"ولشعبنا أقول: هنا باقون، هنا صامدون، وعائدون، وهنا منتصرون بإذن الله". إنها منطلقات عقيدتنا الوطنية الفلسطينية، الناظمة لكفاحنا ونضالنا الوطني، بهذه المبادئ، المشتقة من الإيمان بإرادة الشعب الفلسطيني، وخلاصة تجاربه الكفاحية ضد المستعمرين والغزاة والمحتلين، منذ اكثر من مئة سنة، بهذه الجمل انهى رئيس الشعب الفلسطيني أبو مازن خطابه أمام رؤساء وملوك وقادة الدول العربية والإسلامية في قمة الرياض غيرالعادية امس في المملكة العربية السعودية.
كرس الرئيس المعادلة الصحيحة التي اثبتت صحتها الشعوب الحرة غير القابلة للخضوع والاستسلام، وأعاد تذكير قادة الأمتين العربية والإسلامية بحتمية الانتصار على الإرهاب، حتى لو بحجم دولة متمردة على الشرعية والقوانين والمواثيق الدولية، والأعراف الإنسانية. كرسها بقوله: "يعتقدون أن قوتهم ستحميهم وترهبنا، وأنا أقول: نحن أصحاب الأرض والقدس والمقدسات، وعلم فلسطين سيبقى عالياً يوحدنا، والاحتلال إلى زوال" ليؤكد مرة أخرى الايمان المطلق بمبادئ وأهداف الشعب الفلسطيني، المخطوطة بدماء الثوار والمناضلين الأحرار في ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
حمل سيادة الرئيس معظم دول العالم المؤثرة المسؤولية عن شيوع "المعايير المزدوجة" خاصة عندما يتعلق الأمر بفلسطين والشعب الفلسطيني، وخاطب ذوي الضمائر الحرة بألا تصبح هذه المعايير بمثابة سلاح في حرب ابادة تشنها منظومة الاحتلال والاستيطان العنصرية (اسرائيل) على الشعب الفلسطيني، أما تركيز الرئيس ابو مازن على مسؤولية الولايات المتحدة الأمريكية عن عدم تطبيق العدالة، وإنصاف الشعب الفلسطيني، لأنها تستطيع الضغط، بل أمر حكومة منظومة الاحتلال لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، لكنها لا تفعل!
حذر سيادة الرئيس من انهيار صروح الثقافة الانسانية، وحقوق الشعوب والأفراد، والتشريعات الحضارية والمدنية، وإسقاط القوانين، وإحلال الفعل الهمجي الوحشي وشرعنته، ليس كخطر على الشعب الفلسطيني فقط وإنما على كل شعوب العالم، وتحديدا تلك الرافعة لشعارات الحرية والديمقراطية والحريات والحقوق الانسانية!! وسنسمح لأنفسنا هنا باشتقاق هذا السؤال الكبير من بين حروف كلمات وسطور خطاب الرئيس: هل نحن شعب زائد على الكرة الأرضية؟! ألم تقرأ شعوب العالم في كتبها المقدسة، ومخطوطات التاريخ وأطالس الجغرافيا عن وطن هنا في مركز اهم الحضارات عن فلسطين، وشعبها الذي كان وما زال فاعلا في توهج قيمها وآثارها، وعاملا في ابقائها في مسار الارتقاء والسمو بحياة أمة الانسان؟؟ ... لذلك قال سيادته: "إن عقلي لا يصدق أن هذا يحدث على مسمع ومرأى من العالم، دون أن يتدخل لايقاف هذه الحرب الوحشية فورًا". متسائلاً: "إلى متى هذه الاستباحة والاضطهاد والقتل وغياب العدالة بحق الشعب الفلسطيني؟". لكن رئيس الشعب الفلسطيني وقائد حركة تحرره الوطنية لم يغفل عن تذكير العالم (الأصم الأبكم الأعمى) عن حقوق الشعب الفلسطيني، أن للشعوب المناضلة كل الحقوق المشروعة لنصب ميزان العدالة، وفق نصوص القانون الدولي، وأن الشعب الفلسطيني لن يسامح المجرمين ولن يغفر لمن تورط بسفك دماء مئات آلاف من اطفاله ونسائه، ودمر مدنه وقراه وبلداته، والشاهد على حملة الابادة الهمجية غزة!! لذلك قال الرئيس بكل ثقة، وهذه أمانة ستتوارثها الأجيال: "سنلاحق المحتلين في المحافل الدولية وسنحاسبهم ونعاقبهم في المحاكم الدولية، وإن ذهبوا لآخر العالم".
نعتقد أن سيادة الرئيس ابو مازن قد بعث عبر هذه القمة برسالة لدول العالم، وتحديدا الكبرى والمؤثرة صاحبة المصالح الحيوية في المنطقة، حدد فيها الأولويات بتأكيده: "نطالب مجلس الأمن، بتحمل مسؤولياته لإيقاف حملة الابادة فورا، وتأمين إدخال المواد الطبية والغذائية وتوفير المياه والكهرباء والوقود إلى قطاع غزة، ومنع تهجير أبناء شعبنا الفلسطيني في غزة والضفة والقدس". أما تأكيده: "أن قطاع غزة، هو جزء لا يتجزأ من دولة فلسطين، ويجب أن يكون الحل السياسي شاملا، لكامل أرض دولة فلسطين بما يشمل الضفة والقدس وغزة" فهو ثابت مرتبط جذريا بالحق التاريخي والطبيعي؛ لذا أكد الرئيس: "لن نساوم على حقوق شعبنا المشروعة".
وقدم فخامة الرئيس في هذه القمة الخطوط العريضة لمسارات السلام وفق خريطة فلسطينية، مستلهمة من قرارات الشرعية الدولية بما فيها المبادرة العربية للسلام عندما أكد قائلا: "نطالب مجلس الأمن بإقرار حصول دولة فلسطين على عضويتها الكاملة، وعقد مؤتمر دولي للسلام وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، واعتماد خطة لتنفيذ حل سياسي مستند للشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض دولة فلسطين بعاصمتها القدس الشرقية، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين وفق القرار الأممي (194)، وذلك بضمانات دولية وجدول زمني للتنفيذ". مذكرا دول العالم: "بفشل كل الحلول الأمنية والعسكرية"، و"تقويض اسرائيل لحل الدولتين، وتعميق الاستيطان، وسياسات ضم الأرض، والتطهير العرقي والتمييز العنصري في الضفة والقدس، وحصار قطاع غزة، وانتهاك الوضع التاريخي والقانوني للمقدسات الإسلامية والمسيحية".
كان لا بد للرئيس أبو مازن من طرح متطلبات تعزيز صمود الشعب الفلسطيني، أمام الرؤساء والملوك والقادة الذين اجتمعوا من اجل مساندة الشعب الفلسطيني، وكسر دائرة الدم المتعاظمة في المنطقة، وصولا لتحقيق حل دائم، وتجسيد الاستقرار المؤدي لسلام شامل... وهنا توجه للمجتمعين وذكرهم قائلا: "نؤكد تنفيذ قراراتكم بشأن دعم الموازنة الحكومية وتوفير شبكة الأمان المالية التي تم إقرارها في القمم السابقة، خاصة في هذه الظروف الدقيقة"، وبضرورة "حشد الدعم الدولي لتمكين مؤسسات دولة فلسطين من مواصلة مهامها بما يشمل إعادة إعمار قطاع غزة، والنهوض بالاقتصاد الفلسطيني ونأمل أن يكون ذلك في أسرع وقت". واضعا أمام القمة حقائق رقمية عن قرصنة حكومة الاحتلال لأموال الضرائب الفلسطينية، التي لم تمنع القيادة القيام بمسؤوليتها تجاه أكثر من مليوني مواطن في غزة باعتبارهم جزءا لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني اذ قال بمسؤولية وطنية: "لقد بلغ إجمالي الموازنة التي أنفقناها في قطاع غزة منذ أحداث 2007، أكثر من 20 مليار دولار، لضمان تزويدهم بخدمات الصحة والتعليم والكهرباء والمياه ورواتب الموظفين والضمان الاجتماعي".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها