بلينكين, في حين تكرر تذكيرنا أنك يهودي، نكرر لك أن مشكلتنا ليست مع اليهود أو ديانة اليهود، مشكلتنا مع الاحتلال العسكري الإسرائيلي طويل الأمد. دعني أوضح، معاداة السامية ليست في ازدياد ولكن المعضلة تكمن في الخلط بينها وبين معاداة الصهيونية!
بلينكن، لقد تماديت باستخفاف عقولنا؛ منذ عامين وأنت تستخدم تعبير حضاري "التدابير المتساوية" بين الفلسطينيين والإسرائيليين: بينما تخاطب الشعب الفلسطيني من خلال منصة تويتر وتؤكد شفوياً أن تخفيف معاناة المدنيين الفلسطينيين أولوية، ها أنت للمرة الثالثة خلال شهر تخاطب الشعب الإسرائيلي من وسط تل ابيب وفي مؤتمرات صحفية مع نتنياهو ورجالات الحرب. تلتقي بأهالي الأسرى هناك، بينما لم أر لقاء بأهالي الأسرى الفلسطينيين ال 5200، والآن تعدوا 7000 بسبب الاعتقالات اليومية منذ بداية اكتوبر!! بلينكين، في خطاباتك، بينما تشير للفلسطينيين بهويتهم الوطنية، تشير للإسرائيليين بهويتهم الدينية وهنا الابتلاء، حيث انك لا تدرك ان حقيقة وصفك لاي انسان اليوم بناء على الديانة التي ورثها عن أجداده ولم يقرر فيها أصلاً، هذا موضوع إشكالي في القرن الـ٢١، وينصب تحت تعريفات العنصرية! من غير المقبول ولا المنطقي ولا الإنساني في عام 2023 ان نوسم البشر والعواصم استناداً للدين، لا يحتاج الموضوع لعبقرية، إنما يحتاج لبعض من القراءة من التحضر والانسانية، ألا يستحق ابناؤك نموذجا حضاريا يساوي بين البشر بغض النظر عن الدين، اللون، العرق او مكانهم الجغرافي؟
بلينكن، لم لم تدن استهداف المباني السكنية والمدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس؟ كيف تحمي المدنيين الفلسطينيين وانت تزود دولة الاحتلال بـ 14.3 مليار دولار إضافة لدعم الجيش العسكري الاسرائيلي، لم ننسَ الـ 3.8 مليار دولار سنويا من دعم عسكري والخدمات الاستخباراتية الاستراتيجية! لمَ لا تقف مع الإنسانية وتبدأ بالوقف الفوري لإطلاق النار! بينما تتحدث شفوياً عن مطالبة إسرائيل بوقف "مؤقت" لإطلاق النار، لمَ لا تفرض هذا الوقف ؟ سترد, للقضاء على حماس؟! كيف تريد القضاء على حماس من خلال تعريض المدنيين للموت؟ كيف لأي عاقل أن ينهي أيديولوجية او فكر بإبادة الإنسانية؟ لمَ لم تقم أمريكا وبريطانيا باستهداف الشعب الايرلندي للقضاء على الجيش الجمهوري الايرلندي في التسعينيات؟ لقد استوعب جورج ميتشل الوسيط الامريكي حينها ان الوصول لاتفاق الجمعة العظيمة لا يأتي باستبعاد اللاعبين، حتى وإن اختلف معهم ايديولوجياً!
بلينكن، الدبلوماسية تعني القوة الناعمة وليس استخدام القوة! تتحدث عن حل الدولتين والسلام، بينما تستميت في الحديث عن حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها عسكرياً وتستخدم الڤيتو في وجه قرار أممي لوقف النار، وتغض البصر عن الاستيطان والمستوطنين الارهابيين وتتجاهل رفع نتنياهو لخارطة من النهر للبحر في أروقة نيويورك في أيلول! عليك البدء بقراءة عميقة للمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة والمادة 31 من نظام روما، تشذُّ القوة المحتلة عن تعريفات ومواد الدفاع عن النفس! الحديث الاعمى والمنحاز عن الدفاع عن النفس فيه تعاون مباشر لتوظيف النار ضد 2.2 مليون من المدنيين الفلسطينيين نصفهم أطفال. أنصحك بقراءة سطحية في نظريات حل الصراع التي استحضرت بدائل سلمية متعددة لحل النزاعات.
بلينكين, انت تعرض أمريكا للمساءلة التاريخية, الرأي العام مضلل في أمريكا بسبب تبنيكم المنحاز للرواية الاسرائيلية التي تضع اللوم على الضحية، اسرائيل هي الأمهر في تحريف الرواية وتشويه الواقع وقلب الحقيقية، أما انحيازكم الأعمى فهو انعكاس لعدم مسؤوليتكم كقيادة عالمية أمام الإنسانية او القيم او القانون أمام مصالحكم البراغماتية! الحقيقة التي تسجل للتاريخ ان اسرائيل تنتهك كل قواعد الحرب وتنتهك القانون الدولي الانساني واتفاقية جنيڤ الرابعة، وخاصة فيما يتعلق بحماية المدنيين، المادة 49 ومبادئ وقرارات الأمم المتحدة ونظام روما وبروتوكول الإبادة، بينما اسرائيل مستمرة في مخالفة الاعلان العالمي البديهي لحقوق الانسان، امريكا توفر لها الإفلات من العقاب وهذا بمثابة غطاء قانوني للجرائم ضد الانسانية. هناك مسؤولية فردية وجماعية على كل عضو في المنظومة.
بلينكين, تحقيق الازدهار وبناء الاقتصاد الفلسطيني لا يحتاج لصراف آلي او خطة مارشال، إنهاء التبعية للاقتصاد الاسرائيلي هي الحل؛ ان منح الفلسطينيين حقوقهم السيادية المشروعة على أرضهم وامكانية الاستثمار الحر واستقلال الكهرباء والماء والحفر ومد خطوط الفايبر وشبكات التواصل واستخراج الغاز والتمتع بخدمات الجيل الرابع 4G وال 5G إضافة للعبة "المقاصة" للضرائب والجمارك والتراخيص وكل سياسات الجباية والتخليص التي تتحكم بها اسرائيل وتستعملها ضد الفلسطينيين كورقة ضغط متى شاءت حكومة الاحتلال اليميني المتطرف, هل نسيت أن عدم السماح بالاستثمار في المناطق المسماة "ج" لوحدها يحرم الاقتصاد الفلسطيني من ٣.٤ مليار دولار سنوياً؟! لم تروج لفكرة ان إسرائيل انسحبت إداريا من غزة ؟ هل نسيت ان اسرائيل تسيطر على كل مناحي حياتنا في الضفة والقدس وغزة براً وجواً وبحراً، لا سلطة ولا سيادة دون الموافقة الاسرائيلية؟! ألا تخجل من تكرار عبارة "تدابير متساوية"؟؟
بلينكين, لقد تماديت, فقد عودتنا إدارة بايدن على الكلام الحضاري المنمق ابتداء بالتدابير المتساوية الى وعود فتح القنصلية والتراجع عن قرارات ترامب غير القانونية دون اي امتثال للتطبيق، والان تتحجج بالقضاء على حماس في استهداف الأطفال والمدنيين الفلسطينيين, لم لا تترك الامر للأدوات القانونية الأخلاقية والسلمية التي يمكنها التحقيق والمحاسبة؟
بلينكين, كيف لكم ان تتوقعوا انعكاسات مشاهد الإجرام الاسرائيلي الموثق على الأجيال القادمة؟ لقد أحبطتم المعتدلين ومحبي السلام بيننا، أمام أشلاء 4000 طفل فلسطيني، وآلاف تحت الركام، الدرس الأقسى والأخطر على المدى الاستراتيجي هو ما استنتجه أولادنا هذا الشهر ان قيادات الادارة الامريكية لا ترى قيمة لحياة الفلسطينيين ولا تتعامل معنا كبشر مساوين للبشر من ديانة اليهود، بل نحن مواطنين درجة ثانية من عرق آخر لا نرتقي لقيمة النفس اليهودية!!!!
بالنهاية، لأن موضوع السلام والتطبيع يؤرقك، عليّ تذكيرك بأن الدول العربية عرضت مبادرة السلام العربية منذ ٢٠٠٢ ، ولو رضي الطرف الإسرائيلي بها، لتمتع بالتطبيع ليس فقط مع فلسطين ولكن مع كل الدول العربية والإسلامية! كفا تضليلا للجماهير، لقد انتهى زمن الوصاية والاستخفاف بعقول الفلسطينيين، الشعب الفلسطيني يريد العيش بعزة وكرامة وحرية. نشهد صفقة القرن وفصل دولة غزة وتغيير خارطة الشرق الأوسط الجيوسياسية على حساب دم المدنيين, لن نكون أقلية كما أراد بلفور ولن تحرمونا حقنا في تقرير مصيرنا, اذا اردت السلام فعلاً، "النقل القسري" لن يطبق على الفلسطينيين, الآن دور آلاف من مواطني أمريكا ممن يعيشون في المستوطنات، مسلحين وغير قانونيين، يتوجب عليك سحبهم فوراً! اثبت نيتك بتحقيق السلام بتفعيل ترجمة عملية لإنهاء الاحتلال من خلال تحديد ورسم حدود دولة إسرائيل!
عندما سُئلت هانا أرندت عن سبب تعريفها للمحرقة بأنها جريمة ضد الإنسانية وليست جريمة ضد اليهود، قالت "لأن اليهود بشر، وبحكم التعريف، فإن الجريمة ضدهم هي جريمة ضد الإنسانية". وآمل من بلينكين أن يدرك وقيادات العالم على أن الأمر نفسه ينطبق على الفلسطينيين. الوقف الفوري لإطلاق النار مسالة إنسانية بحتة.
- دلال عريقات: أستاذة الدبلوماسية وحل الصراع، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الأميركية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها