خطاب "حالة الاتحاد" الذي ألقاه الرئيس الأمريكي بايدن فجر الجمعة، والذي تحدث فيه عن قضايا داخلية أميركية، ورفع فيه شعار الحماية والدفاع عن "الحرية والديمقراطية"، والتي سيراها الشعب الأميركي بعد أن يمنحه الثقة لولاية رئاسية ثانية. وبالنسبة لنا كفلسطينين وعرب ومسلمين وكل الشعوب المظلومة، فهي تدرك ديمقراطية أميركا وحرياتها في سلوكها على أرض الواقع. كوبا وفنزويلا وافغانستان والعراق وسوريا وفلسطين وليبيا واليمن والصومال، التي "انتفعت وأستفادت من نعم وخيرات ديمقراطية أميركا وحريتها، قتلاً وحصارًا وتجويعاً وعقوبات اقتصادية ومالية بحق شعوبها، ودعماً لأنظمة ديكتاتورية وفاسدة، وتدخل فظ في شؤون تلك الدول الداخلية، عبر اسقاط أنظمة حكم اختارتها شعوب تلك الدول بإرادتها الحرة.
ولذلك كل الشعوب والدول التي تعارضت قياداتها مع الأهداف والمصالح الأميركية، صنفت على أنها دول داعمة ل" الإرهاب" أو جزء من محور الشر الأميركي، وهذا ينطبق على حركات التحرر التي تناضل من أجل حق شعوبها في نيل حريتها واستقلالها، أو التخلص من أنظمة مغرقة بالفساد والديكتاتورية. ونحن كشعب فلسطيني أصبحنا نحفظ عن ظهر قلب ديمقراطية أميركا وحريتها.
ويكفي افتخاره بأنه صهيوني وبأنه سيبقى مخلص ل" إسرائيل" مدى حياته، وفقط للتذكير عندما قدم للمنطقة في تموز /2022، والتقى سيادة الرئيس أبو مازن، وطالبه بضرورة وقف الاستيطان وإعادة فتح قنصليتهم في القسم الشرقي من المدينة وإعادة فتح مكتب المنظمة في واشنطن، والعمل على فتح أفق سياسي من أجل إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران/1967، حيث رد عليه، بالقول عليك أن تنتظر عودة المسيح لكي يحقق لك هذه المطالب، بايدن الذي اضطر تحت ضغط المظاهرات الحاشدة التي كانت تحتشد بالقرب من البيت الأبيض ومقر "الكونغرس" الأميركي، لسلوك طريق أطول، حيث ضمن الشعارات التي رفعها المتظاهرين ردًا على الموقف الأميركي المشارك في حرب الإبادة الجماعية "ارث بايدن هو الإبادة الجماعية" ولا "تقتلوا باسمنا، وارفعوا الحصار عن قطاع غزة واوقفوا الحرب عليها، والقول هنا للمتظاهرين، بايدن صحيح أنه تحدث عن الوضع المأساوي لشعبنا في قطاع غزة، وبأن الغالبية من المواطنين الذي استشهدوا، من النساء والأطفال، وأن هناك الكثير من النساء ترملت، وبأن هناك نقص حاد في المساعدات الغذائية والدوائية، وبأنه وجه من أجل إقامة رصيف بحري عائم، دون تواجد عسكري للجيش الأميركي، من أجل استقبال المساعدات من غذاء ودواء وماء ومساكن مؤقتة، وربما حمل إنذار مبطن إلى "إسرائيل"، بأن عليها أن تحمي المدنيين، وكذلك عدم وقوع موظفي الإغاثة في مرمى نيران الجيش "الإسرائيلي"، ولكن بايدن يدرك تماماً، بأن هذا العدد الكبير من المدنيين الذين جرى قتلهم وجرحهم، هم سقطوا بنيران أسلحة أميركية جرى تزويد "إسرائيل" بأحدثها من صواريخ موجهة وقنابل خارقة للتحصينات وأحدث أنواع السلاح، ولم تفرض أميركي أي عقوبات عسكرية أو مالية على "إسرائيل" وحتى اتجاهات تصويتها في مجلس الأمن الدولي، بقيت توفر الحماية وشبكة الأمان ل"إسرائيل" من أي قرارات قد تتخذ ضدها أو عقوبات تفرض عليها، بسبب ما تقوم من عمليات قتل وقمع وتنكيل وحصار وتجويع، فهي اتخذت حق النقض "الفيتو" ضد مشاريع قرارات قدمت لمجلس الأمن، من أجل وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لدواعي إنسانية، بل ومنعت صدور بيان رئاسي من مجلس الأمن، لمشروع قرار تقدمت به الجزائر من أجل إدانة "إسرائيل" بسبب إتهامها بإرتكابها لمجزرة "الطحين" على دوار شارع الرشيد، ولم تقبل حتى بالانتقاد لها.
بايدن في موقفه هذه يريد أن يستعيد ثقة الرأي العام الأميركي وكذلك ثقة العرب والمسلمين في الولايات المتأرجحة، وخاصة متشغان وبنسلفانيا، والتي تشكل عامل مرجح في الفوز في الإنتخابات، حيث صوت أكثر من 100 ألف مواطن، في ولاية متشغان، باللا ملتزم بالنسبة لبايدن والحزب الديمقراطي، وكذلك قيام الطيار الأميركي أورون بوشندل بحرق نفسه أمام السفارة "الإسرائيلية" في واشنطن، احتجاجاً على المشاركة الأميركية في الحرب والإبادة الجماعية في قطاع غزة، وكذلك قيام العديد من الجنود والضباط الأميركان بحرق شاراتهم العسكرية دعماً لهذا الطيار الأميركي، الذي انتصر لإنسانيته، بالإضافة إلى الموقف من الهجرة وتراجع النمو الإقتصادي وغيرها، ربما تطيح ببايدن وتمنع فوزه لولاية رئاسية ثانية.
بايدن أعاد تأكيد التزامه بأمن "إسرائيل" ودعمها المطلق والإخلاص لها طوال الحياة، ويرى بأن جذر المشكلة، هو يتمثل في قوى المقاومة الفلسطينية، والتي عليها أن تطلق سراح الأسرى من جنود ومدنيين "إسرائيليين"، وعليها أن تلقي السلاح وتسلم قادتها، أما بالنسبة لنتنياهو وحكومته فهم "حمائم سلام"، يريدون "السلام"، ولكن هذا الشعب الفلسطيني وقيادته في غزة أو حتى في الضفة والتي قدمت تنازلات طالت قضايا كثيرة وكبيرة، فهم لا يريدون "من يريد السلام"، فنتنياهو في خدمة "السلام" يقول بأنه لن يكون هناك دولة فلسطينية بين النهر والبحر، من يريدون "السلام"، هم من عقدوا مؤتمراً في القدس تحت عنوان "الطرد والتهجير يجلب السلام"، وبأنه يجب العودة إلى أرض الأهل في مستوطنات "غوش قطيف في قطاع غزة، من يريد "السلام"، من يدعو إلى قصف غزة بالسلاح النووي، والبحث عن أساليب أكثر ألماً من الموت لتعذيب الفلسطينيين.
من يريد "السلام" هو من يدعو إلى محو شهر رمضان الفضيل، من يريد "السلام" هو من يقوم ببناء عشرات آلاف الوحدات الإستيطانية في الضفة الغربية والقدس. من يريد "السلام"، هو من يقول بأنه لا يوجد شعب فلسطيني وهذا اختراع عمره أقل من 100 عام. من يريد "السلام" هو من يسلح المستوطنين ويقومون كل يوم باعتداءاتهم على القرى والبلدات الفلسطينية، حيث القتل وتدمير الممتلكات وحرق المركبات والمحاصيل وقطع الطرقات، من يريد "السلام" كحاخام يافا الياهو مالي. نعم هؤلاء هم من يريدون "السلام"، أما شعبنا الفلسطيني الذي سلبت أرضه وطرد وهجر وترتكب بحقه جرائم الإبادة الجماعية، فهذا شعب "إرهابي" وقياداته إرهابية لا تريد السلام؟ دولة الورق والإسطوانة المشروخة التي تريدونها يا سيادة الرئيس الأميركي ومعكم دول الغرب الإستعماري، والتي بقيتم تضحكون فيها على دقون القيادات المنهارة عرب وفلسطينيين، منذ 30 عاماً ونحن نسمع نفس الإسطوانة، ودون أي خطوة عملية، تجعل شعبنا الفلسطيني يثق بكم ولو بنسبة 1%، فأنتم ما تريدونه امتصاص الغضب الشعبي العربي والفلسطيني، حماية لمصالحكم في المنطقة، وحماية أمن "إسرائيل"، وأن تتسيد المنطقة، وتبقى تذل أمة بأكملها، وتمنع أي مشروع وحدوي بين أقطارها.
شعار الدولة الفلسطينية وحل الدولتين، فقد بريقه ولمعانه، ولم يعد يقنع أصغر طفل فلسطيني، بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته المستقلة على جزء من فلسطين التاريخية وعاصمتها القدس، وضمان حق للعودة للاجئين وفق القرار الأممي (194)، فقط هي شعار يستخدم في زمن الأزمات، وما بعد انتهائها نعود للمراوحة في نفس المكان، مع إعطاء الضوء الأخضر ل"إسرائيل" لكي تستكمل مشاريعها ومخططاتها، لكي تسيطر بشكل كامل على كل فلسطين "أرض الميعاد"، حل الدولتين، يحتاج إلى اعتراف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، واتخاذ خطوات عملية على أرض الواقع ، تنفذ وتطبق هذا الحل، وليس عقد مؤتمرات مارثونية لإعادة النقاش والبحث في هذا الحل، "طحن بدون طحين".
وفي النهاية أعتقد بأن القيادة التي تشيد بخطاب بايدن مازالت تعيش أوهامها وغيبوبتها السياسية وانفصالها عن الواقع.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها