايقة من المستعمرين، لكن للأسف بعد وصولنا إلى الأراضي تهجّم علينا مستعمرون ومنعونا من التقدم"، مضيفًا بأنه من المعروف أن بلدة كفر راعي تعتمد بشكل كبير على زراعة الكرز حيث يُزرع حوالي 11 ألف دونم من أراضيها بأشجار الكرز بأنواعه، إذ يشكل مصدر دخل لكثير من العائلات. خصوصا بعد منع العمال من التوجه إلى عملهم في أراضي عام 48".
وتبلغ مساحة أراضي البلدة حوالي 5000 دونم تقع أغلبيتها ضمن مناطق "ب"، لكن لا يتمكن الأهالي من الوصول إليها بسبب منع الاحتلال ومستعمريه.
وتتعمد إسرائيل منذ بداية العام، السيطرة على الأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية لتوسيع الاستعمار، وكانت هيئة الجدار والاستيطان قد أعلنت في بيان لها في مارس الماضي أن إسرائيل نفذت خلال عام 2024 أوسع عملية للاستيلاء على أراضي الضفة منذ 30 عامًا، بحجة أنها أراضي دولة، وجاء في البيان أن مساحة هذه الأراضي بلغت قرابة 10 آلاف و640 دونما.
ويواصل المستعمرون اعتداءاتهم وهجماتهم على المواطنين وممتلكاتهم وعلى المزارعين ومزارعهم، ويحرمونهم من الوصول إلى الأرض وقطف الثمار، في مشاهد تتكرر في مختلف محافظات الضفة الغربية، دون رادع، بل على العكس يتلقون الدعم والتسليح من حكومة الاحتلال المتطرفة أمام صمت مرعب من المجتمع الدولي، ما قد يدفع المستعمرين إلى ارتكاب مزيد من الجرائم.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها