ألقى الرئيس الأميركي جو بايدن خطاب "حالة الاتحاد" صباح يوم الجمعة 8 مارس الحالي أمام المجلسين في مبنى الكابيتول تطرق فيه لقضايا الولايات المتحدة الداخلية المختلفة، وعرج على القضايا العالمية بما فيها حرب أوكرانيا، وحرب الإبادة الجماعية، التي قادتها إدارته مع حلفائها في الغرب الأوروبي الرأسمالي وربيبتهم إسرائيل اللقيطة على الشعب العربي الفلسطيني مع دخولها الشهر السادس، والنقطة الأخيرة، هي التي يهمني التوقف أمامها، وتفنيد أوجهها المختلفة والمتناقضة، حيث استخدم مواقف بالمعنى الشكلي إيجابية، غير أنها بلا رصيد، وعمليًا تفقد أية مصداقية.
ومن بين النقاط الإيجابية، التي رصدتها الرئاسة الفلسطينية وثمنتها في بيان رسمي صدر عنها في أعقاب الخطاب، أولاً تأكيده على أن الحرب على قطاع غزة "مفجعة"، وقال: "إن أكثر من 30 ألف فلسطيني، أغلبهم ليسوا من حركة حماس، والآلاف منهم نساء وأطفال أبرياء قتلوا في غزة خلال الحرب" وأضاف: "أن عدد القتلى في الحرب الحالية على القطاع يفوق عدد كل من قتلوا فيها خلال الحروب السابقة"؛ ثانيًا توجيه رسالة حادة للقادة الإسرائيليين، طالبهم فيها بعدم عرقلة المساعدات الإنسانية للفلسطينيين لأغراض سياسية؛ ثالثًا أعلن أنه سيوجه الجيش الأميركي لقيادة مهمة طارئة لإنشاء رصيف بحري مؤقت في البحر المتوسط على ساحل غزة قادر على استقبال سفن كبيرة تحمل الغداء والدواء والماء وملاجئ مؤقتة؛ رابعًا تأكيده أن الحل الأمثل، الذي يضمن أمن إسرائيل، هو حل الدولتين؛ خامسًا أكد على ضرورة وقف الحرب فورًا لستة أسابيع بهدف الافراج عن الرهائن الإسرائيليين، دون أن يتطرق لأسرى الحرية الفلسطينيين؛ سادسًا رفض إقامة أية مناطق عازلة في قطاع غزة من قبل إسرائيل.
والأسئلة ذات الصلة بالنقاط المذكورة أعلاه، إذا كانت الإدارة الأميركية صادقة تجاه ما أصاب الآلاف من النساء والأطفال من ويلات الحرب المفجعة، وعدد الشهداء والجرحى والمفقودين والمعتقلين، الذين زاد عددهم عن 110 ألف مواطن، هل يتم تضميد مصابهم المروع والفظيع والوحشي بهدن مؤقت أم بوقف الحرب فورًا؟ ولماذا عطلت وتعطل واشنطن مشاريع القرارات المطالبة بوقف الحرب فورًا ل3 مرات في مجلس الأمن؟ ولماذا الكيل بمكيالين؟ وعلى أي أساس ترسل الولايات المتحدة الجسر الجوي المتواصل منذ بداية حرب الإبادة حتى يوم الدنيا هذا؟ ولماذا توقع على ما يزيد عن 100 صفقة سلاح لإسرائيل، وترصد عشرات مليارات الدولارات دعمًا لإسرائيل؟ ولماذا لا تلزم حكومة الحرب النازية الإسرائيلية بوقف الحرب فورًا، وهي تملك كل أوراق القوة لفرض ذلك عليها؟ وإذا كانت معنية بإدخال المساعدات الإنسانية لإبناء الشعب الفلسطيني لماذا تتلكأ حتى الان في إيجاد معابر لإدخال المساعدات الموجودة على المعبر البري المصري؟ ولماذا تطرح الان بعد 5 شهور إقامة رصيف عائم يحتاج لشهرين حتى يتم اعداده؟ وهل يفترض بالفلسطينيين ان يموتوا جوعًا حتى يتم إقامة الرصيف المائي؟ وهل الرصيف يستهدف ادخال المساعدات الإنسانية، أم لفتح الباب لتهجير الفلسطينيين من القطاع بعد أن رفضت الشقيقة الكبرى مصر تمرير مخطط التهجير القسري؟ وهل وعودهم للقيادة الفلسطينية برفض التهجير القسري يملك أية مصداقية، أم هو للتضليل والخداع، والالتفاف على المعبر المصري؟ وإذا كانت إدارة بايدن ملتزمة بخيار حل الدولتين على حدود الرابع من يونية 1967، لماذا لا تعترف بالدولة الفلسطينية؟ لماذا المماطلة والتسويف بالاعتراف بالدولة الفلسطينية حتى الآن؟ ولماذا تعطل رفع مكانة دولة فلسطين، لدولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة؟ وكيف يمكن لأي إنسان عاقل فلسطيني أو عربي أو أممي قراءة الموقف الأميركي؟ وأين الخيط الفاصل بين المصداقية والأكاذيب وعمليات التضليل في مواقف واشنطن؟
لا يكفي ما ذكره الرئيس بايدن من تشخيص للمصاب المفجع والوحشي من أسلحة الدمار الشامل الأميركية، ومن قيادة الإدارة للحرب على ذات الشعب العربي الفلسطيني، ولا يسمن ولا يغني من جوع كل الكلام المعسول والايجابي الشكلي، لأنه لا ينسجم مع الممارسة العملية والانتهاكات والمجازر الأميركية الإسرائيلية ضد أبناء الشعب في قطاع غزة والضفة عموما والقدس العاصمة خصوصًا. كما أن النقد الحاد لحكومة نتنياهو لا يرمم جراح أبناء الشعب في القطاع. لأن المطلوب الآن وفورًا وقف الحرب دون تردد ودون شروط، وبالاعتراف دون قيد أو شرط بالدولة الفلسطينية لفتح باب الاعتراف من الدول التي لم تعترف بها وخاصة دول الاتحاد الأوروبي، وتمكين مجلس الامن من رفع مكانتها لدولة كاملة العضوية في هيئة الأمم المتحدة، وإدخال المساعدات الإنسانية بإنسيابية ودون قيود إسرائيلية.
ما لم تتخذ إدارة بايدن مواقف عملية وصادقة لوقف الحرب فورًا، وإدخال المساعدات من خلال المعابر المختلفة في الشمال والجنوب، وعودة النازحين لبيوتهم ومدنهم ومخيماتهم في شمال قطاع غزة، فهذا يعني أنها مصممة على إدامة حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، وفرض التهجير القسري برًا وبحرًا.
بالنتيجة الولايات المتحدة رأس الحربة ضد حرية واستقلال دولة فلسطين المحتلة وعودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم ومنحهم حق تقرير المصير، لأنه لا قيمة لكل ما ورد في الخطاب من جمل إيجابية، وينطبق على ما تضمنه الخطاب المثل الشعبي العربي "اسمع كلامك يعجبني، أشوف عماليك استغرب!" أو يفجعني وتقتلني جرائمك.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها