خطر استراتيجي

(هآرتس: بقلم أسرة التحرير)

    التطرف القومي والديني في اسرائيل ليس فقط مشكلة داخلية. فقد تبين هذا الاسبوع بان اجراءات ائتلاف  نتنياهو – باراك لقمع حرية التعبير، منظمات اليسار والجالية العربية، وتعزز الاكراه الديني في المجال العام والجيش الاسرائيلي، تعرض للخطر علاقات اسرائيل مع مؤيديها في الغرب – ولا سيما مع المؤسسة السياسية ويهود الولايات المتحدة. منافسة الصراخ بين السياسيين العطشين للعناوين الرئيسة من اليمين تصبح خطرا استراتيجيا.

الدعم الامريكي حيوي لوجود أمن وازدهار اسرائيل منذ فجر قيامها. "العلاقات الخاصة" بين الدولتين عللت دوما بالقيم المشتركة بين القوة العظمى القوية في العالم و "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط". وحتى عندما انتقدوا المستوطنات والمس بحقوق الانسان في المناطق احترم الامريكيون النظام الديمقراطي داخل الخط الاخضر. وأيدت الجالية اليهودية اسرائيل وسياستها دون تحفظ.

والان يبدو انه حتى مؤيدين قدامى وثابتين لاسرائيل يئسوا ويبتعدون عما يبدو لهم كابتعاد اسرائيلي عن "القيم المشتركة" واستبدالها بالقومية المتطرفة، اسكات الانتقاد والتزمت الديني.

وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون أعربت عن قلق شديد من موجة القوانين المناهضة للديمقراطية، وعلى رأسها قانون الجمعيات، وشبهت الكفاح ضد غناء المجندات في الجيش الاسرائيلي بما يجري في ايران. منظمة الاتحادات اليهودية هاجمت بشدة حملة النشر لاعادة اسرائيليين من الولايات المتحدة، والتي شككت بقدرة العيش اليهودي خارج اسرائيل.

رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو صحا، الغى حملة النشر، ويؤجل النقاش في قانون الجمعيات. ولكن الخط العام لحكومته بقي كما كان: اسرائيل القلقة من "الربيع العربي" وتعزز الحركات الاسلامية في الدول العربية، وخائبة الامل من الوهن الامريكي حيال النووي الايراني، تشعر بنفسها مهجورة – وتتبنى بالتدريج الاعراف المتبعة في الشرق الاوسط، في ظل الابتعاد عن قواعد تأييدها في الدول الديمقراطية في الغرب. اسرائيل بحاجة ماسة الى زعامة تخلصها من العزلة المهددة، وتقربها عائدة الى اسرة الشعوب.

 

بشار مدافع

(يديعوت احرنوت: بقلم اليكس فيشمان)

    (المضمون: جُل جهود سوريا العسكرية موجهة الآن الى تركيا لا الى اسرائيل. ومجموعة الجنرالات في القيادة المصرية هي العنوان الوحيد الذي بقي لاسرائيل في مصر).

لم تكن الفكاهة الشوفينية العديمة الذوق لرئيس هيئة الاركان ووزير الدفاع وحدها هي التي لا داعي لها هذا الاسبوع، بل كانت كل الزيارة المغطاة اعلاميا لهضبة الجولان كذلك. اذا كانت صورة الاثنين وهما يشرفان على تدريب للجيش الاسرائيلي في الجبهة الشمالية ترميان الى ارسال تحذير الى السلطات في دمشق فقد أُهدرت هنا ذخائر دعائية ثقيلة على الهدف غير الصحيح.

ان نشر قوات الجيش السوري، وهذا صحيح الى الآن، يشير الى ان جبهة الجولان ثانوية تماما بالنسبة اليه. فقد اقتنع النظام في دمشق بأن القدس لا تنوي استغلال وضعه الحساس لتهاجم. وبحسب ذلك توجد الآن في مثلث الحدود بين اسرائيل والاردن وسوريا قوات كثيرة تعمل على قمع الانتفاضة الشعبية أكثر من تلك التي تعمل في جبهات تواجه الجيش الاسرائيلي. وفي هذه المنطقة جرى في الاسبوع الماضي تبادل اطلاق نار بين الجيش السوري والجيش الاردني، خطأ كما يبدو، بسبب محاولة وقف تدفق لاجئين على المملكة الهاشمية. وعلى الحدود مع كتسرين وجمله في المقابل سُمع غناء الجنود.

ان جُل القوة البرية السورية منشور اليوم في مواجهة تركيا. فهناك العدو الاول لدمشق. ومن هناك سيأتي الشر كما تخشى. في الاسابيع الاولى للاضطرابات في الربيع من هذا العام ردت السلطة بعصبية زائدة في مواجهة نشاطات اسرائيلية في الجو والبر والبحر. والآن يوجه الرد نحو وحدات طيران لجيش تركيا وحركاته على طول الحدود. فهناك يسود شعور ما قبل الحرب.

ان صور التدريب على اطلاق الصواريخ التي نشرتها سوريا هذا الاسبوع كانت ترمي قبل كل شيء الى ردع الاتراك الذين يتهمهم الاسد بمساعدة المعارضة ونقل ذخائر الى تاركي الجيش. وعلى حسب زعمه فانه منذ اللحظة التي بدأت فيها أنقرة الامداد بالسلاح، بدأ الجنود الذين تركوا وحداتهم يهاجمون معسكرات للجيش. ويقول السوريون ان الرئيس اردوغان يهدد ايضا حرية الطيران في الدولة، وينوي ان يفتح بالقوة ممرا انسانيا.

لكن أكثر ما يقلق دمشق هو سيناريو تنشأ فيه على الحدود مصادمات عرضية تتدهور سريعا لتصبح مجابهة شاملة بين الطرفين. حينما هدد الاسد هذا الاسبوع بأنه اذا هوجمت سوريا ستشتعل المنطقة كلها كان يقصد اذا الاتراك قبل الجميع. ان التهديدات العسكرية والعقوبات من قبل الجامعة العربية والدول الاعضاء في حلف شمال الاطلسي هي بالنسبة اليه في المكان الثاني فقط في سلم تهديدات دولته. وماذا عن اسرائيل؟ انها تكتفي الآن بالمكان الثالث فقط مع فرق واضح ايضا.

عرف وزير الدفاع ورئيس هيئة الاركان هذا التدريج ساعة التقطت لهما الصور تحت شمس الجولان الشتوية. وقد وصلت هذه التقديرات الى طاولتهما ايضا. فماذا فعلا هناك في الهضبة؟ من أرادا ان يخيفا؟ ان من ينضغط في هذه الحالات خاصة هو الجمهور الاسرائيلي الذي يحاول على الدوام فك الرموز. وحينما يستقبل المشاهد في نفس نشرة الاخبار الى جانب باراك وغانتس، خطبة نصر الله والزاوية الثابتة لاحمدي نجاد وشيئا من اضطرابات مصرية يُنهي بها المشاهدة يصبح على يقين من ان الدولة على شفا مواجهة مع العالم العربي كله.

ان الصور عن التدريب على اطلاق الصواريخ التي عرضت هذا الاسبوع في التلفاز هي في الواقع صور مُعدة من تدريبين منفصلين نفذهما السوريون في الاسبوع الماضي. وقد أُجري التدريب الاول من قبل نظام الصواريخ اشتمل على اطلاق التطوير الجديد الدقيق، إم 600. وهذا الصاروخ وأشباهه هي التهديد الحقيقي لدولة اسرائيل. ان كتلتها قد تغير الصورة. وذلك قياسا باحتياطي الصواريخ والقذائف الصاروخية التي اجتمعت حتى الآن في الجبهة الشمالية – في سوريا ولدى حزب الله – ويتوقع ان تكون كما يرى الجيش الاسرائيلي أشد فتكا مما يبدو في الظاهر.

والتدريب الثاني الذي تم تصويره نفذته القوات البرية، وأطلقت في اثنائه قذائف صاروخية وصواريخ ايضا. وهكذا وبواسطة تجميع الصور من هنا وهناك تحول تدريب سنوي مخطط له فجأة الى فيلم دعاية يرمي الى إحداث ردع. يبدو هذا مفاجئا لكن توجد في الجيش السوري انظمة لا تشتغل بقمع الاضطرابات: فالنظام الصاروخي يتابع التجارب والتدريبات التي حُددت مقدما. وتتابع العمل ايضا مراكز "سيرس" الـ 11 التي تستعمل للبحث والتطوير وانتاج سلاح متقدم.

في مجالات اخرى، بدأت العجلات السورية تتعثر. فقد فرضت الجامعة العربية في الاسبوع الماضي على دمشق عقوبات شديدة من حظر زيارات القادة الى عقوبات اقتصادية. لكن يبدو ان ما يثير غضب الاسد ورجاله فيها أكثر من كل شيء هو ذاك الذي يبدو هامشيا جدا وهو القطيعة مع طبع الاوراق النقدية. فالسوريون يطبعون اوراقهم النقدية في اوروبا وتتعاون القارة في هذا الشأن مع القرار. وهم لا يستطيعون تجديد الاحتياطي بغير آلات طبعها.

وفُرضت القطيعة ايضا على استيراد محروقات من سوريا لكن لسوريا في هذا المجال حليفة الآن هي ايران. فالجارة الشرقية تشتري منها البنزين وتبيعه في العالم على أنه وقود ايراني وهكذا تساعدها على ان تلتف على بعض العقوبات. وسيبقى الاقتصاد السوري ما لم يقطع العالم التجارة بمحروقات آيات الله.

 

حزب الله في مواجهة الزمن

انطبع في نفوس دبلوماسيين عادوا من سوريا في المدة الاخيرة ان الاسد لا يتصرف كمن يوشك ان ينهي سلطته. فالروس والامريكيون يُقدرون في الحقيقة ان نهايته قريبة بل بدأوا يتباحثون معه في أي الاماكن سيُهرب اليها لكنه ما لم يقتنع الرئيس بأنه محتاج الى تخليص فلن يتحرك. يتحدث اهود باراك عن نهاية سلطة بشار في مدى أشهر لكن يوجد في جهاز الامن ايضا من لا يرونه يختفي خلال السنة القريبة. وتقول تقديرات الوضع في الغرب وفي اسرائيل انه اذا سقط الاسد فلن يحدث هذا بسبب الضغط الداخلي داخل سوريا. سيُطرح من القصر على أيدي الجمهور حينما يُستعمل فقط ضغط خارجي قوي يشل النظام مثل عقوبات فعالة وعزلة طويلة. وطبيعة هذه الضغوط انها تؤثر اذا أثرت أصلا بصورة بطيئة.

في اثناء ذلك يحاولون في الولايات المتحدة وفي روسيا واوروبا البحث عن الجهة التي تتولى مكان الاسد. ويطمحون الى بناء معارضة حقيقية له. ولا يُرى عبد الحليم خدام، وزير الخارجية السابق الجالي في باريس، و"العم الحبيب"، رفعت الاسد، وريثين محتملين. يعتمد الامريكيون على الدكتور برهان غليون، وهو مثقف جال ايضا في فرنسا.

يرأس برهان "المجلس الوطني السوري"، وهو المنظمة التي تحاول ان تركز الجهات الجالية. وله صلة بالعقيد التارك للجيش، رياض الاسعد، "قائد جيش سوريا الحر" الذي ينزل في تركيا، وبهذا يكون في ظاهر الامر عنوانا قياديا للغرب. بيد ان هذا البديل يبدو الآن أشبه بالمعارضة العراقية التي سبقت حرب الخليج الثانية، تلك التي خدعت الادارة الامريكية وباعت الرئيس أكاذيب بواسطة وكالة الاستخبارات المركزية.

ان حياة الاسد التي أخذت تخبو والبحث عن بديل لا يشوشان على روسيا ان تستمر في النظر الى سوريا أنها دولة مرعية لها، وأنه ليس للامريكيين أي موطيء قدم فيها. وبهذه الروح تواصل موسكو إتمامها لجميع صفقات السلاح المحكم التي وقعت عليها مع دمشق في العقد الاخير واحدة بعد اخرى: من الصواريخ البحرية "يحونت"، الى نظام الصواريخ بارتفاع متوسط "اس.آي 17" الى نظم الدفاع الجوي التي تُعد الكلمة الاخيرة في الترسانة – اس.آي 22، الذي يسمى "بانتسير". بل انه سيأتي الى روسيا في السنة القادمة خبراء سوريون بقصد الدراسة عن النظام المضاد للطائرات المتقدم "اس 300" الذي رفضت ان تبيعه للايرانيين – بضغط اسرائيل. وقد دفعت دمشق ثمن نظم السلاح هذه، فهناك من يعطيها المال وبكثرة.

ان الدب الروسي الذي استيقظ من سباته يُعلم حدود منطقته ببوله على حدود سوريا الجديدة. في نهاية كانون الثاني ستصل ميناء طرطوس حاملة الطائرات الروسية "كوزنيتشوف"، وأعلنت وزارة الدفاع في موسكو ان غرض زيارة القاعدة السورية هو الشحن بالوقود. بيد أنه يبدو ان الحديث في الأساس عن شحن الأنا الروسية بالوقود، في اطار سياسة المواجهة التي يقوم بها في وجه الولايات المتحدة في كل ما يتعلق بدول المنطقة.

حينما هوجم سفير روسيا في الامم المتحدة، فيتالي تشوركن بسبب المساعدة العسكرية التي يمنحها بلده لسوريا أجاب: "نحن نبيع بحسب العقود، لكننا أتممنا ترتيبات مناسبة كي لا تقع وسائل القتال في الأيدي غير الصحيحة". وهو يعلم ايضا ان الأيدي غير الصحيحة تعني حزب الله – وهذا محقق في الوقت الذي أصبحت فيه المنظمة الشيعية في الاسابيع الاخيرة في حرج سياسي من أشد ما عرفت منذ أُنشئت. ان سقوط الدعامة السورية قد تجعله في وضع ضعيف لا في مواجهة اسرائيل فحسب بل داخل لبنان ايضا.

تستعد قيادة حزب الله الآن استعدادا مكثفا للمستقبل. وتشمل خطواتها من جملة ما تشمل نقل وسائل قتالية من سوريا الى لبنان خشية ان تُسد الحنفية بعد سقوط الاسد. وفي اسرائيل يتابعون بتدقيق كل ما يدخل بلاد الأرز آملين ألا نغفل عن استيراد نظم السلاح التي أُعلمت هنا بعلامة "خطوط حمراء" – وهي صواريخ مضادة للطائرات متحركة من طراز "اس.آي 8" مثلا قد تهدد حرية طيران سلاح الجو. اذا كانت توجد خشية من اشتعال الحدود فانها تتناول حالة يُضبط فيها حزب الله وهو يُدخل هذه النظم الى لبنان وتهاجمها اسرائيل. ولم يسأل أحد حتى الآن في أيدي من ستسقط احتياطيات السلاح غير التقليدي لسوريا التي هي من أكبر ما يوجد في العالم.

في المقابل تحاول الحركة الشيعية ان تثبت علاقاتها بسوريا الجديدة بتوثيق العلاقات بمن تراهم الجهة المتقدمة هناك، أي الاخوان المسلمين. اذا سقط الاسد فستبذل المنظمة جهدا لشق طريقهم الى الحكم لتحصل منهم مقابل ذلك على استمرار الحلف.

    الجنرالات يبتلعون الريق

لا يستطيع من يمشي اليوم في ممرات المبنى الرمادي القديم لقسم البحث في "أمان"، ألا يشعر بجو الاضطراب. عادت سوريا ومصر والقوتان العظميان من ورائهما، روسيا والولايات المتحدة، تشغل الاهتمام كما كانت ذات مرة. يتحدثون الآن هناك عن تقاسم جديد لمناطق التأثير في الشرق الاوسط. وباختصار يحك المتقاعدون من هذا القسم أيديهم بمتعة. عُدنا الى أيام الثمانينيات البهيجة: فعلى رأس "منظومة الاستخبارات اليومية" يلمع نجم دول تنبعث منها رائحة العودة الى أيام الصراع بين الكتلتين.

يقول التقدير في اسرائيل انه اذا نشأت مواجهة مع سوريا فلن تحدث لأن دمشق تريدها، فهي مشغولة بشؤونها. والكلام الذي يقول ان الاسد سيهاجم لانقاذ جلده هو من نوع الكلام الذي يُقال ليُكتب في مكان ما. اسرائيل كما قلنا آنفا لا تثير عناية سوريا. والحديث عندنا عن هجوم مشترك بينها وبين ايران وحزب الله يرمي الى ان يخدم أجندة شخصية غير واضحة. ان السيناريو الذي يقلق حقا المختصين هنا هو التدهور الى حرب بخلاف موقف الحكام الأساسي. قد يحدث هذا السيناريو نتيجة الرأي العام أو تصرف شعبي يفضي بالقادة الى اتخاذ قرارات تعارض مصالحهم، ويصح هذا على سوريا وهو أصح على مصر.

ان القيادة في القاهرة غير معنية بأي نوع من المواجهة المسلحة مع اسرائيل. فهي تدرك ان هذه المواجهة قد تنتهي الى مهانة والى كارثة قومية تجعلها تنهي حياتها المهنية. ومع كل ذلك لم يحارب الجيش المصري منذ اربعين سنة. أنفق الامريكيون عليه في الحقيقة منذ الثمانينيات 60 مليار دولار، لكنه غير مستعد من الفور لحرب شاملة. بل يتحدث الاخوان المسلمون اليوم عن وضع راهن لكن هذه المصالح قد تتغير ازاء هوس جماهيري معاد لاسرائيل بين الجمهور من ورائهم.

الصورة التي ترسم الآن في مصر بالنسبة للقدس والعالم الحر كئيبة. واحتمال ان يرسم المجلس العسكري للاخوان المسلمين خطوطا حمراء تتعلق بالدستور وبمكانتهم في السياسة الداخلية بل ان يكون مستعدا لمجابهتهم من اجل هذا هو احتمال ضعيف. ويُقدرون في اسرائيل ان الاسلاميين لن يقبلوا شروط الجيش بشأن تقدمه في قضايا السياسة الخارجية واعلان الحرب. وبحسب تقدير آخر ستضعف مكانة الرئيس باعتباره شخصا لا يأتي من صفوف القيادة الدينية. وقد أخذوا في القدس يُشربون أنفسهم ان مصر توشك ان تصبح دولة ذات نظام اسلامي.

ينظرون الآن عندنا في ارتقاب شديد نحو وزارة الخارجية الامريكية التي بدأت تجري اتصالات مع الاخوان المسلمين منذ كانون الثاني مع بدء الانقلاب على مبارك. فربما تنجح الولايات المتحدة كما يتوقعون هنا في ان تنشيء في مصر قيادة اسلامية معتدلة تكون شيئا ما بين تركيا والسعودية. وحلمنا اللذيذ – نموذج يشبه اندونيسيا وماليزيا – أي نظام اسلامي يفصل الدين عن الدولة، سيبقى بمثابة حلم.

الامريكيون من جانبهم يُعلموننا. ان موظفي وزارة الخارجية الامريكية لا يتناولون بجدية أوراق بحث تعرض الاخوان المسلمين باعتبارهم جهة متطرفة وغير مستقرة ومؤيدة للارهاب. ويقولون للاسرائيليين نحن نعرفهم أفضل منكم. فالاخوان منطقيون ومعتدلون وعالمون بقواعد اللعب ولا ينوون نقض اتفاقات السلام. هذا الى انه يجب عليهم ان يُطعموا 88 مليون فم.

وتُبين لنا الولايات المتحدة ايضا ان ما يحدث اليوم في مصر مسيرة رائعة وتُجل المسار الديمقراطي. وهي تنظر في عطف واستخفاف الى المخاوف الاسرائيلية من نتائج الانتخابات في الجولة الاولى لمجلس الشعب. مصر دولة مرعية للامريكيين ولن يسمحوا لأي أحد ان يُفسد عليهم الابتهاج بالديمقراطية.

في هذا الواقع المضلل حاولت جهات غربية ان تفحص في المدة الاخيرة عن مقدار تغلغل أسس اسلامية الى الجيش المصري ولا سيما طبقة القيادة. ولم يخلصوا الى استنتاجات واضحة. ومع ذلك تشير المعطيات الى ان الرموز الدينية قد أصبحت في السنتين الاخيرتين جزءا من السلوك اليومي للجهات الامنية في القاهرة، وهدف ذلك ان يضمنوا لأنفسهم مقاعدهم في المستقبل. فالجنرالات مثلا يُصلون على نحو ظاهر خمس مرات كل يوم. واذا كان شخص ما يبحث عن شاهد فان زوجة المشير الطنطاوي التي كانت توالي الثقافة الغربية طوال سنيها – مع تأكيد شراء مستحضرات من الشانزليزيه – قد أصبحت في المدة الاخيرة امرأة مسلمة متدينة مع كل ما يوجبه ذلك من لباس.

أهناك احتمال ان "يُنحى" الطنطاوي على أيدي ضباطه كما فعل البكباشي عبد الناصر بالجنرال محمد نجيب في ثورة الضباط الشباب؟ هذا السؤال واحد من الموضوعات الساخنة في سفارات اوروبية في مصر. وتذكرون ان الرئيس مبارك – الذي كان في الحقيقة رئيس المجلس العسكري الأعلى – قد نحاه المجلس العسكري، في الثورة. وحينما استقر رأي الجنرالات على اصدار البيان الاول للشعب باعتباره اجراءا سلطويا رمزيا، أعلموه ببساطة ألا يظهر بعد في الجلسات وبدأوا ينشرون توجيهات للجمهور من غيره.

كانت الثورة في مصر انقلابا عسكريا هادئا. ولا سبب يدعو الى عدم فعل الضباط هذا بالطنطاوي ايضا. ان ثلاث شخصيات مركزية كثيرا في المجلس تستطيع القيام بهذا الاجراء: قائد سلاح البحرية وقائد سلاح الجو وقائد الجيش الثاني ولا علامة على هذا حتى الآن. أرادت الادارة الامريكية خاصة جدا ان يقود رئيس الاركان سامي عنان هذه الخطوة لكنه يظهر ولاءا للمشير مثل سائر الجنرالات، بما خيب أمل واشنطن.

 

انه ما لم يتولى الاخوان المسلمون الحكم ولم يمسوا بأملاك الجنرالات الاقتصادية – التي هي نحو من ربع موارد مصر – فان الجيش يستطيع ان يحتمل مسا ما بمكانته. واذا كانت المنظمة الاسلامية حكيمة بقدر كاف بحيث تمتنع عن هذا الاغراء فان لابسي البزات العسكرية سيبلعون ريقهم. لكن حينما يضعف الجيش لن يدفع الجنرالات وحدهم ثمن انخفاض قيمتهم بل نحن ايضا. فالعنوان الوحيد لاسرائيل اليوم في مصر هو مجموعة غير كبيرة من ضباط كبار ما يزالون يجرون علاقات معها. بيد ان العلاقة بين الدولتين تلخص بهذا. وحتى لو جاء سفير جديد من القدس الى القاهرة في الاسبوع القادم كما خطط لذلك فلن يجد أحدا يحادثه.

 

أكان سلام؟

أستكون حرب؟

(هآرتس:بقلمعاموس هرئيل)

    (المضمون: القليل تبقى من اتفاقات السلام مع مصر: لا تجارة، لا سياحة ولا غاز. اتفاقات تجريد سيناء تآكلت وسيناء أصبحت منطقة سائبة، جنة عدن لخلايا الارهاب. المخاطرة في مواجهة تبدو أكبر من الماضي، بعد الانتخابات الديمقراطية الاولى في تاريخ الجار من الجنوب).

ما الذي تبقى اليوم من اتفاق السلام الاسرائيلي – المصري بعد اكثر من 32 سنة من التوقيع عليه؟ فحص دقيق للاتفاق وملاحقه، في الاسبوع الذي حظيت فيه الاحزاب الاسلامية بانجازات كبيرة في الجولة الاولى من الانتخابات في مصر سيظهر صورة مقلقة للغاية. هذا واقع تفضل القيادة السياسية في اسرائيل ابعاده عن نظر الجمهور، في محاولة للحفاظ على ما تبقى من العلاقات مع القاهرة.

من سلام بارد انتقلت اسرائيل ومصر الى واقع وقف نار، هو أيضا ليس كاملا ويخرق احيانا بهجمات ارهابية من سيناء باتجاه الاراضي الاسرائيلية. الوضع الحالي هو الاخر، حيث يوجد تنسيق أمني جزئي بين الطرفين، أفضل بلا قياس من وضع الحرب الذي ساد حتى التوقيع على الاتفاق في العام 1979. ولا يزال من الصعب عدم التفكير في امكانية وقوع تدهور اضافي، اذا ما انتقل الحكم حقا من الحكام المؤقتين المتمثلين بالجنرالات المصريين الى أحزاب مدنية في ظل النفوذ المتعاظم لحركة الاخوان المسلمين.

المس بعلاقات الدولتين لا ينحصر في المجال الامني. فهو ملموس في سلسلة طويلة من المجالات، منها العلاقات التجارية، السياحة والعلاقات الدبلوماسية. واحيانا تكون هذه نتيجة الوضع الامني في سيناء، واحيانا أثر لسياسة مصرية مقصودة. هكذا يبدو ملموسا المس الشديد بالتجارة في معابر الحدود. اسرائيل ومصر موقعتان على اتفاقات "كويز" التي ترتب التصدير المشترك لبضائع انتجت في الدولتين الى الولايات المتحدة، في ظل امتيازات جمركية كبيرة يقدمها الامريكيون. ولكن في الاشهر الاخيرة تطلق خلايا بدوية النار على الشاحنات في الطرق نحو المعابر في سيناء وارساليات "كويز" تعلق في معظمها.

توريد الغاز من مصر الى اسرائيل مشلول تماما. في نهاية تشرين الثاني سجل في سيناء الانفجار التاسع في انبوب الغاز الى اسرائيل في غضون اقل من سنة. هذه العمليات هي الاخرى مسؤولة عنها جماعات بدوية تعمل على ما يبدو بدوافع مختلطة، تخريبية واقتصادية – الرغبة في انتزاع بدل حماية (خاوة) من النظام مقابل التعهد بالامتناع عن المس بالانبوب. الانفجار التاسع وقع بعد بضعة ايام من الانفجار الثامن، على ما يبدو لان الهجمة السابقة لم تعطل الانبوب تماما. عمليا، توريد الغاز مجمد منذ فترة طويلة، ومشكوك جدا أن يستأنف.

ليس مريحا للنظام في القاهرة التوريد المنتظم للغاز الى اسرائيل، فما بالك انه في وسائل الاعلام المصرية تنشر كل الوقت اتهامات حول صفقة في الظلام عقدها الرئيس السابق حسني مبارك ومقربوه، سمحت لاسرائيل أن تشتري الغاز بسعر زهيد. حتى لو نجحوا في استئناف التوريد الى اسرائيل، يبدو أن المصريين يرغبون في فتح الاتفاق بشكل يسمح لهم بجباية ثمن أعلى بكثير، مثلما حصل مؤخرا مع التوريد الى الاردن. مهما يكن من أمر، اسرائيل لا يمكنها أن تعتمد الان على توريد الغاز المصري. رئيس شركة الكهرباء يفتح رون – طال، قال هذا الاسبوع ان سعر الغاز للمستهلك الاسرائيلي سيرتفع في السنة القادمة بقدر كبير.

السياحة بين الدولتين قضت نحبها. سياح مصريون ظهروا في اسرائيل، باعداد قليلة، فور الاتفاق فقط. السياحة الاسرائيلية الى القاهرة (باستثناء العرب الاسرائيليين) انطفأت هي ايضا في غضون سنوات قليلة. الفوضى في سيناء في الاشهر الاخيرة فعلت ما لم تفعله سنوات من العمليات والاخطارات من جانب قيادة مكافحة الارهاب: اسرائيليون قلائل فقط يواصلون اليوم التوجه للاستجمام في سيناء.

سفن اسرائيلية لا تزال يمكنها التحرك عبر قنوات السويس، ولكن يحتمل ان يكون هذا مؤقتا. الحركة في القناة، للسفن من كل الدول، معطلة بسبب اضرابات العمال المصريين، ولكن الخطر العملي أكبر. في نيسان أوقفت اسرائيل ارسالية ايرانية لصواريخ شاطيء – بحر من طراز 704 سي، من ايران الى قطاع غزة. يمكن فقط التخمين كيف ستؤثر ارساليات مشابهة على حركة السفن في القناة، اذا ما وصلت الى خلايا بدوية في غربي سيناء.

    ماذا تبقى

اسرائيل ومصر تواصلان عقد اتصال دبلوماسي وأمني، ولكنه ليس علنيا. السفارة الاسرائيلية في القاهرة اغلقت بعد هجوم جماهيري عليها في شهر ايلول، وفي هذا اللحظة من الصعب رؤية اذا كانت ومتى ستفتح من جديد. المندوب الاسرائيلي الكبير في القاهرة، في ظل لا يظهر، هو نائب السفير. السفير السابق، اسحق ليفانون، أنهى ولايته ومن سيحل محله، يعقوب اميتاي، لم يستقبل بعد في مصر. عندما كانت اسرائيل بحاجة عاجلة الى الجنرال محمد حسين طنطاوي لانقاذ الحراس من السفارة المحاصرة، لم يرد الحاكم المصري على المكالمات وكان مطلوبا تدخل مباشر من الادارة الامريكية.

    بمفاهيم عديدة فان تجريد سيناء العسكري هو العنصر الامني الاهم في الاتفاق، ولكن من الذي تبقى للرقابة عليه؟ قوة المراقبين متعددة الجنسيات في سيناء مهددة على نحو دائم من البدو. الخلايا الارهابية تطلق النار على قواعدها وتزرع عبوات ناسفة لقوافلها. وانتقل الامريكيون مؤخرا الى نقل رجالهم جوا بالمروحيات، بأمل تقليص المس بالقوافل. قبل بضعة اشهر هاجمت عصابة بدو قاعدة مصرية في العريش وقتلت ضابطين وعشرة أفراد من الشرطة. هجوم مشابه على قاعدة القوة متعددة الجنسيات من شأنه أن يؤدي الى اخلاء المراقبين. في الجانب الاسرائيلي يلاحظو مؤخرا بوادر اثارة اعصاب متصاعدة في قيادة القوة.

هكذا ايضا، فان اتفاقات تخفيف حجم القوات تخرق بشكل فظ منذ بضع سنوات، وبقوة أكبر في السنة الاخيرة. بدأ هذا بعد فك الارتباط عن قطاع غزة في 2005، حين طلبت اسرائيل من مصر مساعدتها في منع تهريب السلاح في الانفاق من سيناء الى رفح. واشترطت مصر ذلك برفع مستوى القوات المنتشرة على طول محور فيلادلفيا. وافقت اسرائيل على استبدال 750 شرطي مصري بعدد مشابه من رجال حرس الحدود لديهم، أكثر تسليحا وتدريبا. عمليا، ابقى المصريون في المنطقة القوتين وبعد ذلك تلقوا موافقة اسرائيلية على فتح قاعدة بحرية في العريش (لمكافحة التهريب البحري) وطيران مروحيات عسكرية غير مسلحة بصواريخ مضادة للدبابات على مقربة من الحدود – وهما بندان يخرقان اطار الاتفاق.

بعد ذلك جاءت الاحداث في ميدان التحرير في القاهرة والفوضى في سيناء في اعقابها. وطلبت مصر من اسرائيل السماح لها بادخال ست كتائب مشاه لفرض النظام في سيناء واستجيبت. والان ينتشر في سيناء اكثر من لوائين مصريين، اكثر من حجم القوات التي يسمح بها الاتفاق. اسرائيل تتجلد، وان كان الانتشار لم يساهم بشكل واضح في تقليص الاضطرابات، كبح جماح البدو أو منع العمليات من سيناء. كما ان وتيرة ادخال المهاجرين واللاجئين الافارقة الى اسرائيل، والتي تبلغ اليوم المئات في الشهر، تدل ليس فقط على أن الجدار الحدودي لم يستكمل بل على انعدام قدرة (وربما انعدام رغبة) المصريين في معالجة المشكلة.

لتفريغ اتفاقات السلام من محتواها في اعقاب الخليط الفتاك لتأثير التحرير وسيناء، توجد نتائج مقلقة بالنسبة للوضع الامني على الحدود. الحادثة في 18 آب، عندما قتلت خلية بدوية مدربة جيدا ثمانية مواطنين وجنود اسرائيليين على طريق 12 الى ايلات كانت نذر شؤم. فعلى أي حال يدور الحديث هنا عن تغيير ذي معنى استراتيجي تقريبا، اذ تتحول هذه من حدود كانت فيها أساسا نشاطات جنائية وتهريبات للسلاح الى خطر حقيقي بالعمليات. ولكن في مراحل لاحقة يتعين على اسرائيل ان تأخذ بالحسبان سيناريوهات أشد بكثير: المس بحرية المناورة للجيش الاسرائيلي في حالة التصعيد في غزة، ادخال فرق مصرية الى سيناء وفي المدى البعيد حتى خطر ما بحرب، وإن كان هذا يبدو حاليا سيناريو ضعيف.

    علامة استفهام

مسألة حرجة، من الزاوية الاسرائيلية، هي ماذا يعني الامر بالنسبة لمجال المناورة العسكرية في جبهات اخرى. منذ التوقيع على اتفاق السلام اجتازت اسرائيل انتفاضتين وحربين مبادر اليهما في لبنان ومصر صمتت بشكل عام. بالمقابل، وان كانت عزت العملية من سيناء في آب الى مبادرة غزية، الا ان اسرائيل اكتفت برد فعل مكبوح الجماح اكثر مما ارادت، بسبب الضغط المصري. كيف ستتصرف مصر في حالة حملة اخرى على نمط رصاص مصبوب؟ العميد احتياط موشيه تشيكو تمير، قائد فرقة غزة سابقا، قال هذا الاسبوع في مؤتمر في معهد بحوث الامن القومي ان اسرائيل انطلقت الى رصاص مصبوب في ظروف مريحة بشكل غير عادي وان على الجيش الاسرائيلي أن يفترض بان هذه الفرصة لن تتكرر في المستقبل.

جيف فليدمان، مساعد وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون قال هذا الاسبوع لصحيفة "يديعوت احرونوت" ان "الاخوان المسلمين وعدوا باحترام اتفاق السلام مع اسرائيل". لا ينبغي تجاهل التوقع الامريكي، ولكن حتى اليوم أبدت ادارة اوباما فشلا مطلقا في التوقع والاداء في الساحة المصرية، بحيث انه من الافضل الاخذ بتوقعها بحذر.

في حالة مواجهة اخرى في غزة، سيتعين على اسرائيل أن تاخذ بالحسبان ضغطا مصريا فوريا لوقف حملة للجيش الاسرائيلي لدرجة التهديد بنقل فرقة مصرية الى سيناء، وان كان الامر يعني خرفا فظا لاتفاق السلام. اللواء يوآف غالنت قال هذا الاسبوع في جامعة تل أبيب ان "التآكل في اتفاق السلام يمكن ان يؤدي الى دخول جيش مصري الى سيناء"، وذكر بان حشد قوات مشابه كان سببا مركزيا لاندلاع حرب الايام الستة. فهذ ستعمل اسرائيل في مثل هذه الحالة؟ غالنت طرح "علامة استفهام كبيرة".

العقيد احتياط رونين كوهين، مسؤول كبير سابق في شعبة الاستخبارات العسكرية كان ضمن امور اخرى نائب رئيس دائرة البحوث في الشعبة قال لـ "هآرتس" ان "الهجمات من سيناء في الفترة الانتقالية لطنطاوي هي نتيجة قصور في الرقابة العسكرية المصرية. اذا ما تعاظم بالفعل نفوذ الاخوان المسلمين، فسنرى في السنوات القريبة القادمة عمليات اكثر تواترا، في ظل غض الحكم في القاهرة النظر بشكل مقصود. المصريون لن يتوجهوا الى مواجهة متعمدة معنا، وذلك ايضا لانهم يحتاجون على نحو يائس للمساعدة الاقتصادية من واشنطن كي يبقوا على قيد الحياة".

في السنوات الثلاثين الاخيرة كاد الجيش المصري يشطب من قائمة التهديدات التي أخذها الجيش الاسرائيلي بالحسبان في تخطيط بناء قوته. غالنت ذكر أنه في كل حرب عمل فيها الجيش المصري كانت كانت هي الجبهة الاخطر على اسرائيل. اليوم ايضا يدور الحديث عن جيش من مليون رجل، نحو نصفهم في الخدمة الالزامية، نحو 4 الاف دبابة، الفي فوهة مدفعية، مائتي طائرة اف 16، اكثر من 170 سفينة وبالاساس مساعدة عسكرية ملاصقة من الولايات المتحدة. في سنوات السلام ايضا ادار هذا الجيش مناورة كبرى كل سنة كانت موجهة ضد دولة مجهولة في الشرق، ليس ضد الجيران غير المستقرين في ليبيا وفي السودان.

 

ماذا تفعل اسرائيل في ضو التغييرات؟ الانعطافة البارزة هي تسريع العمل على بناء الجدار في الحدود المصرية. رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، يتحدث الان عن بناء جدار مشابه في القسم الجنوبي ايضا من الحدود الاردنية، ولا سيما خشية ان يبحث اللاجئون من افريقيا عن مسار بديل اذا ما سدت الطرق من سيناء في وجههم نحو اسرائيل.

منذ آب رفع الجيش الاسرائيلي مستوى انتشاره على الحدود المصرية، لمنع المزيد من التسلل. حجم القوات على الحدود تضاعف وفي المنطقة ينتشر الان بانتظام لواء مشاة نظامي. كما أن قدرة الفرقة اللوائية على الحدود (فرقة لوائية 80) رفع مستواها بقدر واضح. نائب رئيس الاركان، اللواء يئير نافيه، يدعي بان الفرقة تسمى فرقة لوائية 80 لانها تأخذ 80 في المائة من وقته. الجيش الاسرائيلي لا يزال يبحث في امكانية ان يقيم من جديد الفيلق الجنوبي الذي يستهدف استخدام القوات في سيناء عند الطوارىء.

رئيس الاركان بيني غانتس قال مؤخرا للضباط في عدة مناسبات ان الجيش "يجب أن يبدأ النظر جنوبا". هذا ليس اعلان حرب بالطبع. الشرك الذي يقف الجيش الاسرائيلي امامه معاكس: عليه أن يبدأ بالاستعداد بجدية لسيناريوهات متشائمة، ولكن ان يحذر من القيام بخطوة علنية على فرض أن كل خطوة كهذه ستهين المصريين وترفع مستوى التوتر بين الدولتين.

المشكلة الاساس هي ان الجيش الاسرائيلي نسي "الحديث بالمصري". في العقدين اللذين كان الانصات فيهما يعطى لساحات اخرى، نسيت معظم المعرفة المرتبطة بالمواجهة الصحراوية، الجنوبية وتعفنت عن عمد (وذلك ايضا بسبب المقدرات المحدودة) القدرات العملياتية وجمع المعلومات. الان ايضا، على الجيش أن يحذر في جمع المعلومات عن الدولة التي لا تزال تعرف كصديقة.

غالنت، في سنواته الخمسة كقائد للمنطقة الجنوبية، كان المحذر في موضوع الخطر المصري المستقبلي. في المستويات التي اعلى منه لم يتحمسوا للانشغال بذلك لضيق الوقت والمقدرات وكذا خشية اغضاب القيادة السياسية. والسياقات التي بدأت، للتفكير والجمع الاستخباري، بقيت في معظمها في مجال قيادة المنطقة الجنوبية، بينما كانت هيئة الاركان تغلق وحدات وقيادات. ووصف غالنت في حينه أعماله بانها "بوليصة تأمين بدفعة متدنية". الان على الجيش أن يدفع دفعة أعلى بكثير على امل الا يضطر في المستقبل بدفع كامل المخاطرة.

"على مدى السنين، كان التفكير هو أن الاستخبارات يمكنها أن توفر اخطارا مبكرا، لسنة أو سنتين، بتقلبات متوقعة في مصر"، قال ضابط الاستخبارات رونين كوهين. "ولكن دومينو ربيع الشعوب العربية انهار بأسرع من المتوقع. على اسرائيل أن تتناول سقوط نظام مبارك كاخطار استراتيجي بعيد المدى وان تستعد بما يتناسب مع ذلك. فهذا سيستدعي تحويل مصادر كبيرة في خطة متعددة السنوات، بالذات في الفترة التي اعاد فيها الاحتجاج الاجتماعي في الصيف النقاش الجماهيري الى مسألة التقليص في ميزانية الامن.

 

المهم أنا

(هآرتس:بقلم يوئيل ماركوس)

    (المضمون: يبدو نتنياهو شديد الاعجاب بنفسه وشديد الثقة بها لأنه لا يخشى منافسا ينافسه في رئاسة الحكومة وهو ما يجعله يقدم موعد الانتخابات لكن هذا قد يضر باسرائيل كثيرا).

كلما تدهورت صورة اسرائيل في العالم ارتفعت أسهم نتنياهو. يصعب ألا نرى ان شعر رأسه يُعتنى به يوميا ويمشط بصورة حسنة. ويراوح لون شعره بين الرمادي والازرق السماوي وكل شعرة موضوعة في مكانها. فليس عرضا أنهم أخلوا غرفة في منزل رئيس الحكومة من أدوات الاتصال التي كانت فيها وحولوها الى محلقة لا من اجل سارة فقط بل من اجل بيبي ايضا. وليس هذا هو بيبي نفسه المتعجرف الذي يُتذكر من ولايته الاولى بل هو رجل يؤدي دور الزعيم القائد.

في حين قال مسؤولو الادارة الامريكية الكبار في مؤتمر سابان السنوي كلاما غير مُطرٍ على اسرائيل وسلوكها، يؤدي بيبي دور زعيم الأمة الذي يُسوي نفسه ببن غوريون "الذي لم يحسب حسابا للأغيار". في حين كان العكس هو الصحيح. فقد كان بن غوريون مصغيا للقوى العظمى ومن المؤكد انه كان بعيدا عن تحديها. فحينما طلب الرئيس آيزنهاور الى اسرائيل ان تجلو عن سيناء فورا على أثر عملية "كديش" في 1956، استجاب لذلك برغم أنه أعلن بصورة احتفالية في الكنيست "انشاء مملكة اسرائيل الثالثة".

في حين يتساءل المحللون في حيرة كيف سيخلص بيبي من المشكلات في منطقتنا، يفاجئنا باستقرار رأيه على تقديم موعد الانتخابات التمهيدية في الليكود الى 31 كانون الثاني. وهذا الامر لا يعني انه ينوي تقديم موعد الانتخابات لكنه لا يبطل الفكرة ايضا. وهو يقول لنفسه انه لم يرد في التوراة ان الانتخابات يجب ان تُجرى بعد سنتين فقط – فنجمي ثاقب في استطلاعات الرأي، وأنا أطلقت سراح شليط وكنت أول من احتضنه. ولا يوجد الآن أي مرشح ينافسني. فالمعارضة ضعيفة وسيكون ليبرمان وباراك متعلقين بي. وسأجد طريقة لأُعين باراك وزير دفاع. أيغضب اعضاء الحزب؟ ليغضبوا. فأنا الذي يحدد من يكون وأين يكون، وهل تكون انتخابات ومتى.

يريد نتنياهو ان يستغل ارتفاع أسهمه في استطلاعات الرأي قبل ان ينشر مراقب الدولة التقارير عن الحريق الكبير وعن القافلة البحرية وعن الرحلات وما أشبه. ان قول هيلاري كلينتون في مؤتمر سابان ان اسرائيل تذكرها بايران، لم يضعف نتنياهو، بالعكس. "من هي لتعظنا"، خرج تسريب ممن حول ايلي يشاي. ولم يوبخه بيبي بالضبط بل نسبوا الى محيطه مقالة انه يُفضل ان يحصر منتخبو الجمهور عنايتهم في دولهم.

صرخ وزير الدفاع الامريكي، ليون بانيتا، غاضبا قائلا إجلسوا الى طاولة التفاوض، لكن بيبي بدا صلفا. ولا أعجب إن كان قد استقر رأيه على تقديم موعد الانتخابات التمهيدية باعتباره خطوة اولى لتقديم موعد الانتخابات. حينما يعرق الرئيس اوباما كي يُنتخب لولاية ثانية سيكون محتاجا الى الصوت اليهودي، أي يجب ان يُسوي علاقاته ايضا بمن يحكم اسرائيل الآن. ربما يُقدم بيبي موعد الانتخابات لكن لا قبل ان يعلم يقينا انه سيكون له حزب قوي.

حصل على تأييد شبه كامل من أكثر اعضاء الليكود لتقديم موعد الانتخابات التمهيدية. وزعمت عضو الكنيست ميري ريغف انه ينبغي تحديد موعد يوافق عليه جميع المرشحين. وكان رد بيبي الساخر: الليكود هو حركة ديمقراطية وحرة وكل من أراد يستطيع ان يعرض ترشحه لرئاسة الحكومة. وهذا سهم صغير نحو سلفان. وسمعه اولئك الذين نظروا الى اهود باراك يقول انه في الانتخابات القادمة "سترون ورقة حزب الاستقلال". وبدا هذا مثل طرفة. باراك متعلق ببيبي ولن يقدم بيبي موعد الانتخابات قبل ان يكون اتفاق بينهما على ان يصبح باراك وزير الدفاع.

لم تكن مكانة اسرائيل قط مختلفا فيها بهذا القدر كما هي الآن، في الوقت الذي يذوب فيه بيبي تأثرا بنفسه. لكنه لا يُرى في الأفق مرشح آخر لرئاسة الحكومة. فالاحتجاج الاجتماعي لم يضر به. وستفقد تسيبي – شميبي، كما سُميت بعد المقابلة الصحفية الغريبة التي أجرتها مع صحيفة "يديعوت"، ستفقد اصواتا في الانتخابات قبل الأوان. فمنذ سنين لا يوجد مرشح يعوق رئيس حكومة يتولى منصبه. لا يوجد مثل شريت الذي كان يعوق بن غوريون ولا مثل غولدا التي كانت تعوق بيرس الذي أعاق رابين. وبرغم انه يوجد انتقاد على اخفاقات بيبي في موضوع السلام وعلى خططه المخيفة في مواجهة ايران، لا يبدو ان له بديلا محتملا. فهو يبني نفسه باعتباره زعيم الشعب الذي لا غنى عنه.

يعتمد نتنياهو على ان اوباما سيكون في السنة القادمة بطة عرجاء، ويفترض ان الصوت اليهودي سيكون آنذاك يساوي الذهب. لكن بيبي الذي يحصر اهتمامه في نفسه لا ينتبه الى ان رئيسا يشبه البطة العرجاء سيظل قادرا على ان ينفع أو يضر باعتباره رئيسا. يجب على بيبي ان يراقب ألا يجعله حبه لنفسه يُجن سياسيا.