من الجلي أن هناك التباسا وضبابية عند البعض الفلسطيني من مفهوم الشرعية الدولية، الأمر الذي يولد لدى الأشخاص والقوى نزوعًا سلبيًا من المؤسسة الأممية كلها، ومن قوانينها ومواثيقها وقيمها وقراراتها الإيجابية، وعدم تمييز بين خلفيات التأسيس، وحسابات القوى المؤسسة لها، وبين التطورات الهامة في بنائها ومعاييرها، الأمر الذي دفعني لتسليط الضوء على هذا الموضوع الهام، حسبما أعتقد.
ولفرز الغث من السمين، وتبيان الفارق بين الإيجابي والسلبي في المفاهيم والدلالات والمكونات والخلفيات، تملي الضرورة تحديد بعض النقاط والمفاصل الأساسية. أسباب التأسيس، يعود للنصف الأول من الأربعينيات حيث بادرت الإدارة الأميركية آنذاك في التفكير بضرورة إيجاد مؤسسة بديلة عن عصبة الأمم، التي انهارت مع اشتعال شرارة الحرب العالمية الثانية عام 1939، وكلفت وزارة الخارجية مع المجلس الأميركي للعلاقات الخارجية بوضع الأسس الناظمة لتشكيل منظمة الأمم المتحدة إلى جانب الصندوق والبنك الدوليين، كواحدة من أدواتها لفرض هيمنتها على شعوب العالم. وكان من الطبيعي بالنسبة لكل الشعوب الخارجة من ويلات الحرب العالمية 1945 إيجاد منظمة عالمية تنظم العلاقات البينية بين الدول، وتم وضع قوانين ومواثيق ومعاهدات دولية، بعضها كان سابقًا على التأسيس، وتمت صياغته في أعقاب الحروب والصراعات السابقة، وبعضها الآخر تم استخلاصه من تجربة ومرارة الحرب العالمية الثانية، وواصل العالم ينتج قوانين ومعاهدات وتشكيل منظمات أممية متفرعة من المنظمة الأم لخدمة تطور البشرية حتى الآن.
وتم فتح الباب أمام مختلف دول وشعوب الأرض للانخراط في المؤسسة الدولية الجديدة تحت يافطة هدف أساس إنساني، هو حماية السلام بين الشعوب، وحل النزاعات البينية بين الدول، وتعزيز حقوق الإنسان، وإزالة العنصرية، ومحاربة النازية والفاشية وكل مظاهر التطهير العرقي ... إلخ. لكن الدول والأقطاب الدولية المقررة في السياسة الدولية، التي ساهمت في تعميم تلك المفاهيم والمقولات، ودفعت بالقوانين والمعاهدات والمواثيق الهامة الإيجابية، لم تلتزم بها، بل استخدمتها بما يخدم مصالحها الحيوية، والولايات المتحدة نموذج لذلك. وبالتالي هناك فرق شاسع بين القوانين والقرارات والمواثيق الإيجابية، وبين القوى المتنفذة في الأمم المتحدة، صاحبة الدور السلبي، والمتناقض مع روح تلك القوانين والمعايير الأممية.
وبالعودة للمفهوم وحسب معلوماتي المتواضعة، ونقلا عن بعض الدبلوماسيين، فإنه عادة لا يستخدم مفهوم الشرعية الدولية، إنما تستخدم في القرارات الأممية للدلالة على مرجعية وثقل هيئة الأمم المتحدة وهيئاتها القيادية ومنظماتها المتفرعة عنها: "استنادا إلى القوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية"؛ لأن هذا النص يتضمن وضوحا جليا للشرعية الدولية. ويمنح القرارات القوة المطلوبة في هذه المسألة أو تلك.
وارتباطا بما تقدم، مطلوب من القوى السياسية الفلسطينية التمييز بين المنظمة، والقوانين والمواثيق الهامة والإنسانية فعلا، وبين القوى المتنفذة، التي تستبيح تلك المنظومة القانونية الإيجابية خدمة لأغراضها وأهدافها القومية الضيقة، والبعيدة عن مصالح وحقوق بني الإنسان. وعليها أن لا تخشى من تبني القرارات والقوانين الإيجابية. وللشعب الفلسطيني ما يزيد عن 950 قرارا أمميا من الجمعية العامة ومجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان ومحكمة العدل الدولية وغيرها من المنظمات الفرعية ذات الصلة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وهذه القرارات جاءت استنادا لكل ما تقدم.
أما تطبيق تلك القرارات من عدمه، فهذا مرهون بالقوى المتنفذة، وبالتقاسم الوظيفي بين الأقطاب الدولية، وخلفيات وأهداف الدولة الممسكة حتى الآن بقرون هيئة الأمم المتحدة. وبالتالي الرفض الفلسطيني يفترض أن ينحصر وينصب على الولايات المتحدة ودول الغرب الرأسمالي، وكل من يدور في فلكها.
وعليه، ما يخدم أهداف ومصالح الشعب الفلسطيني من قرارات أممية، ولجان تحقيق، وما يدين دولة الاستعمار الإسرائيلية على الجميع التمسك به، وعدم التفريط المجاني به. وبالتالي الكف عن انتهاج سياسة الشعارات الخاطئة والمتناقضة مع مصالح وأهداف الشعب، والعمل على الاستفادة القصوى من المنبر الأممي الأول لدعم الحقوق والثوابت والمصالح الوطنية.
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها