أحيت يوم الأربعاء الموافق 27 تموز/ يوليو الحالي جبهة النضال الشعبي ذكرى انطلاقتها الـ55، التي حلت في 15 تموز/ يوليو الحالي بعيدًا عن صخب المهرجانات، والخطابات الشعبوية والنمطية التقليدية، من خلال عقد ندوة فكرية سياسية شارك فيها عدد من ممثلي فصائل العمل الوطني وامين عام الحزب الشيوعي الإسرائيلي عادل عامر في مقر الجبهة في مدينة البيرة/ حي ام الشرايط. كذلك حضور نوعي من كوادر ونخب العمل الوطني والنقابي والإعلامي ومنظمات المجتمع المدني ورجال الدين.


طبعا ليست المرة الأولى التي تلجأ فصائل العمل الوطني لهذا الخيار، لكن ندوة النضال كانت متميزة بالمشاركين والعناوين التي تناولتها، فتحدث عزام الأحمد، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" عن "المتغيرات الإقليمية واثرها على النظام السياسي والقضية الفلسطينية"، وقدم عادل عامر مداخلة بعنوان "تداعيات الازمة داخل الكيان الإسرائيلي"، وشارك صالح رأفت، أمين عام حزب "فدا" برؤيته حول "المتغيرات الدولية وانعكاساتها على القضية الفلسطينية"، في حين ساهم تيسير خالد عضو المكتب السياسي بقراءته في "واقع النظام السياسي الفلسطيني في ظل الانقسام" وتوجه أحمد مجدلاني، امين عام جبهة النضال الشعبي الفلسطيني بمداخلته عن "زيارة بايدن والرهان على الموقف الأميركي من القضية الفلسطينية والمطلوب فلسطينيًا".


عناوين مهمة اثرى من خلالها المتحدثون عملية التلاقح السياسي والفكري، كونهم سلطوا الأضواء على مفاصل أساسية لمواجهة التحديات الراهنة والقادمة. وطالب عامر "بالاستعداد للمتغيرات الإقليمية والدولية الجديدة" حتى لا نفاجئ بها. لا سيما وان العالم يموج بتحولات استراتيجية. وتطرق للتيارات الإسرائيلية الثلاثة المكونة لدولة الاستعمار الإسرائيلية: التيار الديمغرافي الاجلائي الاحلالي بزعامة بن غوريون؛ والتيار الجغرافي الهادف للسيطرة على الجغرافيا بزعامة بيغن؛ والتيار العنصري الفاشي الرافض للوجود الفلسطيني من حيث المبدأ بقيادة بن غفير وسموتيريتش.

ومن أهم استنتاجات أمين عام الحزب الشيوعي، أن أزمة دولة التطهير العرقي الإسرائيلية تكمن في وجود الشعب الفلسطيني، وليس في نتنياهو، ولا في الصراع الاجتماعي على أهميته. وطرح سؤالاً: هل نشارك في حل الازمة الإسرائيلية، أم نتركها تتعمق ولتجري انتخابات سادسة وسابعة وعاشرة؟ وكان جوابه يمكننا المساهمة في حل الازمة بقدر ما تؤمن المصالح الوطنية الفلسطينية، وخاصة في تقدمها من الحل السياسي، والمساواة لأبناء الشعب الفلسطيني في الـ48. واكد عادل عامر نحن لسنا أقلية قومية، بل نحن جزء لا يتجزأ من الشعب العربي الفلسطيني، ولنا في أرضنا حقوق سياسية ومدنية وقانونية وثقافية.


كما أشار إلى الخطر الذي تمثله القائمة العربية الموحدة بقيادة منصور عباس على الشعب الفلسطيني كله، وليس في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة فقط بسقوطها في مستنقع المخطط الاستعماري الصهيوني، وتساوقها مع ما حمله وعد بلفور بشأن حصر حقوق الأقليات بالبعدين المدني والديني (المقصود الشعب الفلسطيني)، وحتى كلا البعدين لم يمنحا للشعب صاحب الأرض والوطن الفلسطيني، واسقط حقهم السياسي والقانوني. فضلاً عن عملية الطرد والتهجير والتشريد لما يزيد على المليون فلسطيني، ومصادرة حقوق من تجذروا في ارض وطنهم.


وعلى أهمية ما أسهم به المتحدثون من فصائل العمل الوطني، لكن في هذه العجالة ساتوقف أمام بعض ما حملته مداخلة المجدلاني، صاحب الذكرى والدعوة، الذي بدأ مداخلته بالتأكيد على أن زيارة بايدن للأراضي الفلسطينية لم تحمل جديدًا. وما حصلنا عليه كفلسطينيين لا يوازي ما حصلت عليه إسرائيل في 43 ساعة التي قضاها فيها مقابل الساعات الثلاث التي قضاها في دولة فلسطين المحتلة.


وأشار إلى الدعم متعدد الأوجه الذي حمله الرئيس الأميركي لإسرائيل في المجالات المختلفة: السيبراني والعسكري والمالي والاقتصادي والدبلوماسي. ولكنه حتى اللحظة فشل حسب المجدلاني في دمج إسرائيل في النظام الإقليمي العربي، وفشل في وضع العرب في مواجهة ايران. ورغم كل التحولات التي حدثت، بيد أن المعادلات الأساسية بقيت على ما هي عليه حتى اللحظة. وأثنى على ما حملته القمة العربية لجهة إعادة التأكيد على أولوية الحل السياسي للقضية الفلسطينية، والتمسك بمبادرة السلام العربية ومحدداتها.


وخلص أمين عام النضال الشعبي، إلى ذات الاستنتاج الذي أكد عليه عزام الأحمد قائلاً: "أن كل الإدارات الأميركية من إدارة ويلسون حتى إدارة بايدن منحازة لإسرائيل، وساهمت الإدارات الخمس الأخيرة في اغلاق أفق السلام، رغم أنها الراعي الوحيد لعملية السلام". وهذا يفرض علينا البحث عن خيارات لملأ الفراغ السياسي. وأشار الى حاجة الشعب الفلسطيني إلى نقاش جدي لصياغة رؤية سياسية جديدة ونوعية من خلال الحوار الوطني الشامل. ورحب بما أعلنه عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" بالاتفاق مع الجبهة الشعبية على الحوار الثنائي الشهر القادم، مطالبًا بتوسيع دائرة هذا الحوار ليشمل الكل الوطني.

وطالب بإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، من خلال إزالة الالتباس بين مركزي القرار في منظمة التحرير والسلطة الوطنية، والتطبيق الفوري لقرارات المجلسين الوطني والمركزي.
من المؤكد هناك عناوين مهمة تحدث بها المشاركون. سيتضمنها كتاب سيصدر عن الندوة لاحقاً، إلا أني حرصت على التركيز على المداخلتين الأبرز، وأيضًا للاحتفاء بذكرى انطلاقة جبهة النضال الشعبي الـ55، راجيًا لقيادتها وكوادرها وأعضائها وأنصارها المزيد من النجاح والاسهام المتزايد في استنهاض الساحة الوطنية بما يخدم مصالح الشعب وأهدافه الوطنية.

 

*المصدر: الحياة الجديدة*