عندما تصبح الجريمة عملا يوميا منظما فهذا يعني أننا أمام مخطط فاشي ظاهر للعيان للتطهير العرقي. ومن الواضح أن الأجهزة الإسرائيلية التي تقف وراء هذا المخطط، تراهن على أن تسود أجواء الفتنة والخوف والرعب لدفع المواطنين الفلسطينيين داخل الخط الأخضر للتفكير بالهرب والنجاة بأنفسهم وبأسرهم. وهذا بمثابة تحذير كبير لمن لهم شأن وقرار، إننا نقترب من لحظة اللاعودة، وإسرائيل هي اليوم في ذروة فاشيتها، وفيها حكومة لا شغل لها سوى تنفيذ عملية شاملة للتطهير العرقي، عملية خبيثة تظهر فيها الضحية كما وكأنها مسؤولة عن ذبح نفسها بنفسها...من يقول إن هؤلاء الملثمين الذين ينشرون الجريمة هم ليسوا قوات خاصة إسرائيلية من كتائب المستعربين العسكرية؟

إن ما نشهده اليوم لا يمكن إلا أن يكون من عصابات إجرام أو قتل محلي، إنه عمل مؤسسة أمنية وأجهزة مخابرات مختصة تدير الأعمال الإجرامية بشكل ممنهج ومتصاعد، وها نحن أمام ظاهرة أصبحت عملا يوميا. فلا يكاد يمر يوم بلا جريمة قتل بشعة تجري في وضح

النهار وبكميات وأنواع أسلحة عليها علامة سؤال كبيرة...من أين جاء كل هذا السلاح؟ هناك 160 ضحية منذ مطلع هذا العام وحتى تاريخه، وخلال السنوات الثلاث الأخيرة قتل المئات.

علينا من الآن فصاعدا أن نستنهض المجتمع الدولي على ما تقوم به دولة إسرائيل من جرائم ضد المواطنين الفلسطينيين، وعندما أقول علينا أعني الكل الفلسطيني، المشكلة لم تنشأ هكذا لأن هناك قدرا ما من العنف داخل المجتمع العربي. إنه مخطط للتطهير العرقي وليس لها اسم آخر، ثم إذا كان هناك بعض مظاهر العنف، فمن المسؤول الحقيقي عنها، أليست هي سياسات التمييز العنصري وتهميش المجتمع العربي ليكون الأكثر فقرا وبؤسا في إسرائيل؟ ثم يتم تغييب أن هذا المجتمع أعطى أفضل الأطباء لمستشفيات إسرائيل، وأعطى مهندسين وخبراء وعمالا مهرة وشعراء وروائيين وكتابا، كل من أتيحت لهم الفرص أبدعوا ولكن هذه الفرص كانت محدودة جدا بالقياس لتلك التي تعطى لليهود.

في مقالات سابقة كتبتها بخصوص هذا الموضوع حاولت قدر الإمكان أن أبدو موضوعيا في توزيع المسؤوليات وعلى من يقع على عاتقهم إيجاد الحلول،

ولكن اليوم وبعد استفحال الجريمة دون أن نلمس أي جهد من الدولة للتصدي لهذه الظاهرة، لذلك ليس هناك سوى مسؤول واحد هو الحكومة الإسرائيلية. فالدولة العبرية منذ تأسيسها، نظرت إلى الفلسطينيين الذين صمدوا على أرضهم، بأنهم أعداء في الداخل، ولم تخفِ يوما رغبتها في التخلص منهم وهي وضعت كل السيناريوهات والخطط من أجل ذلك، ومن الواضح اليوم أنها وعلى ما يبدو استقرت على سيناريو الجريمة المنظمة القذر ليبدو أن الفلسطينيين يهجرون وطنهم بأنفسهم وبسبب أفعالهم، لا يمكن لأي مراقب أن يصدق أن هذه الظاهرة وبهذا الحجم ليست من صنع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية.

من دون شك أن هناك مشاكل عويصة ومعقدة داخل المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل، وهناك قدر من العنف الداخلي المعروفة أسبابه، ولكن يجب أن نميز بين مظاهر العنف وكيفية إيجاد الحلول لها، وبين ظاهرة الجريمة المنظمة، هذه الأخيرة ليست نتاج ذلك العنف إنها من فعل فاعل، لو كانت بسبب العنف الداخلي لكانت متقطعة متباعدة تحدث كل عدة أشهر مرة واحدة، ولكن أن تصبح الجريمة عملا يوميا وبهذا الشكل البشع فإنها بالتأكيد من فعل الدوائر الإسرائيلية.

حتى العنف الذي يجري الحديث عنه هو نتاج تراكم السياسات التي بدأت منذ أن شهدت فلسطين تنفيذ المشروع الصهيوني، ومع تأسيس إسرائيل على أنقاضها، إنه نتاج سياسة ممنهجة لكافة الحكومات الإسرائيلية منذ "الاستقلال" ومع هذه الحكومة بدأنا نشهد الجزء الأبشع من هذه السياسات.

لم يعد نضال الداخل وحده كافيا لأن إسرائيل لا تصم آذانها فقط، بل هي المجرم ومرتكب الجريمة، هناك حاجة للقيام بنقلة في هذه المواجهة. من هنا تبرز أهمية نقل المشكلة إلى الساحة الدولية، إلى محكمة الجنايات الدولية، إلى مجلس حقوق الإنسان ليأتي ويحقق ويقدم النتائج، هناك حاجة لجهود متوازية تجري في قت متزامن، أولا: مواجهة الظاهرة بكل الوسائل والطرق المشروعة داخل المجتمع الفلسطيني في الداخل ذاته، وهذه مهمة القيادات والأحزاب والقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وكل القوى التقليدية وغير التقليدية. ثانيا: العمل على تعزيز صمود المواطنين وإطلاعهم على الخطر الاستراتيجي والوجودي لهذه الظاهرة ومخطط التطهير والتشريد. ثالثا: العمل مع القوى اليهودية المعارضة لمثل هذه الظاهرة مهما كانت محدودة القوة والحجم، ولهذا أهمية خاصة في

اختراق عنصرية إسرائيل وكشف حقيقة ما يجري من الداخل، بالإضافة إلى طرح المشكلة في الكنيست، بغض النظر عن حجم التأثير. المهم أن نبقي الأضواء مسلطة على المشكلة، كما بإمكان النواب العرب مناشدة برلمانات ونواب على امتداد الساحة الدولية. ورابعا: العمل على صعيد المجتمع الدولي بكثافة كما سبقت الإشارة، وهذا الجهد ليس محصورا بأهلنا في الداخل بل كل القوى الفلسطينية في كل مكان وكل فرد فلسطيني عليه أن يساهم في كشف المخطط الخبيث.

لم تعد مخاطر المخطط الإسرائيلي بخافية على أحد، فمسؤولية المواجهة هي مسؤولية جماعية ولا يمكن أن يتحمل الصامدون في الوطن وحدهم مهمة المواجهة، إنها مهمة كل إنسان فلسطيني.. لنتحرك الآن في عمل منظم قبل فوات الأوان.