حوار: عبير البرغوثي
من مطبخ صغير وأدوات بسيطة بالشوكولاتة رفعت فداء حامد لواء التحدي بعد أن أثبتت الفحوصات الطبية إصابتها بالسرطان، بدأت مشروعها الذي بدأ وتحول الى "ذوق" اسم المنتج الذي صنعته فداء البالغة من العمر 46 عاما لينال إعجاب الآخرين، بعد أقل من أربعة أشهر على مشروعها الذي أعقب آخر عمليّة أنهكت جسدها قبل أن تُعَدّ ناجية من سرطان الثدي.
اكتشفت فداء وهي أم لثلاث بنات كندة وأفنان وجنان، إصابتها بسرطان الثدي في أيار من عام 2018، ومن هنا بدأت رحلة العلاج في أحد مستشفيات مدينة القدس المحتلة، مع أربع جلسات علاج كيميائي بلغ عددها 16 على مدار ستة أشهر من تاريخ اكتشاف الإصابة، ثمّ خضعت إلى عمليتَين جراحتَين، إلى جانب 30 جلسة علاج بالأشعة على مدى شهر ونصف الشهر تقريباً، أنهكها المرض وأرهقها خاصة مع تعقيدات الوصول الى مستشفى العلاج في القدس، لكن ما مرت به فداء لم يجعلها تستسلم أو تخضع للمرض، فـ "الرضا بقضاء الله وقدره والصبر على الشدة، هو ما جعلني أتجاوز كل هذا الألم وحتى طرق العلاج التي أرهقتني"، تؤكد فداء.
قصة فداء هي قصة كل سيدة مكافحة ذررت العقبات وقالت لا للمستحيل لتحقيق حلمها، لـ"الحياة الجديدة" روت فداء حامد رحلتها مع المرض والتحدي النجاح.
كيف كانت البدايات؟
بصناعة الشوكولاتة والإصرار على تحقيق فكرتها وتحدي المرض وتجاوز المعيقات بدأت فداء حامد مشروعها، وأصبح منتجها الذي يحمل اسم "ذوق" يحتل مكانا في السوق والمعارض وصار مطلوبا من قبل المؤسسات والأفراد، تقول فداء حامد: "بعد شفائي في صيف عام 2019 بدأت بالبحث عن فكرة تساعدني على تخطي الإصابة بالمرض فالإصابة بالسرطان تجربة ليست مشرقة، وفي البداية لم أكن أفكر بموضوع صناعة الشوكولاتة، لكن عندما أخذت دورة في فن صناعة الشوكولاتة تشجعت للفكرة وأردت تحويلها الى مشروع، ومن هنا بدأت بتطبيق الفكرة من خلال الدخول الى المطبخ وصناعة بعض الحلويات التي تعلمت طريقتها من خلال الدورة والاطلاع، وكنت اقوم بتوزيع الانتاج في البداية على الاقارب والصديقات".
"تلقيت التشجيع والإطراء على عملي من الدائرة المقربة مني، وأصبح الناس من حولي يعجبون بعملي ويطالبونني بصناعة المزيد، وبعد أن قمت بعمل استشارات تساعدني على البدء بتنفيذ المشروع، بدأت العمل في المنزل بصناعة شوكولاتة صحية، وقمت بالترويج للمنتج على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة الفيس والإنستغرام"، تتابع فداء قصتها.
وتروي فداء: "حاولت أن أبتعد عن التقليدية في عملي، لذلك اتخذت قرارا بالدخول الى مطبخي الصغير والقيام بتجارب مختلفة خلطت فيها مكوّنات عدّة قبل أن أخرج بمنتج صحي أحبّه الناس لأنه خالٍ من الزيوت والمواد الحافظة والسكّر الصناعي، منتج متميز من الشوكولاتة البلجيكية، حيث أقوم بتصنيعها من مواد خام وأدخل فيها التمر الفلسطيني من مزارع أريحا ومكونات أخرى من قبيل المكسرات، وبعد أن توسع المشروع وزاد الطلب على منتجاتي من الشوكولاتة، بدأت بالاستعانة بأيد عاملة خاصة من النساء اللواتي يقمن بإعالة عائلاتهن ووضعهن المادي سيئ".
"ومن هنا أطلقت مشروعي تحت عنوان "ذوق" في تشرين الثاني من عام 2020، كانت ردود فعل الزبائن إيجابية، وأتمنى أن اعمل على تطوير مشروعي من خلال فتح مشغل خاص بي" تقول حامد.
وتضيف "العمل بحب وشغف ومن أعماق القلب بعد معاناة مع مرض صعب، هي قوة كبيرة يصاحبها الاصرار ليولد منه شعور الفخر في كل قطعة تقدم لإنسان، أشعر بفرح كبير وأنا أنظر لهذا الحلم الذي كان مجرد فكرة صغيرة وأصبح الآن يحظى بتقدير أسرتي والمقربين والمستهلكين، شعور فرح يلازمني بتكرار الطلب على منتجي".
وتتابع "كم كانت سعادتي مع انتشار هذا المنتج ليكون ضمن سلة الضيافة من قبل بعض المؤسسات الرسمية، وصولاً للسفارات، فهي ليست مجرد بيوت سياسية، انه بيت لإيصال منتجات فلسطين والنكهات الطبيعية من فلسطين للعالم".
تقول حامد: "اعتمدت كثيراً على الجانب الإيجابي لمنصات التواصل الاجتماعي، كونها بوابة محلية وعالمية ويصلها جمهور كبير، حيث أعمل من خلال منصتي على "الفيس بوك" و"الانستغرام" بالتعريف بالمنتج، ورغم كل العثرات والضغوطات والأوضاع، فإني اعتلي منصتي واقدم ما أستطيع بكل حب وطيبة فطموحي وصولي لكل الوطن وخارجه، فكلمة مستحيل ابتكار من عجز عن تحقيق مراده أما أنا فلا مستحيل أمامي فبدايتي كانت للكثير أمرا مستحيلا وانا الآن رسمت إنجازي على منتجي وحروف وطني فلسطين".
وعن دور الأسرة وكيف ساهمت في تطوير واستمرار مشروعها تقول حامد: "الاستمرار في العطاء والموازنة بين دوري كأم وصاحبة طموح لا يمكن له التوفيق دون السند والداعم الرئيسي، وهن بناتي واصرارهن على تميزي وانطلاقي، وتشجيع المقربين مني مكنني من التوفيق والنجاح كسيدة ومربية وسيدة تساهم في الحياة الاقتصادية للأسرة والمجتمع، وهذا أيضًا سر من أسرار نجاحي واندفاعي لأعمل أكثر وأكثر للوصول إلى ما أُريد، كون عملي حاليًّا قائمًا على العمل اليدوي وبمعدات بسيطة جداً، لذلك يتطلب مني مجهودًا كبيرًا أثناء العمل، ووقتًا أطول، إلا أن محبة عائلتي ومساعدتهم لي تجعلاني أُوازن دائماً بين واجباتي وعملي".
وتضيف حامد بعد أن تحسن وضعي واستقر المشروع بدأت من شهر تشرين الاول الماضي بتقديم جزء من دخل المشروع لمرضى السرطان، سواء للمساعدة في توفير الدواء وأية احتياجات خاصة يحتاجها المرضى .
وتقول حامد لكل امرأة تواجه الصعوبات والتحديات لتنفيذ فكرة تحلم بها "لا تدعي أي عائق يقف في طريقك، لا الظروف العائلية أو الاجتماعية أو الاحتلال، انطلقي بفكرتك حتى لو كانت من المنزل" .
وبعد تغلّبها على السرطان، تصرّ فداء على تشجيع النساء المصابات به أو اللواتي نجونَ منه، قائلة: "لا تخفنَ، ولا تمنحنَ السرطان فرصة لإيقافكنّ وها أنا أشعر بأنّ لديّ حياة جديدة. أنا بدأت من منزلي، فابدأنَ من منازلكنّ أو من أيّ مكان آخر لتحقيق شغفكنّ"، مشددة على أهمية "الصبر والإيمان".
هي روح الابداع والاستعداد للعطاء، نموذج للمرأة الفلسطينية المبدعة، ودليل على أن هذه الارض غنية بكل شيء، غنية بإنسانها، ووافرة بعطاء نباتها وترابها، فأصالة تمرها تتذوقها بحبات الشوكولاتة التي تحتوي على أفضل الخلطات في علبة أنيقة تحمل اسم "ذوق" مصنوعة بالقلب قبل ان تشكله الأنامل.
المصدر:الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها