هذه العبارة: "لم تنجح إسرائيل في تحقيق أهدافها المعلنة" تعتبر بمنظار رؤيتنا لأهداف منظومة الاحتلال من أخطر ما سمعناه خلال الشهرين الماضيين من حرب الإبادة الدموية الاستعمارية الصهيونية على الشعب الفلسطيني، فقائلها إما أنه  لا يعير اهتمامًا لعشرات آلاف الشهداء وحوالي خمسين ألف جريح، مع دمار شامل لبيوت ومساكن المواطنين في قطاع غزة والمؤسسات الصحية والتعليمية  والاقتصادية والثقافية والمراكز والمعالم التراثية التاريخية، ويركز نظره ويحصر اهتمامه بزاوية الأهداف المعلنة التي تحدث عنها رأس حكومة منظومة الاحتلال الصهيوني العنصري بنيامين نتنياهو، وكذلك وزير الحرب يوآف غالانت أو أنه يتساوق مدفوعا بمصلحة خاصة أو فئوية،  مع أهداف وسائل الاعلام ناطقة بالضاد، معنية بتقليل حجم النكبة وفيضان المآسي والمعاناة المغرق لأكثر من مليونين ونصف المليون مواطن من الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وفي كلتا الحالتين نحن نشهد عملية اغتيال للحقائق ولوعي الجماهير على الهواء مباشرة.

لا يمكن لرؤوس وزارة الحرب الاسرائيلي الوقوف بمؤتمرات صحفية  للتصريح عن الأهداف الفعلية غير المعلنة لحملة الابادة الدموية الهمجية، وجرائم الحرب والجريمة ضد الانسانية المستمرة منذ أكثر من ستين يومًا، لأنهم يفضلون إشغال دول وحكومات كثيرة في العالم بقضية الأهداف المعلنة، التي تيسر لهم  تحقيق اهدافهم الكامنة وراءها على رأسها : إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين، عبر دفع أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في ارض الوطن في قطاع غزة، حوالي مليون و800 الف لاجئ يتوزعون على المخيمات من شمال القطاع حتى جنوبه للنزوح والهجرة إلى خارج أرض وطنهم التاريخي، ما يعني حدوث نكبة أفظع بكثير من نكبة سنة 1948، بالتوازي مع تكثيف الحملات العسكرية على المخيمات في مدن الضفة الغربية، ولا نغفل الجزء الخطير من المؤامرة الذي ابتدىء به في مخيمات لبنان وتحديدًا في مخيم عين الحلوة على يد التكفيريين الارهابيين، بعد مساهمة هؤلاء الفاعلة والقوية في تدمير مخيم اليرموك المسمى عاصمة الشتات في  العاصمة السورية دمشق، أما الغاية القصوى من كل هذه الحروب المدمرة المتتالية والمتوازية، فهي الغاء حق العودة، عبر تشجيع وتسهيل ممرات الهجرة إلى دول بعيدة جدًا عن ارض الوطن، بعد تحويل أرض الضفة الغربية وقطاع غزة إلى خراب يستحيل العيش فيها، أما القدس فإن مخططات التهويد المنفذة بوتيرة متسارعة، والقوانين التي تصعب على المواطن الفلسطيني المقدسي رؤية معنى لحياته في ظل إرهاب دولة منظم، فإنها ستكون في ذروة أهداف المرحلة النهائية من حرب الإبادة، التي يخطئ لن تتوقف إلا بتحقيق هذه الأهداف.. ولكن!

هل لدى رؤوس منظومة الاحتلال الارهابية ما يجعلهم واثقين من تحقيق هذه الأهداف؟! أم أنهم بنهجهم الأخطر، وهو تقسيم الشعب الفلسطيني، واستهداف كل مسمى على حدة، بعد اصطناع المبررات، سيتمكنون من تحقيق اهدافهم في نهاية الأمر؟! أما الاجابة عن السؤالين، فمن المفترض أن تكون (لا) حاسمة وقاطعة، وهذا نابع من ثقتنا اللا محدودة بإرادة شعبنا وإيمانه بالتجذر والثبات في أرض وطنه، وبقدراته على الصمود والمواجهة، وبقدرة قيادته السياسية الوطنية على تفكيك عناصر المؤامرة  الاستعمارية الصهيونية، وحشد جبهة عالمية، بما فيها عمقنا العربي الاستراتيجي، لمجابهة الزحف الاستعماري الصهيوني في المنطقة، فالعالم اليوم ليس كما كان نهايات القرن الماضي، والأهم أن أجيال الشعب الفلسطيني المتتابعة، والمتأصلة بانتمائها الوطني، والمسلحة بالمعرفة والعلم ، والتجارب الكثيفة المتتالية، ونتائجها التي خلص اليها بعد دفع فواتير دم باهظة، ستجعلنا على يقين أن هذه الأجيال وعلى رأسها قيادة الحكمة والتعقل والشجاعة والتمسك بالثوابت، على إدراك تام بالأهداف السرية (غير المعلنة) لحرب الابادة التي تنتقل مراكز ثقلها من العاصمة القدس إلى مخيمات الضفة، ثم مخيمات لبنان وسوريا، ثم الآن في ذروة حمأتها على ملايين من إخوتنا في الوطن بقطاع غزة .. ولكن مرة أخرى نسوقها في سياق اليقظة، حتى لا تشغلنا الروح المعنوية العالية عن معالجة مكامن الخلل، التي قد تتيح لمنظومة الاحتلال العنصرية تحقيق أهدافها، وأول هذه المكامن: قصور الرؤية لأهداف منظومة الاحتلال وحصرها بالذات الفئوية الحزبية  لغاية تضخيمها، بغرض نيل مكاسب خاصة لا تستحق إراقة دم طفل واحد من شعبنا، أما الخلل الثاني فهو طرد الفكرة  الانسانية الفردية والجمعية الوطنية، وإحلال المفاهيم والتعاليم المخالفة والمناهضة والمتصادمة مع القيم الإنسانية، ومحاولة فرضها كفكرة بديلة.. اما الخلل الثالث فهو إخلاء فضاء العقل والتعقل والعقلانية، لصالح الانفعالية العبثية والفوضى المقنعة بشعارات تعبوية لا تنفع  أبدًا مع الواقع.

لا بد لمن يريد معرفة الأهداف غير المعلنة أن يتمتع بعقل انساني، وبصيرة وطنية متحررة من التعصب، عندها سيدرك أن وجوده كانسان وشعب ووطن، وأن المشروع الوطني الفلسطيني حيث مستقبل أبنائه وعائلته ومجتمعه والشعب الذي ينتمي اليه وأرض وطنه، وكيانه السياسي وممثله الشرعي والوحيد منظمة التحرير الفلسطينية، ودولته التي ارتضاها كحل وبديل عن الاستمرار بسفك الدماء واستجابة لنداءات العالم المحب للسلام، ولقرارات الشرعية الدولية هي الهدف المعلن بكل صراحة قبل ابتداء هذه الجولة الأفظع من الحرب الهمجية الدموية الصهيونية الاستعمارية، وسيبقى هدف المنظومة المعلن ما دمنا ثابتين على أرض وطننا، ومتمسكين بحقنا التاريخي والطبيعي، وما دمنا نؤمن بفكرة السلام، وبقدرتنا على تحقيقه من أجل مستقبل بلا حروب ولا تسفك فيها دماء نساء وأطفال وشيوخ والرجال أيضًا.