نعتقد أننا دفعنا أثمانًا باهظة من دماء الشعب ومقدراته لنتعلم الدروس، لنمضي بثقة وحكمة وعقلانية وتنظيم في ميادين المقاومة الشعبية مع الاحتلال، فالوطني الفلسطيني مهما كان منهجه السياسي يفرض عليه الالتزام بالمصالح الوطنية العليا، وأهداف الشعب الفلسطيني، فإما قيادة وطنية ميدانية واحدة تمضي ببرنامج صمود ومواجهة واقعي قابل للتطبيق، بآليات ووسائل وأدوات محددة، ونحو أهداف واضحة، والجميع ينضوي تحت علم فلسطين الرباعي الألوان، أو المسار الآخر الذي لن يؤدي إلا لهدم أركان الإنجازات التي تحققت للشعب الفلسطيني في إطار تجسيد المشروع الوطني، وتعميم الفوضى، واستيلاء مراكز قوى ونفوذ (مسلحة بعتاد وذخيرة ) – مخبأة بعناية ستستخدمها عندما تدرك غفلتنا وضعف بصيرتنا، وانعدام رؤيتنا وقراءتنا الصائبة للأحداث، فلهؤلاء أهدافهم الخاصة الفردية والفئوية السلطوية الاجتماعية، السياسية، وحتى المالية، لا يقرون ولا يعترفون بالوطن والهوية الوطنية والحرية والاستقلال والسيادة .. فهم يعيشون لتحقيق لحظة سيادة لمكاسبهم حتى لو كانت على حساب حرية وسيادة الشعب الفلسطيني مستقبلاً على أرضه، واستقلالية قراره الوطني .
السلطة الوطنية الفلسطينية بمؤسساتها الرسمية القانونية هي مجموع إرادة شعبية فلسطينية تمثلها منظمة التحرير الفلسطينية، ولا يجوز لمن يقر ويعترف بالمنظمة ممثلاً شرعيًا وحيدًا للشعب الفلسطيني أن يعمل على إضعاف أجهزة أمن السلطة الوطنية عبر الخروج على النظام والقانون ، وفرض أمر واقع غير معلوم العواقب عبر تسيير استعراضات لمسلحين مقنعين في شوارع مدن وقرى ومخيمات تحت عنوان (سلاح مقاومة) لا يفهم سوى أنه استعراض قوة ورسالة موجهة للسلطة الوطنية !.
اليقظة والحذر واجبان في أعلى الدرجات، فاخطر ما يتهدد أي حركة تحرر وطنية في العالم استغلال مبدأ المقاومة الشعبية وتحديدًا عندما يكون السلاح أحد أدواتها، واستثمار تضحيات وبطولات المناضلين الشهداء في مشاريع خاصة بقصد السيطرة أو الاستحواذ على السلطة، على حساب الكفاح الوطني والحرية والتحرير والاستقلال . لقد آلمتنا الاختراقات وأشكال الاستغلال التي أضعفت الثورات الفلسطينية الشعبية والانتفاضات والهبات ، منذ الاحتلال البريطاني مرورًا بالصهيوني (الإسرائيلي) حتى اليوم، حيث حُرِفَتْ مساراتها عن قصد، ويؤلمنا اليوم تحويل المشهد من بطولي نموذجي مشرف، إلى مشاهد استعراضية – راجلة ومحمولة ! - تحت سمع وبصر قوات جيش منظومة الاحتلال الإسرائيلي وأجهزة استخباراتها .
اللحظة التاريخية والفاصلة التي نعيشها تتطلب أعلى درجات المسؤولية الوطنية، وليس مسموحًا لأحد التنصل منها تحت أي مبرر، كما يجب ألا نسمح لأحد باستغلالها، فنحن نعلم تربص قوى إقليمية بنا وبرغبتها في استلاب ورقة الحق الفلسطيني (القضية الفلسطينية) للمساومة عليها وللاستحواذ على مناطق نفوذ أكبر.
ونعتقد أن العقل الوطني قادر على تطوير وتثوير المواجهة الشعبية مع الاحتلال، بالتوازي مع مبدأ الحفاظ على مؤسسات الشعب التي هي بمثابة تعبير سياسي نبثه للعالم عن جدارتنا بالحرية والسيادة في دولة مستقلة، إلى جانب الثقافي والاقتصادي، ذلك أن المناضل يضرب قدرات منظومة الاحتلال والاستيطان، لكنه بالمقابل يبني مقومات حياة كريمة أفضل للشعب الذي ينتمي إليه.
لا بد من الجهر بالحقيقة بجرأة وشجاعة، لأن الأمر يتعلق بمصير الشعب الفلسطيني وحركة تحرره الوطنية، كما يتعلق بقدرته على تقصير زمن الكفاح، وتتويجه بانتصار نموذجي، وهذه الحقيقة نعتقد بضرورة أخذها كقانون أخلاقي فردي وجمعي ووطني، واعتبار الالتزام بها معيارًا للانتماء الوطني، وهي أن في شخص المناضل روح الفدائي، وأن في شخص الفدائي روح المناضل المسيس الملتزم، لا يشهر ذاته ولا يقدمها على حساب مصالح الشعب الوطنية العليا، وإنما يعمل بصمت، وعندما يضحي يصبح مثالاً يحتذى، لا يستعرض سلاحه وشخصه، يسبق فعله البطولي كلامه إن كتبت له الحياة، فحتى كلامه لا يكون إلا لتعزيز الذاكرة الجمعية الوطنية، ولتسجيل صفحة في كتاب تاريخ الكفاح الوطني ضد المستعمرين والمحتلين والمستوطنين وكل أشكال الغزو .
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها