يخطئ بعضنا بظنه أن التعبئة الوطنية، ورفع الحالة المعنوية في جبهتنا الداخلية، تتطلب تفريغ عمليات منظومة الاحتلال الصهيونية العنصرية العسكرية من أهدافها، وخفض حدة ودموية الوقائع على المواطنين المدنيين الأبرياء إلى أدنى مستوى، أو حتى نكرانها!! ليس هذا وحسب، بل يذهب بعض الخريجين من مدرسة (أبو العريف) إلى حد ترويج (تخريفاته) على أنها معلومات من مصادر موثوقة!! أو يحرص على دس أنفه بين جمهور الخبراء في تحليل الأحداث والوقائع، فيكسب كبائع أوهام محترف، لإدراكه أن بضاعته تلقى رواجا لدى شرائح عديدة في الشارع، حيث تسود ثقافة استصغار عقل (العدو) واحتقار قدراته وقوته المادية، أي العسكرية والسياسية والاقتصادية، والعبث بعقل الجمهور المتلقي، لا يفرق بين الخطط والتخبط، ولا بين المناورة والتكتيك من ناحية وبين الانكسار والهزيمة، فالأمر بالنسبة له نجاحه في إيصال الجمهور إلى نشوة إنجاز أو انتصار وهمي ليس موجودا إلا في مخيلته، تكذبه دماء آلاف الأطفال والنساء والعجائز والشباب الأبرياء المسفوكة، ومشاهد قطط وكلاب تنهش من جثث متناثرة ومتحللة على الطرقات، غير الآلاف المدفونة قسرا تحت ركام عمران المدن والمخيمات والبلدات في قطاع غزة.
يخطط المستعمرون الصهاينة في إسرائيل لمعاركهم وحروبهم ومجازرهم وحملات الإبادة الدموية، ولا يقدمون على فعل إلا وفق خطط مرسومة سلفا، لكنهم ينتظرون ذريعة، أو حجة، لتكون بمثابة ساعة الصفر، لكن خططهم وقوتهم وآليات تنفيذها ليست قدرا، لافتقارهم للحق، لذلك تنتصر الشعوب ولو بعد حين من النكبات والنكسات والمعارك، لكن ليس قبل التسلح بالوعي، والمعرفة، والعلم، والتفكير، والثقافة التي تمكن الجماهير من فرز الحقيقي عن المزيف، وفرز الواقع والوقائع عن الوهم والتهيؤ، واختيار الأساليب المنسجمة مع مشروعية الكفاح الوطني، وكذلك الظروف والوقائع المحيطة بميادين النضال لانتزاع الحق والحرية.
يخطط رؤوس منظومة الاحتلال والاستيطان (إسرائيل) بعقل مشبع بمفاهيم الصهيونية العنصرية ويعملون على تحقيق أهداف خططهم، بالوسائل المناسبة، ابتداء من الطلقة في رأس مناضل، أو تفجيره بعبوة (اغتيال) مرورا بالمجازر، وصولاً لمرحلة الإبادة كما نشهدها منذ مئة وعشرة أيام، لكنهم في خضم كل هذا، يمنحون مجتمعهم السياسي، والشعبي حرية التعبير والنقد، وطرح المطالب الخاصة والتي قد تتعارض مع رؤية رؤوس المنظومة، فيسارع البعض إلى اعتبار المشهد، انقساما، وتخبطا، غافلا عن مسار الخطط ميدانيا وإحراقها لكل ما هو حي على الأرض، وكذلك عن ارتفاع الخط البياني لمسار تدمير الإنسان والعمران.
ويخطط القائد الوطني بعقل مشبع بفكر وطني، ويرسم أهدافا ممكنة التحقيق، مرتبطة جذريا بالحق التاريخي والطبيعي، مستخلصا العبر والأحكام من مراحل الكفاح والتجارب النضالية، ومستلهما تجارب الشعوب الحرة، ويضع الممكن والمتناسب مع الواقع الوطني في مسار التنفيذ، آخذا بالاعتبار الظروف القاهرة المحيطة، ومبدعا للسبل والوسائل المشروعة المستنبطة مما اتفقت عليه الإنسانية، ودونته في قوانينها وشرائعها الأممية، وعندما تصطدم خطط الصهيوني الخادم لسيده المستعمر، مع خطط الوطني الرافع لمصالح الشعب الفلسطيني العليا، خطط تنفذ بقوة إيمان بلا حدود باستقلالية القرار الوطني، وهنا تتجلى قوة الحق اللانهائية، ومتانة جذور الانتماء والهوية الوطنية الفلسطينية، مقابل شخصية صهيونية تم تجميع عناصرها من أجناس وأعراق وثقافات عديدة، المتناقضة تماما، لا روابط مشتركة بينها سوى الانتساب لمنشأة استعمارية مزودة بأسباب القوة، وبأشد معدات الحرب فتكا، تحت يافطة "دولة إسرائيل"، أما الرابطة الدينية (اليهودية)، فقد بات معلوما ضعفها وهشاشتها، لأنه لا يوجد اثنان من حاخامات إسرائيل متفقان على تعريف "اليهودي" ولأن نسبة عالية من الذين تم اقتلاعهم بالترغيب من أوطانهم الأصلية من دول أجنبية عدة ثبت أنهم غير يهود!! وهنا يتجلى التخبط الصهيوني.
يخطط القائد الوطني الفلسطيني لتثبيت جذور الإنسان الفلسطيني في أرض وطنه التاريخي والطبيعي، ويعمل بأقصى طاقته العقلانية، وتسييد مبدأ الحياة على الموت، والتضحية والفداء على الموت العبثي، ليواجه مخطط صهيوني اتخذ التهجير وسلب الشعب الفلسطيني مقومات الحياة، وتعميم مفاهيم داعية لتقديس الحرب والموت على حساب السلام والحياة، ليضمن غلبة القوة النارية المسلحة، على قوة الحق الكامنة اصلا بالحياة والحرية والسلام، وعند اصطدام الخطتين الوطنية الفلسطينية، والصهيونية العنصرية، يبرز تخبط أصحاب المشروع الاصطناعي، عندما يجدون أنفسهم في مواجهة حاسمة مع قناعات شعوب وأمم ودول وحكومات بالحق الفلسطيني، فالشعوب الوارثة للحضارات المتعاقبة على أرضها تعرف أن الشعب الفلسطيني مثلها أصيل متأصل، وأن الدول المنشأة بقرارات دول استعمارية لن تمنح الإنسانية إرثا حضاريا، مهما بلغت دقة خططها الحربية والأمنية والاقتصادية، وشدة القوة المسخرة لتنفيذها على الأرض.. وبقي أن نقول: عندما يقف ساسة وجنرالات إسرائيل المسؤولون عن حملة الإبادة الدموية بحق الشعب الفلسطيني كمتهمين أمام المحكمة الجنائية الدولية، وعندما تعترف واشنطن وعواصم الدول الاستعمارية السابقة في أوروبا الغربية بدولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس، حينها سنشهد التخبط الحقيقي ليس في رؤوس دولة الاحتلال إسرائيل وحسب، بل في أدمغة المنظمة الصهيونية بكل ألوانها ومسمياتها، الصهيونية الدينية والسياسية اليهودية وغيرها، وكذلك توأمها "الإخواني".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها