من مفارقات لعنات التاريخ، وسطوة دول الغرب الرأسمالي على العديد من المنابر الدولية، وفرض أجندتها على مخرجات مؤتمراتها وهيئاتها البرلمانية، التي تعكس تجريد تلك الهيئات والمؤسسات البرلمانية من أحد أهم مبادئ تأسيسها، وهو الدفاع عن الديمقراطية، والتصدي لأنظمة الاستعمار الفاشي والديكتاتوريات والعسكرتاريا، وتؤصل لحماية حقوق الإنسان في بلدانها، وتعزز روح التسامح والشراكات السياسية والثقافية والدينية. الأمر الذي يؤكد أن التدخل والهيمنة المباشرة لأباطرة رأس المال في الغرب ساهم مساهمة مباشرة في التشويه المتعمد، وعن سابق تصميم وإصرار لمعايير الديمقراطية والعدالة السياسية والقانونية النسبية، ويضرب دون تردد هيبة ووقار ومشروعية تلك المنظمات، من خلال فرض أجندتها المعادية لألف باء الديمقراطية، التي "يتغنى" و"يرددها على مدار ساعات النهار والليل" ذلك الغرب عمومًا والولايات المتحدة بهدف تضليل وخداع شعوب الأرض قاطبة، بما فيها شعوبها نفسها.
ارتباطًا بالمقدمة أعلاه، التأمت دورة الجمعية العامة للاتحاد البرلماني الدولي الـ146 في العاصمة البحرينية، المنامة ما بين 11 و15 آذار/ مارس الحالي تحت شعار "تعزيز التعايش السلمي والمجتمعات الشاملة للجميع ومكافحة التعصب". تضمن برنامج الدورة عقد عدة اجتماعات للجمعية والمجلس الحاكم للاتحاد واللجان الدائمة، إلى جانب ورشات العمل والفعاليات المرافقة للدورة.
ومن الواضح أن شعار الدورة لا يكتسب أي مصداقية، لأن مخرجاته جاءت معاكسة تماما لشعار التعايش السلمي، ومكرسًا روح التعصب والإرهاب ودعم الفاشية الصهيونية، التي تعيش الآن بالتحديد لحظة انكشاف غير مسبوقة لطابعها العنصري، القائم على عمليات التطهير العرقي ضد أبناء الشعب الفلسطيني خصوصًا والعرب، الذين احتضنوا الدورة عمومًا. حيث إن انتخاب عضو الكنيست الإسرائيلي الفاشي، داني دانون يوم الأحد الماضي الموافق 12 مارس الحالي عضوا في لجنة "مكافحة الإرهاب" التابعة للاتحاد البرلماني الدولي (IPU) فضيحة مدوية، وأماط اللثام عن محتوى الاتحاد اللاديمقراطي، والمتورط بشكل مباشر في حماية إرهاب الدولة الإسرائيلية المنظم، وحتى يتساوق مع حكومة الترويكا الفاشية: نتنياهو، سموتيريش وبن غفير. لأن انتخاب دانون، هو تصويت للحكومة، التي تعمل على تقويض القانون الاستعماري الإسرائيلي نفسه، وفرض هيمنة السلطة الاستعمارية التنفيذية على برلمانها (الكنيست).
وكل مندوب دولة صوت لصالح انتخاب داني دانون، هو شريك في التواطؤ مع إسرائيل الكولونيالية، وداعم لحكومتها الفاشية، التي تعمل بشكل حثيث ويومي ولحظي على قتل كل ملمح من ملامح أو بصيص أمل لشق ثغرة نحو السلام، وتمارس أبشع أشكال البطش والموت والتنكيل بأبناء الشعب الفلسطيني، الذين سقط منهم منذ تولي مهامها مع نهاية العام المنصرم 88 شهيدًا ومئات الجرحى وتدمير العديد من البيوت والسيارات والمنشآت، وقطع المئات من أشجار الزيتون، وحرق بلدة حوارة الفلسطينية بتعليمات واضحة من أركان الحكومة الإسرائيلية. وهذا ما أكده وزير المالية الإسرائيلي، بتسليئل سموتريش عندما نادى بمحو وإبادة البلدة الفلسطينية في 26 شباط/ فبراير الماضي.
عن أي تعايش سلمي، ومكافحة للإرهاب يتحدث البرلمان الدولي؟ هل بانتخاب الفاشية الصهيونية ممثلة بانتخاب مندوب إسرائيل المجرم في الأمم المتحدة؟ كيف؟ وعلى أي أساس؟ وما هي المعايير الناظمة لدى أركان البرلمان الدولي لمكافحة الإرهاب؟ وهل يمكن أن تستقيم روح البرلمان الدولي وسياساته مع تعزيز الديمقراطية وانتخاب دانون الفاشي؟
إن مجرد التفكير بانتخاب مندوب إسرائيل في أي لجنة من لجان المؤتمر الدولي، هو تناقض صارخ مع روح القانون الدولي. وحتى قبول إسرائيل عضوا في البرلمان الدولي جريمة لا تغتفر، ولا يجوز أن تستمر، بل الواجب والضرورة تملي طرد مندوبها، كما فعل الاتحاد الأفريقي، وليس محاباتها وتسويق بضاعتها الإرهابية، التي تقوم على ركائز التطهير العرقي والأبرتهايد والجريمة المنظمة، وقتل وإبادة كل ملمح من ملامح التعايش السلمي، ليس مع الفلسطينيين فقط، بل داخل الدول المارقة والخارجة على القانون، ضد اليهود الصهاينة أنفسهم.
وعليه فإن مجرد انتخاب المندوب الإسرائيلي يؤكد أن الغرب والدول السائرة في ركابه، لا يتورعون عن قلب الحقائق، والعمل على الدفاع عن دولة الإرهاب والجريمة المنظمة، التي أسسها وأنشأها على أنقاض نكبة الشعب الفلسطيني، ويكشف للمرة المليون زيف شعارات الغرب وفي المقدمة راعي البقر الأميركي، التي تتحدث عن الديمقراطية، وتجدد التأكيد على أنه (الغرب الأميركي الأوروبي) هو أس البلاء والإرهاب والجريمة المنظمة في العالم، ولا يؤمن لا بالديمقراطية، ولا التعايش السلمي، ولا بأي معيار من معايير السلام والعدالة السياسية والقانونية، ولا بحق تقرير المصير للشعوب، التي تبناها الرئيس الأميركي، وودر ويلسون.
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها