بالصدفة المحضة شاركت في حضور الجلسة الافتتاحية لمؤتمر مركز الأبحاث الفلسطيني السنوي بعنوان "تاريخ وآثار فلسطين – مراجعة نقدية" يوم السبت الماضي الموافق 18 اذار / مارس الحالي، والذي سلط الضوء 35 باحثًا وأكاديميًا على مدار يومين على مليون سنة خلت من تاريخ فلسطين، وتوقف الباحثون عند مختلف العصور، التي مرت بها فلسطين خلال الحقب التاريخية السابقة. وكأن المؤتمر وعنوانه عقد ليرد على ذلك المشعوذ الصهيوني الفاشي، الذي لا يفقه في التاريخ ولا في الجغرافيا ولا في الموروث الحضاري والثقافي للشعب العربي الفلسطيني ضارب الجذور في أرض الإباء والأجداد منذ وجد الإنسان في أريحا، مدينة القمر قبل عشرة آلاف عام.


ولا أضيف جديدًا، حينما أؤكد ان الكنعانيين متجذرون في أرض وطنهم الفلسطيني قبل وجود الديانات السماوية الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلامية، وسابقة على وجود أبو الأنبياء إبراهيم وإسماعيل ويعقوب وإسحاق والأسباط وعيسى المسيح عليهم السلام. وبالتالي حين يتحدث بتسلئيل سموتيريش، وزير المالية الفاشي في باريس يوم الأحد الماضي وبعد ساعات من عقد قمة شرم الشيخ الموافق 19 اذار / مارس الماضي، عن "إختراع" العرب الشعب العربي الفلسطيني قبل مئة عام، مجترًا ومعمقًا رئيسة الوزراء الإسرائيلية، غولدا مائير الاسبق في هذا الشأن، إنما يكون كمن يضرب رأسه في الصخر، محاولاً إسقاط رغبويته وأساطيره وخزعبلاته الواهية، الفاقدة الاهلية والمصداقية، والتي أكدها علماء التاريخ  والآثار، ورد عليه علماء الآثار الإسرائيليون، ومنهم إسرائيل فينكلشتاين، والبرفيسور شلومو ساند، صاحب كتاب "إختراع الشعب اليهودي". لأنهم حاولوا على مدار ال75 عامًا الماضية من وجود إسرائيل، وسبقهم في البحث والتنقيب  علماء الاثار الغربيون من بريطانيا وألمانيا وفرنسا وأميركا وغيرهم قبل وجود إسرائيل اللقيطة، ولم يجدوا أثرًا واحدًا يشير لوجود الممالك اليهودية المزعومة في فلسطين، وبالتالي لم يكن هناك لا هيكل أول ولا هيكل ثان، ولن يكون هنا هيكلاً ثالثًا على أرض فلسطين العربية. 


ولكن قيمة ما ذكره هذا النازي الصهيوني، أنه أكد للمرة الألف لكل العرب والعالم، وهو يتحدث في باريس وأمامه خارطة إسرائيل من النيل إلى الفرات، وخاصة خارطة المملكة الأردنية الهاشمية، أن كل الرهانات على إمكانية بناء جسور للسلام مع دولة المشروع الصهيوني، هي إمكانية فاشلة، ولا أساس لها من الصحة، فلا قمة العقبة في 26 شباط / فبراير الماضي، ولا قمة شرم الشيخ في 19 اذار / مارس الحالي يمكن ان تغير من ركائز الايديولوجست الصهاينة النازيين، ولن يتراجعوا قيد أنملة عن مخططهم الإجرامي في فلسطين والأردن ومصر والعراق وسوريا ولبنان وكل العالم العربي. لكن من سيرد عليهم هو، الشعب العربي الفلسطيني، وتناقضاتهم الداخلية، التي باتت قاب قوسين أو أدنى تؤتي ثمارها بخراب ودمار الدولة المنذورة والمسكونة بالموت والفناء المحتم. 


وعلى صعيد آخر، قام وزير ما يسمى "الأمن القومي"، إيتمار بن غفير، بحجب صوت وفضائية فلسطين داخل القدس وإسرائيل، لأنه يخشى صوت الحق والعدالة، صوت التاريخ والأرض، صوت أبناء الشعب العربي الفلسطيني. وأكد المجرم النازي شريك سموتيريش، أولاً إنه لا يفقه في التاريخ الحديث، وثانيًا لا يعرف عظمة هذا الصوت، وكيف ولد، وترعرع وصعد إلى السماء عندما كان ينطلق من إذاعة صوت العرب، ومن شارع الشريفين في القاهرة ومن درعا لساعتين في اليوم، ثم تطور وحقق انتشاره حتى وصل إلى أصقاع الأرض المختلفة، رغم ان دولته الفاشية قامت بقصف مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون أثناء اجتياح شارون لمدن الضفة الفلسطينية عام 2002، وخرج صوت فلسطين من تحت الرماد، كما العنقاء، وواصل البث والغناء باسم الحق والعدالة والحرية والاستقلال وتقرير المصير وحق العودة، وسيبقى صادحًا مجلجًا في فضاء الدنيا، وسينتصر على قراراته وقرارات حكومات إسرائيل المختلفة. 


بيد أن المهم، أن هذه القرارات، ومعها مصادقة الكنيست أمس على عودة قطعان المستعمرين للمستعمرات الأربع، التي أخلوها عام 2005، كشفت مجددًا، أن حكومة الترويكا نتنياهو، سموتيريش وبن غفير النازية، والحكومات السابقة واللاحقة، لا يمكن الركون أو الرهان عليها. لأنها لا تؤمن بالسلام، ولا تعمل، ولن تعمل من أجل فتح أي أفق لا سياسي ولا اقتصادي ولا غيره. وبالتالي القرارات والمواقف والمصادقة على القانون الاستعماري تؤكد حقيقة واحدة فقط، العمل بشكل حثيث لتنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي لمنظمة التحرير، وتصعيد المقاومة الشعبية، وفرض الوحدة الوطنية بكل الوسائل، للتصدي للتحديات الصهيوأميركية. 


أرادوها (الصهاينة النازيين) حربًا مفتوحة، ورغم أن موازين القوى لصالح الدولة المارقة والخارجة على القانون، إلا أن الشعب العربي الفلسطيني بقواه الحية، وبتطوير أساليب مقاومته المختلفة يستطيع كسر تلك الدولة المهزومة من الداخل، والتي ينخرها السوس منذ وجدت، لأنها فسيفساء غير متجانسة، ومليئة بالتناقضات التناحرية. وهذا ليس إنشاء، ولا إسقاطات رغبوية، ولا تمنيات، إنما مستند للواقع المعطي.

وغدًا لناظره قريب.