في مطلق مفاوضات بين الأطراف المتنازعة لا يمكن لأي منهم تحقيق مطالبه كاملة، إلا في حالة الهزيمة الكاملة لأي دولة أو قوة عندئذ يوقع الطرف المهزوم على وثيقة استسلام، والقبول بشروط المنتصر. لكن السمة العامة للمفاوضات أن كانت تتعلق بقضايا عسكرية أمنية، أو اقتصادية حدودية، أو حول أي من ملفات الصراع بين طرفين أو أكثر يعود انجاز أكبر عدد من النقاط او الأهداف، أو العكس إلى الآتي: أولاً على براعة المفاوض، وقدرته على إدارة معركته بحنكة من عدمها؛ ثانيًا موازين القوى على الأرض تلعب دورًا مهمًا في تقرير مساحة المناورة؛ ثالثًا حجم الضغوط المحلية والإقليمية والدولية، او أي منها المفروضة على الأطراف المشاركة في المفاوضات؛ رابعًا إمكانية استقطاب أي من ممثلي الأطراف المتفاوضة بثمن مالي او سياسي او جيو بولتيكي، الأمر الذي يؤثر على نتائج صفقة التفاوض سلبًا أو إيجابًا.


وبالتوقف أمام صفقة تبادل الأسرى بين دولة إسرائيل وحركة حماس، التي أعلن عنها صباح امس الأربعاء الموافق 22 نوفمبر الحالي، ونجم عنها التالي: هدنة لمدة أربعة أيام؛ وقف الاعمال العسكرية للجيش الإسرائيلي بكافة محافظات غزة؛ وقف حركة الاليات العسكرية المتوغلة في القطاع؛ يتم إدخال شاحنات المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية والوقود لكل المحافظات؛ ستطلق حماس سراح 50 من الأطفال والنساء أسرى الحرب الإسرائيليين، مقابل الإفراج عن 150 أسيرًا من النساء والأطفال الفلسطينيين بسجون الاستعمار الإسرائيلي؛ يتم وقف حركة الطيران في الجنوب على مدار الأيام الأربعة؛ يتم وقف حركة الطيران في الجنوب على مدار أيام الهدنة، وفي الشمال لمدة 6 ساعات يوميًا؛ عدم تعرض الجيش الإسرائيلي لأي مواطن، أو اعتقاله في مختلف المدن والقرى والمخيمات؛ يتم ضمان حرية حركة الناس من الشمال إلى الجنوب على طول شارع صلاح الدين فقط؛ وحسب قيادة حماس، فإنها تدعي أن صيغة الصفقة تمت استنادًا لرؤيتها ورؤية شريكتها حركة الجهاد الإسلامي.


في البداية تملي الضرورة التأكيد على أن يكون العربي الفلسطيني وقيادته الشرعية كانوا ومازالوا مع الوقف الفوري للحرب، ورفع الحصار الكامل وفتح الممرات الإنسانية لدخول المساعدات المذكورة أنفًا، وتأمين الحماية الدولية، ووقف التهجير القسري لابناء الشعب. مع ذلك التمكن من تأمين هدنة ولو محدودة بأربع أيام، تعتبر خطوة مقبولة نسبيًا. لأن شروط التفاوض تصب في صالح العدو الصهيو أميركي. رغم أن نزول نتنياهو عن شجرة أكاذيبه، التي كررها عديد المرات، إنه لن يوقف حربه إلا بعد تصفية اذرع المقاومة، والإفراج عن أسرى الحرب الإسرائيليين، الأمر الذي يكشف عن تراجعه، وبحثه عن أي منجز مهما كان محدودًا، وضغط ذوي أسرى الحرب الإسرائيليين والمجتمع الإسرائيلي عمومًا عليه، وفشله في تحقيق هدف نزع أظافر أذرع المقاومة حتى الآن، وعدم تمكنه من الإفراج عن أي أسير حرب باستثناء جثتين لأسيرتين وجدهما في بعض الشقق بالقرب من مستشفى الشفاء. رغم مرور 47 يومًا على حرب الإبادة.


كما أن أهمية الهدنة تتمثل في تمكن أبناء الشعب من سحب جثامين الشهداء من الشوارع، او إخراجها من تحت الأنقاض ودفنها، وتسجيل موتاهم في المستشفيات والمؤسسات المختصة؛ التقاط المواطنون أنفاسهم نسبيًا في الأيام الأربعة، مع أن المواطنين في محافظات الشمال لن يحظوا بذلك؛ وزيادة حجم المساعدات الداخلة للقطاع بما في ذلك الوقود بالمعايير النسبية.
غير أن الهدنة مثلومة وناقصة، وتعكس استعجال الموقعين عليها من حركة حماس، واستجابتهم للضغوط المفروضة، وغياب الحنكة في إدارة المفاوضات، والتورط المفضوح في قبول بعض النقاط الخطيرة ذات الدلالة السياسية مثل أولاً السماح بحرية الحركة من الشمال الى الجنوب وفي شارع صلاح الدين فقط، وعدم وجود هذه الحرية لتنقل المواطنين من الجنوب إلى الشمال. وهذا أمر خطير يتساوق مع سياسة العدو في دفع السكان للهجرة للجنوب ومنها لجنوب الجنوب ثم التهجير؛ ثانيًا القبول بوقف حركة الطيران ل6 ساعات يوميًا في محافظات الشمال فقط، وعدم الزام العدو الصهيو أميركي بعدم التحليق على مدار الايام الأربعة اسوة بالجنوب. اضف الى عدم قدرة حماس والجهاد على تحديد الخط الفاصل بين الشمال والجنوب، وحصر الامر ب6 ساعات دون تحديد هذه الساعات، هل هي في النهار ام في الليل، وبالتالي اطلاق يد العدو على تحديدها وفق رؤيته ومصالحه العسكرية الأمنية، بالإضافة لعدم وجود ضمانات بالتزام العدو بما تم الاتفاق عليه؛ والاهم أن حجم التبادل غير متوازن، وغير مقبول فلسطينيًا. لأن 1 مقابل 3 لا يتناسب لا مع صفقات التبادل التاريخية بين فصائل العمل الوطني وإسرائيل، ولا مع حجم الشهداء والجرحى من الأطفال والنساء، الذين بلغ عددهم الإجمالي نحو خمسين الفا من الشهداء والجرحى، وهذا أيضًا امر خطير، ويتناقض مع ما ذكرته حماس والجهاد من تبييض السجون الإسرائيلية؛ كما لم تربط الصفقة بين الهدنة وخروج القوات الاستعمارية من المستشفيات، وإعادة تفعيل دورها ووصول الوقود لها، وعدم تعرضها للقصف وفق القانون الدولي والمواثيق والمعادات الدولية ذات الصلة.


بالنتيجة الصفقة تعكس هبوطًا ومساومة رخيصة ومذلة من قبل حركة حماس لصالح العدو الصهيو أميركي، إلا اذا كان هناك وعودًا لقيادتها بثمن سياسي لم يعلن عنه، خاصة وأن حماس افترضت أن تفاوض إسرائيل معها "إنجازًا" بعد أن كانت حكومة الحرب الإسرائيلية بقيادة نتنياهو تدعي، إنها لن تفاوض الحركة، فضلاً عن تفرد حماس بالتفاوض بعيدًا عن منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب يعتبر اندفاعًا نحو أجندات خاصة وضيقة، وتمس بالوحدة الوطنية ومستقبل المشروع الوطني، وهنا يطرح الف علامة سؤال على الصفقة ومخرجاتها.