لو لم تتحول لمركز تجسس وجمع المعلومات الاستخبارية عن المواطنين الروس، ما قررت روسيا الاتحادية إنهاء عمل الوكالة اليهودية في البلاد، ونعتقد أن صيغة الموضوع المطروح الآن عبر وسائل الإعلام  أقل بكثير من الحقائق الصادمة التي قد تظهر للعلن بأي لحظة تصل فيها العلاقات بين موسكو وتل أبيب إلى مستوى العلاقات المتوترة للغاية مع واشنطن وعواصم أوروبية بسبب الحرب بين أوكرانيا وروسيا. 

لا يمكننا إغفال القضية لحساسيتها العالية بالنسبة لنا باعتبارنا ضحايا عمليات الوكالة اليهودية العاملة على تهجير مواطنين من مواطنهم الأصلية  -ومنها روسيا الاتحادية- وتحويلهم إلى مستوطنين على أرض وطننا فلسطين، ونعتقد أن الظاهر حتى الآن من التشابك المعقد ما بين الأسباب السياسية والقانونية لهذا القرار، يغطي على قضية أخطر وأبعد من الموقف الإسرائيلي المؤيد لأوكرانيا، أو من لجوء الوكالة اليهودية لجمع معلومات عن مواطنين روس دون علمهم أو موافقتهم، كما تحاول وسائل الإعلام الإسرائيلية تبسيط الأمور للجمهور الإسرائيلي، ونعتقد في هذا السياق أن ما كشفه  وزير حرب جيش الاحتلال غانتس عن إطلاق صاروخ روسي على طائرات حربية إسرائيلية في أجواء سوريا، قد يكون طرف الخيط، الذي إذا تتبعناه فقد يؤدي في نهايته إلى استخلاص حقيقة مادية ملخصها أن مستخدم  ووكيل الدول الاستعمارية (إسرائيل) لا تتجسس عبر طائراتها على الوجود العسكري الروسي في سوريا وحسب، بل وصلت إلى حد اختراق الجبهة الداخلية لروسيا أمنيا وقت الحرب، علما أنها أعمال ترقى لمستوى جريمة، كشفت عنها وزارة العدل الروسية ووجهت الاتهام مباشرة بالمسؤولية عنها إلى الوكالة اليهودية، وطالبت محكمة في موسكو للنظر في القضية اليوم الخميس وهي "جمع معلومات عن مواطنين روس، وتشجيعهم على الهجرة إلى إسرائيل، وتركيز الوكالة اليهودية نشاطها على "الأدمغة".. إلى جانب مخالفة الوكالة لقانون روسي صدر عام 2014 يحظر الاحتفاظ بمعلومات عن المواطنين الروس في خوادم موجودة خارج البلاد.

أدرك رؤوس السياسة لدى المنظومة الصهيونية الاستيطانية (إسرائيل) أن ما فعلته وتفعله الوكالة اليهودية بمعرفتهم وحسب طلبات سادتهم ساسة واشنطن ولندن جريمة عن سابق تصميم وترصد، لذلك استبق يائير لابيد الأمر ووصف قرار روسيا: "بالخطير الذي سينعكس على العلاقات"!! وللتمويه -حسب تقديراتنا- قال إنه سيرسل وفدا قانونيا لمعالجة القضية، لكن موسكو لم تمنح التأشيرة لأعضائه حتى الآن.

من سيصدق أن موسكو قد تتخذ قرارا بهذا المستوى ردا على مساندة إسرائيل للجيش الأوكراني  بخوذ وواقيات رصاص للجنود، وكأن ساسة المنظومة ليس لديهم صناعات حربية وتحديدا منها الإلكترونية، أو كأن قاعدة الولايات المتحدة الأميركية الاستعمارية العسكرية (إسرائيل) بعيدة جغرافيا عن أوكرانيا لا تمكنها من إيصال المطلوب شحنه إلى حلفاء واشنطن، فقادة هذه القاعدة يملكون خبرة أعلى بكثير مما تملكه دول أوروبية.

بإمكاننا وضع دوائر حمراء حول منهج العمل التخريبي التجسسي المدمر للوكالة اليهودية في روسيا، وفي كل مكان يوجد فرع علني أو سري لها، ليس لخدمة المشروع الصهيوني الاستيطاني الاحتلالي وممارستها العنصرية بين يهودي ويهودي، بل لخدمة دول استعمارية، خرجت الوكالة من رحمها وترعرعت تحت أجنحتها، فحتى التبرير الذي قدمته الصحافة الإسرائيلية، فإنه يعتبر ضربا للأمن الروسي الداخلي، وضربة للأمن الاقتصادي في ظل حصار وعقوبات اقتصادية تجارية مفروضة بلا قانون دولي على روسيا، ونعتقد أن بعض الإعلام الإسرائيلي العبري قد ساهم عن غير قصد في كشف مسار من جريمة الوكالة عندما حاولت تبرير عمل الوكالة تحت مسمى (قانون العودة) واعترفت بدون نص صريح بتفضيل الوكالة اليهودية يهودا على يهود، بتركيزها على "شبان ومثقفين وذوي قدرات تجارية اقتصادية" الذين  اعتبرتهم وزارة العدل الروسية مواطنين روس ذوي (أدمغة علمية) متميزة.. ويمكن للمتتبع والقارئ بتفكير وتعمق لتصريحات ماريا زاخاروفا -عضو المجلس الروسي للسياسة الخارجية والدفاع. والمتحدث باسم الخارجية الروسية  والخبيرة في العلوم التاريخية – اكتشاف موضع الخيانة لروسيا الذي سقطت فيه الوكالة اليهودية، فقد صرحت في خضم ردود ساسة المنظومة على قرار موسكو فقالت: " إن "القيادة الإسرائيلية سمحت لنفسها بتصريحات معادية لروسيا، وهذا الموقف منسق بالكامل مع الصوت الغريب والمهووس للغرب".  

آن الأوان لتدرك دول العالم وشعوبها خطورة  هذه الوكالة على تماسك مجتمعاتها، وعلى مبادئ الديمقراطية التي تعني المساواة بين جميع المواطنين دون تمييز على أساس الدين، حيث كرست وتكرس الوكالة التمييز العنصري بكل معانيه وأساليبه وهذا ليس غريبا، فمنشأها الصهيونية العنصرية التي تعتبر وصمة عار في سجل تاريخ البشرية السابق والحاضر.

 

المصدر: الحياة الجديدة