مادت واهتزت الأرض تحت أقدام ليزا تراس، رئيسة وزراء بريطانيا، بعد الأزمة العميقة التي أدخلت اقتصاد بلادها فيها، حيث تخلى عنها الشارع البريطاني عمومًا، ومعظم أقطاب حزب المحافظين، ما اضطرها يوم الخميس الماضي لإعلان استقالتها، رغمًا عنها، ومع أنها قبل ساعات قليلة، أعلنت رفضها الاستسلام أمام المطالبين من المحافظين بخروجها من داوننغ ستريت فورًا، وقالت إنها تملك الإرادة لمواجهة التحديات. ولم تدرك المرأة المغرورة والمتغطرسة أنها خلال 44 يومًا من توليها الحكم هدمت كل الحصون، التي يمكن أن تحميها، وأطلقت الرصاص على أقدامها مع وزير ماليتها بفعل انتهاجهما سياسة اقتصادية مغامرة أطاحت بالسوق المالي البريطاني وانعكست سلبًا على الأسواق الأوروبية وفق ما ذكرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية يوم إعلانها الرضوخ لإرادة الشعب والمحافظين على حد سواء.

وأعلنت خلال مؤتمر صحفي في دواننغ ستريت" لم يعد باستطاعتي الوفاء بالتزاماتي في ظل الوضع الراهن". وأضافت أنها أبلغت الملك تشارلز الثالث باستقالتها من زعامة حزب المحافظين، لافتة إلى أن الحزب سيجري انتخابات مبكرة لاختيار رئيس جديد الأسبوع المقبل. واستتبعت ذلك بتأكيدها هزيمتها بالقول "التقيت صباح هذا اليوم (الخميس) برئيس لجنة 1922، السير غراهام برادي، واتفقنا على إجراء انتخابات لقيادة المحافظين، على أن تكتمل في غضون الأسبوع المقبل".

وكان تقرير الصحيفة الفرنسية (لوفيغارو) أشار إلى، أن الأسواق المالية "كنست" رئيسة الحكومة الإنجليزية، التي سقطت سقوطًا مدويًا وبسرعة الضوء نتاج "آيديولوجيتها المتطرفة" بعد 44 يومًا، وهي أول رئيسة وزراء تسقط بهذا الزمن القياسي من تولي المنصب الحكومة الأول. حيث أحدثت مع وزير خزانتها، كواسي كوارتنغ عاصفة في الأسواق المالية بعد الإعلان عن تخفيضات ضريبية بمقدار 45 مليار جنية إسترليني، أي حوالي خمسين مليار دولار أميركي دون مراعاة التأثير على المالية العامة. ووفق رئيس إدارة أسعار الفائدة في "ألبانز غلوبال إنفستور"، فرانك ديكسمير فإنه "في هذا النوع من الصدمة لديك صدمة أولية وتوابع وتداعيات، لذلك سنستمر في رؤية العواقب" المتوالية، أو الارتدادات الزلزالية الناجمة عن رعونة السياسات المالية، التي انتهجها كوارتنغ بمباركة تراس.

وتفاديًا لمواجهة تداعيات الأزمة على صناديق التقاعد، أجرى مسؤولو البنك المركزي البريطاني مناقشات مع نظرائهم في البنك المركزي الهولندي بهدف تنظيم سوق التقاعد بطريقة مماثلة لتلك الموجودة في المملكة المتحدة، وطُلب من مديري هذه الصناديق تنظيف محافظهم لنزع فتيل قنبلة موقوتة مماثلة لقنبلة الثنائي تراس كوارتنغ.

ولم تقتصر نتائج "آيديولوجيتها المتطرفة عند حدود الاقتصاد والمال، إنما سبقتها بمواقفها العدائية تجاه الشعب الفلسطيني، وتجاه عملية السلام، وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، عندما أعلنت عشية انتخابها لزعامة الحزب، وبعد توليها مهامها الحكومية عن نيتها نقل سفارة بلادها من تل أبيب إلى القدس العاصمة الفلسطينية الأبدية، تكريسًا لسياسة بلادها الإجرامية تجاه الشعب الفلسطيني عندما أطلق وزير خارجيتها بلفور وعده المشؤوم عام 1917، وقرينة الولايات المتحدة الأميركية في تسويق وتعويم صك الانتداب على فلسطين عام 1922.

 ورغم هزيمتها وإعلانها الاستقالة من زعامة حزب المحافظين، بيد أنها ما زالت مصرة على جريمتها الجديدة بنقل السفارة، وأرسلت بعثة بريطانية لاختيار موقع للسفارة في العاصمة الفلسطينية. وهذا يدلل على أنها لم تستخلص الدرس من هزيمتها أمام الشارع البريطاني، ولم تتراجع عن غيها وحقدها وعنصريتها تجاه فلسطين وشعبها، وتماهيها مع الحركة الصهيونية وخيارات قاعدتها المادية "إسرائيل" في تعميم عمليات التطهير العرقي والترانسفير ومصادرة الأراضي والتهويد والتزوير والقتل والاعتقال وخنق أية فرضية متواضعة لدعم عملية السلام.

قد يكون الشعب البريطاني نتاج مصالحه الحيوية رد الصفعة لتراس المتطرفة، إلا أن الضرورة تتطلب موقفًا بريطانيا واضحًا من أنصار السلام، ومن أقطاب الحكومة القادمة ومن حزبي المحافظين والعمال والنخب الثقافية والأكاديمية لوقف مهزلة تراس.

 

المصدر: الحياة الجديدة