تكمن أهمية مبادرة القيادة الجزائرية بجمع شمل القوى والفصائل الفلسطينية في إعادة بعث الأمل في ملف المصالحة وترميم جسور الوحدة الوطنية، لا سيما وأن الكل الفلسطيني يرى في الحاضنة الجزائرية مجموعة سمات تبعث على المزيد من الارتياح في الأوساط القيادية المختلفة، ومنها: أولاً القناعة الكاملة لدى المدعوين للحوار، بأن الجزائر لا تحكمها حسابات ذاتية، ولا أجندات إقليمية أو دولية؛ ثانيًا الحرص الفلسطيني على عدم إفشال القيادة الجزائرية، ليس هذا فحسب، وإنما إنجاح مساعيها الإيجابية؛ ثالثًا اعتبارها الملف الفلسطيني، ملفًا وطنيًا خاصًا؛ رابعًا الرغبة الجزائرية بتحقيق الوحدة الفلسطينية عشية عقد القمة العربية الشهر القادم تشرين ثاني/ نوفمبر، بهدف تكريس القمة وحواراتها على القضية الفلسطينية، وإعادة التأكيد على مركزيتها عربيًا؛ خامسًا إن وجد هناك مصلحة جزائرية من جهدها الفلسطيني، فإنه يكمن في تعزيز حضور النظام السياسي أمام الشارع الجزائري عمومًا، وأطراف المعارضة خصوصًا لا سيما وأن كل قطاعات الشعب الجزائري منحازة لفلسطين "ظالمة أو مظلومة" وفق مقولة الرئيس الراحل هواري بومدين.


انطلاقًا مما تقدم، ذهب الكل الفلسطيني للجزائر دون تحفظ، وبعيدًا عن الخشية من الاملاءات، وانطلاقًا من الرغبة بالتقدم خطوة للأمام على طريق المصالحة، والتأم "مؤتمر لم الشمل من أجل تحقيق الوحدة الوطنية" من 11 إلى 13 أكتوبر 2022، ورغم محاولة البعض بعدما بادر ممثل الجزائر، د. صالح بوشة لطرح رؤية الرئيس عبد المجيد تبون وفريقه المختص، والمكلف بالملف، بعد أن رحب وزير الخارجية رمطان لعمامرة بالضيوف، واكد حرص بلاده لإنجاز مصالحة القوى الفلسطينية، وإعادة الاعتبار لقضية العرب المركزية، إلا أن إيجابية القيادة الجزائرية، ودورها التوفيق ساهم في جسر المسألة، وتجاوز التحفظات أو الاعتراضات غير المبررة.


وكان من نتاج القمة البيان الختامي، الذي تضمن مجموعة من النقاط، لا تعتبر جديدة نهائيًا، إنما هي امتداد طبيعي لما تم التوافق عليه سابقًا، وإعادة تثبيتها كأسس ناظمة لمساق الوحدة الوطنية، ومنها أولاً التأكيد على الوحدة الوطنية الفلسطينية، باعتبارها الأساس الناظم للصمود الوطني الفلسطيني؛ ثانيًا التأكيد على أن منظمة التحرير الفلسطينية، هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والعمل على تطويرها والارتقاء بدورها ومكانتها؛ ثالثًا التأكيد على أهمية مبدأ الشراكة السياسية بين كافة فصائل العمل السياسي والشخصيات المستقلة؛ رابعًا الإقرار بضرورة انهاء الانقلاب والانقسام، ووضع آليات وخطوات عملية لطي هذه الصفحة المظلمة من تاريخ الشعب؛ خامسًا الاتفاق على اجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني خلال عام من تاريخ التوقيع على ما تم التوافق عليه في بيان المؤتمر النهائي؛ سادسًا تفعيل آلية الأمناء العامين لتفعيل الخطوات التوحيدية؛ سابعًا تشكيل لجنة جزائرية عربية لمتابعة التنفيذ والترجمة لما تم التوافق عليه. وارتباطًا بذلك تبنت القيادة الجزائرية دعوة رؤساء الوفود خلال الفترة القادمة ما بين 3 إلى 6 شهور، وطالبتهم باحضار رؤاهم لآليات التنفيذ لبنود الاتفاق، وبحيث يكون هناك مصداقية للاتفاق المعلن.


ومجمل النقاط الواردة هامة وضرورية، وتشكل ركيزة أساسية للبناء عليها في التقدم للأمام نحو الترجمة الفعلية. ولكن على أهمية هذه البنود، فإن حذف بند تشكيل حكومة الوحدة الوطنية لم يكن مصيبًا لا سيما وان الحكومة من وجهة نظري تمثل البوابة الأساسية لتطبيق النقاط التي تضمنها الاتفاق، بيد أن المبادرة لهذا الخيار، جاء لتجاوز نقطة إشكالية، كادت تؤثر سلبًا على مجرى الحوار، وتصيب الجهد الجزائري النبيل بنكسة، وهو ما لم تقبله القوى الفلسطينية كل على انفراد، وبشكل جمعي.


وردًا على تساؤل العديد من النخب والمتابعين لملف الوحدة الوطنية عن التفاصيل ذات الصلة بالوحدة، والبعيدة عن العموميات، فهي موجودة في كافة الاتفاقات المبرمة سابقًا، ولا تحتاج الى إعادة تأكيد حسب قناعات القوى كافة. والأمر الواجب على أبناء الشعب، تشكيل حاضنة حقيقية للاتفاق، ودعم المناخ الإيجابي، ومضاعفة الأمل، لكن دون مغالاة حتى لا نفاجأ لاحقًا بالنكسات والعثرات، التي قد تحدث،. خاصة وأن المسافات مازالت نسبيًا متباعدة.


ولا يمكن اختتام هذه المقالة دون تثمين موقف الجزائر الشقيقة رئاسة وحكومة وشعبًا، والتأكيد على جهدهم المميز، مع الإقرار بأن نجاح الجزائر لا يكتمل إلا بمشاركة الأشقاء العرب وخاصة جمهورية مصر العربية، الراعي الأساس للمصالحة الوطنية.

المصدر: الحياة الجديدة