من المؤكد هناك نهاية لحرب الإبادة على قطاع غزة عما قريب، وهناك يوم تالي للحرب يفترض أن تفكر القيادات الفلسطينية والعربية والإقليمية والدولية فيه، والبحث فيما سيكون عليه الوضع في محافظات الجنوب، ولكن مع ضرورة الرفض المبدئي لأية حلول جزئية ذات صبغة أمنية. لأنها لن تؤمن السلامة للشعب العربي الفلسطيني عمومًا وفي غزة خصوصًا، وستحمل في طياتها أخطارًا محتملة بعودة دوامة حرب الإبادة الإسرائيلية على أبناء الشعب بذات الطابع السريالي القائم. أضف إلى أن حرب التطهير العرقي الإسرائيلية لن تتوقف في محافظات الضفة بما فيها القدس الشرقية، وهي مستمرة وتتفاقم يوما تلو الآخر، مع ما يحمله ذلك من أخطار على إنفجار الأوضاع في المحفظات الشمالية. 

وتملي الضرورة التمسك بالذهاب فورًا للحل السياسي القانوني، وتكريس خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967 وضمان عودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم التي طردوا منها عام 1948، والمساواة لأبناء الشعب في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة وتقرير المصير. هذا الخيار الأمثل والأنسب والأكثر قبولاً من العالم، وفي هذه الأثناء مطلوب تكثيف الجهود الوطنية والقومية والإسلامية والدولية لتجسير الهوة بين القوى الفلسطينية المختلفة وانخراط الجميع تحت راية منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد ووفق برنامجها الوطني الجامع، وتشكيل حكومة وحدة وطنية عاجلة للعمل على تنظيم حياة المواطنين في مختلف محافظات الوطن وخاصة في قطاع غزة، وتنظيم دخول المساعدات الإنسانية لهم، وتأمين مساكن مؤقتة لمن دمرت بيوتهم كليًا أو جزئيًا غير الصالحة للسكن، ووضع خطة لإعادة إعمار ما دمرته الحرب البربرية، وتفعيل دور الوزارات والمؤسسات الوطنية لإعادة تأهيل المستشفيات والمراكز الصحية والبنى التحتية من طرق مواصلات وصرف صحي وكهرباء وماء، والإعداد خلال فترة لا تزيد عن عام لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية ومجلس وطني لاختيار ممثلي الشعب عبر صناديق الاقتراع بما فيها القدس العاصمة. 

وبناءً على ما تقدم، حشد الجهود العربية والإسلامية والأممية خلف قرار القيادة الفلسطينية الرافض للحلول الأمنية والمؤقتة. لأن حكوم إسرائيل الراهنة أو القادمة ستستغل تجزئة الحلول للنفاذ منها، بما يسمح لها التهرب من استحقاقات السلام الممكن والمقبول، لأنه لا يوجد شريك إسرائيلي لبناء جسور السلام حتى الآن. وعليه لا يجوز التساوق مع تلك الحلول، بل العكس صحيح. 

وهنا أود أن ألفت نظر الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان إلى ضرورة التراجع عن الفكرة التي طرحها يوم الأربعاء الماضي 22 تشرين ثاني / نوفمبر أمام قمة مجموعة العشرين عبر منصة الفيديو كونفرنس، باستعداد بلاده لتولي المسؤولية في الهيكل الأمني الجديد الذي سيتم إنشاؤه بعد إنتهاء الحرب في غزة، بما في ذلك آلية الضامنين، وفق ما ذكر. لأنها فكرة غير مناسبة، ولا تعكس صوت الشعوب والأمم والدول الرافضة لحرب الإبادة الصهيو أميركية الأوروبية على القطاع، وبالأساس لا تتمثل الموقف الوطني الفلسطيني الذي نادى منذ اليوم الأول، ومازال يدعو للذهاب للحل السياسي، وعدم الوقوع في الشرك الإسرائيلي الأميركي. 

كما أن ما تطرحه الولايات المتحدة وربيبتها إسرائيل اللقيطة، ليس سيفًا مسلطًا على رقاب الشعب والقيادة الفلسطينية، ولا على الاشقاء العرب ولا على الدول الإسلامية والإقليمية عموما ولا على دول العالم، وبقدر ما يكون هناك ضغط دولي متعاظم مستند لرأي عام عالمي واسع، بقدر ما يمكن أحداث انزياح في المواقف الإسرائيلية الأميركية والأوروبية لصالح الاندفاع المباشر والسريع نحو الخيار السياسي، الذي كان ضرورة منذ 75 عامًا خلت، وليس من أمس مع اندلاع حرب الأرض المحروقة قبل 48 يومًا. 

إذاً الأجدر والأسلم للرئيس التركي التمسك بالحل السياسي، وعدم الانصياع لإرادة واشنطن وتل أبيب وغيرها من العواصم. لأن ذلك يخدم مصالح تركيا والدول العربية ودول الإقليم والعالم أجمع، ويطفىء فتيل الانفجار مجددًا. ويعيد الحقوق لاهلها، للشعب العربي الفلسطيني، ويسمح بخفض منسوب التوتر والفوضى والحروب، ويعزز التعايش والتسامح والسلم والأمن الإقليمي والدولي، وينسجم مع قرارات الشرعية الدولية. 

وأعتقد أن للرئيس أردوغان دور هام ممكن ان يلعبه، إن كان معنيًا بخيار تجسير الهوة بين القوى الفلسطينية. لا سيما وأن علاقاته وطيدة بالاطراف الفلسطينية كافة، وبالتالي بالتعاون مع الاشقاء العرب في مصر والجزائر ودول الخليج العربي كافة يمكنه الإسهام بشكل كبير في المصالحة الوطنية، التي ستكون البوابة لإعادة الاعتبار للوحدة الوطنية ومنظمة التحرير، الممثل الشرعي والوحيد للشعب والنظام السياسي الفلسطيني.