حروب إسرائيل النازية على الشعب العربي الفلسطيني متعددة ومتشعبة، ولا تقتصر على ميدان بعينه، بل تطال ميادين الحياة كافة دون استثناء لتحقيق أهدافها الاستعمارية بمشاركة ودعم ورعاية الولايات المتحدة وبريطانيا والغرب عموما، ومن بين الحروب الرئيسية، الحرب على العمالة والاقتصاد الفلسطيني، لإبقاء أبناء الشعب في دائرة العبيد، وإجهاض أي نهوض ولو نسبي للاقتصاد الوطني الضعيف والتابع أصلاً للاقتصاد الإسرائيلي، ومازال يخضع لمعايير غلافه الجمركي. 
ومع حلول ذكرى يوم العمال العالمي مطلع أيار الحالي في زمن حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني عمومًا، وفي قطاع غزة خصوصًا تستوجب الضرورة التوقف أمام تداعيات الحرب الصهيو أميركية على قطاع العمال والاقتصاد لا سيما وان بينهما علاقة جدلية عميقة لا تنفصم، واستنادًا إلى القاعدة الناظمة لعملية التشبيك الوثيقة القائلة: بقدر ما يتعافى الاقتصاد، ويكون في مرحلة انتعاش ونهوض، بقدر ما تكون اليد العاملة والسوق عمومًا في وضع أفضل بالمعايير النسبية، إن كان على صعيد الأجور، أو نسبة البطالة، أو دورة رأس المال في السوق المحلي، وبقدر ما تتعزز إنجازات الحركة العمالية، وتنتزع حقوقها، بقدر ما يتعافى المجتمع من ادران الاستغلال القومي والاجتماعي.


ووفق معطيات معهد "ماس" ومركز الإحصاء الفلسطيني، فإن عدد العمال بلغ في الساحة الفلسطينية 1,16 مليون عامل، موزعين على جناحي الوطن، في الضفة الغربية 868,000 عامل، وفي القطاع ما يقارب 292,000 عامل في القطاعين العام والخاص وسوق العمل الإسرائيلي، قبل 7 أكتوبر 2023 كان عدد العمال الفلسطينيين نحو 153,000 عامل من الضفة، وحوالي 25,000 عامل من قطاع غزة، وهو ما يمثل 20% من اجمالي قوة العمل، وجلهم يعمل في قطاعي البناء والزراعة والخدمات البلدية، او العمل الأسود.
بعد الحرب الهمجية منعت إسرائيل اللقيطة العمال الفلسطينيين من العودة لمواقع عملهم داخل الخط الأخضر، وسحبت التصاريح، وأغلقت أي نافذة لعودتهم للعمل، واستبدلتهم بعمالة من جنوب شرق آسيا، ليس هذا فحسب، انما قامت باعتقال الغالبية العظمى من عمال قطاع غزة، ونكلت بهم بشكل وحشي ونازي، وسرقت أموالهم ومقتنياتهم، وحتى عرتهم من ملابسهم، وقيدتهم بالجنازير والسلاسل والقت بهم هائمين في الطرقات بلا مأوى، او نقود، وقتلت العديد منهم، ولم يعرف حتى الان عدد من قتلتهم.
ولم يكن الأمر في الضفة أحسن حالاً إلا بالمعايير النسبية، حيث القت بالعمال على قارعة طريق البطالة، ووضعت ما يزيد عن 840 حاجز ثابت ومتحرك بين المحافظات والمدن والقرى بهدف شل حركة العمال والتبادل التجاري بين المحافظات، وضيقت الخناق على القطاع الزراعي إن كان على العملية الإنتاجية، أو التسويق، أو حتى على وصول اليد العاملة للمزارع بسبب الحواجز، والاعتقالات والاعدامات وعمليات القتل في الميادين للنساء والأطفال والشيوخ لإرهابهم، وحرمانهم من حرية الحركة والتنقل. فضلاً عن مضاعفة الاستيطان الاستعماري، ومهاجمة قطعان المستعمرين للمزارع الزراعية والحيوانية. مما أدخل الاقتصاد الفلسطيني في صدمة كارثية، وأقفدته العديد من المزايا، وأثقلت كاهله، وادخلته دوامة الركود والبطالة، التي ارتفعت خلال شهور الحرب الى نسبة 45%، أضف الى خسارة الاقتصاد من 20 إلى 25 مليون شيكل يوميًا، وأفقد السوق الفلسطيني من حوالي 3 مليار دولار سنويًا نتاج اغلاق سوق العمل الإسرائيلي في وجه اليد العاملة.

  
وفي السياق قامت قوات الجيش الإسرائيلي والأميركي بعمليات تدمير منهجية للمنشآت والورش والمصانع والمؤسسات في المحافظات الجنوبية، وقتلت العمال بما في ذلك، عمال وموظفي القطاع العام وموظفي وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الاونروا" والمؤسسات الدولية الأخرى العاملة في فلسطين المحتلة، فوصلت نسبة البطالة لحوالي 90% من اجمالي قوة العمل، وبلغت قيمة الخسائر في فلسطين منذ بدء الحرب الوحشية ومع دخولها الشهر السابع نحو 3 مليار دولار أميركي نتيجة توقف عجلة الاقتصاد والإنتاج في محافظات غزة، التي تركت تداعياتها الصعبة على الضفة الفلسطينية، وحجم الخسائر المذكور لا يتضمن تدمير المنشآت والمصانع والورش، وانما ينحصر في انتاج قوة العمل.
في الأول من أيار عيد العمال العالمي، ورغم مرارة وبشاعة وسوداوية ووحشية حرب الإبادة القذرة الأميركية الإسرائيلية التي ادمت قلوب الفلسطينيين من مختلف الفئات والشرائح والطبقات الاجتماعية، وفي المركز منها العمال والفقراء والمسحوقين، وحتى التجار واصحاب المصانع والمنشآت الاقتصادية والورش، الذين أمسوا بعد عمليات التدمير الهائلة وغير المسبوقة لمصانعهم ومؤسساتهم التجارية ولبيوتهم ومعارضهم في قاع السلم الاجتماعي والاقتصادي، ولم يختلفوا نهائيًا عن العمال، لا بل إن وضع تلك الشريحة أسوأ حالاً، ومع ذلك في الأول من أيار على كل من يستطيع إشعال شمعة في هذا اليوم لينير درب الامل والحرية والاستقلال والعودة وتقرير المصير فليفعل، ولننتصر لإنساننا امرأة أم طفلاً أو شيخًا أو رجلاً، ولنكف عن لعن الظلام، ونعمل سويًا من أجل غد أفضل خال من الأعداء بكل صنوفهم ومسمياتهم، أعداء الداخل، واعداء الخارج من أميركيين وإسرائيليين ومن يدور في فلكهم من عرب وعجم، فهل نفعل؟