تصريحات خليل الحية لوكالة "أسوشيتد برس" بشأن قبول حماس لدولة فلسطينية ذات سيادة على حدود العام 67، وإن حصل ذلك فإن حماس ستحل جناحها العسكري! هذه التصريحات لا جديد فيها، سبق أن أعلنت "حماس" ذلك على لسان العديد من "أمراء" مكتبها السياسي، وربما الجديد الوحيد، هو الإعلان الصريح عن استعداد هذه الحركة، التي تصف نفسها بأنها ربانية، نزع سلاحها لتتحول إلى حزب سياسي، ولعل في هذا الإعلان ما يؤكد أن سلاح "حماس" لم يكن يوما سلاح مقاومة، بل كان وما زال السلاح الساعي إلى السلطة، وهو الذي قاد "حماس" إلى انقلابها على الشرعية الفلسطينية، وأنشأ بحملة دموية، سلطتها الانقسامية في قطاع غزة، وقد بات بعد ذلك سلاحا قمعيا، كما أثبتت تجربة حكم "حماس" لقطاع غزة المكلوم طوال السبعة عشر عامًا الماضية.
لن نرى في تصريحات الحية هذه تماهيًا مع موقف الشرعية الفلسطينية، وقبولاً بمشروعها التحرري، وانسجامًا مع برنامجها السياسي، كما قد يقول بذلك البعض، بل لا نرى سوى تلك المحاولة ذاتها لحركة "حماس" الاستيلاء على منجزات منظمة التحرير الفلسطينية، لأجل السيطرة عليها، فالحية هنا وهو يدلي بتصريحاته لوكالة أنباء أميركية إنما يقدم حركته بهذه اللغة البرغماتية بديلا عن منظمة التحرير الفلسطينية، صاحبة المشروع الوطني وحاميته.
اتفاقيات "أوسلو" التي أنجزتها منظمة التحرير الفلسطينية، هي الاتفاقيات التي حملتها القيادة الفلسطينية الشرعية على مشروع إقامة دولة فلسطين المستقلة، بعاصمتها القدس الشرقية، لكن هذا الاتفاقيات ظلت طوال الثلاثين عاما الماضية موضع هجوم وتدمير بعمليات تفجيرية من قبل "حماس" حتى ساعدتها فيما بعد إسرائيل اليمين العنصري المتطرف في ذلك، منذ لحظة اغتيال "إسحق رابين" وبعد أن قام شارون بإعادة الانتشار من حول قطاع غزة، ليمكن "حماس" من السيطرة على قطاع غزة بسلطة انقلابية، التي رأى فيها نتنياهو أساسًا صلبُا لمخططه تدمير المشروع الوطني الفلسطيني، وهو يسهل لها سبل التمويل المالي لتعزيز سلطتها. عدد لا يحصى من تصريحات، وخطابات التخوين للقيادة الفلسطينية، أنتجتها "حماس" ضد "أوسلو" حتى "طوفان الأقصى" كان في هذا الإطار بروايته، التي لم تعد رواية لتحرير الأقصى، ولا بأي حال من الأحوال.
إنها المناورات البلاغية ذاتها، الساعية فقط لبقاء "حماس" على قيد الحياة السلطوية، حتى أنها صارت تتحدث بصوت عال عن استمرار جاهزيتها للمفاوضات وبمرونة فادحة. وفقط بهدف وقف إطلاق النار، وانسحاب كامل لقوات الاحتلال من القطاع المكلوم، كما أعلن ذلك بوضوح شديد خليل الحية، وبما يعني أن تبقى هي من يحكم قطاع غزة، الذي لم يعلن الحية ندمه على ما جرى فيه من قتل وتدمير وخراب. الخديعة بالغة الوضوح، لأن الأمانة لا تقبل مناورات من هذا النوع، ولو كانت "حماس" عبر هذه التصريحات جادة بشأن الدولة كمشروع حرية وتحرر، لجاءت إلى منظمة التحرير الفلسطينية، دون أي ملابسات سياسية، ولا أي مخاتلات حزبية، وهذا ما لا يحصل حتى الآن!.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها