تقرير: زهران معالي
قبيل موعد الإفطار بساعة تقريبا، كانت أم الفتى محمد زكارنة من الحي الشرقي بمدينة جنين، تسارع الوقت لتعد الطعام لعائلتها، قبل أن تتلقى اتصالا يفيد بإصابة نجلها بجروح بليغة برصاص قوات الاحتلال.
قرب مدخل المنطقة الصناعية بالمدينة، وبينما كان زكارنة بطريق عودته لمنزل عائلته بعدما أنهى عمله بمجال بيع الخضار، باغته رصاص قوات خاصة إسرائيلية، تسللت الى المدينة لاعتقال احد "المطلوبين".
ووفق وزارة الصحة الفلسطينية، فقد نقل زكارنة إلى مستشفى الرازي في المدينة، بعدما أصيب برصاصة "دمدم" متفجرة في الحوض، أدت لتهتك في الأوعية الدموعية، ما أحدث نزيفا حادا تطلَّب تزويده بثمانين وحدة دم إضافة إلى الصفائح.
"ما تخافي يما، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله"، كانت آخر كلمات الفتى زكارنة لوالدته قبل أن يدخل لغرفة العمليات، حيث أجريت له عدة عمليات، إلا أن كافة الجهود الطبية على مدار ساعات لم تنجح في إنقاذ حياته.
وبدموع وحسرة وتعالي صرخاتها أمام ثلاجة الموتى، في مستشفى جنين الحكومي حيث نقل جثمانه، ودعت والدة الشهيد زكارنة باكية "ليش تركتني بالدنيا يما...قلتلي أنا سندك يما".
تقول والدة الشهيد، بأن نجلها كان دائما يخبرها برغبته بالشهادة، فلم تفلح كل مطالبها له بألا "يجرح قلبها بفراقه، إلا أن رصاص جيش الاحتلال كان حاضرا لينهي أحلاما كثيرة رسمها الفتى بمستقبل مشرق.
محبوبٌ، ودودٌ، متدينٌ، مرضي لوالديه، ترك دراسته مبكرا والتحق بالعمل ببيع الخضار ليعيل أسرته ويؤسس مستقبلا مشرقا، صفات امتاز بها الفتى محمد، وفق ما تحدث والده حسين زكارنة.
ويضيف الوالد المكلوم، بأن أولاده يسعون للرزق ولبناء مستقبلهم حيث كان يخطط محمد ليبني ويتزوج، لكن الاحتلال سلب الإرادة والأمل، فالكراهية والحقد مزروع بدمه الذي يسعى للقضاء على كل ما هو فلسطيني.
"محمد فداء للأقصى فداء للقدس فداء لرسول الله. الله يرحمه ويسامحه الله يرضى عليه، أنا راض عليه من كل قلبي، مستعد أقدم كل أولادي فداء الأقصى وفلسطين"، تابع الوالد زكارنة.
خطفت رصاصات المحتل زكارنة مع الآمال التي رسمتها عائلته له بمستقبل مشرق، مثلما خطفت منذ بداية العام الجاري أحلام عائلات عشرات الشهداء، الذين سبقوه إلى العلا.
وتمارس سلطات الاحتلال الإسرائيلي حملة تصعيد في محافظة جنين ومخيمها وإعدامات ميدانية واقتحامات متكررة بشكل شبه يومي، كما تفرض سياسة العقاب الجماعي والحصار، وذلك عبر إصدار رزمة من العقوبات الاقتصادية اتخذها وزير الجيش في حكومة الاحتلال بيني غانتس، مساء السبت.
وتضمنت العقوبات منع دخول وخروج فلسطينيي الـ48 من وإلى جنين، سواء كان الدخول مشيا على الأقدام أو بواسطة المركبات، من حاجزي الجلمة وريحان (حاجز برطعة).
ووفقا للقرارات الصادرة، سيُمنع التجار الفلسطينيون من الدخول إلى مناطق الـ48؛ في حين، سيُسمح للعُمال الفلسطينيين بمواصلة دخولهم إلى هذه المناطق للعمل في ظل "تعزيز التشديدات الأمنيّة".
وهذا الصباح، إلى الشمال الشرقي لمدينة جنين اختفت مشاهد الازدحام المروري في الطريق المؤدية إلى حاجز الجلمة الحدودي الذي يعتبر الشريان المغذي لاقتصاد المدينة، بعدما منعت قوات الاحتلال فلسطينيي الـ48 من الدخول والخروج إلى المدينة لليوم الثاني على التوالي.
وأعلنت محافظة جنين الإضراب التجاري الشامل في المدينة ومخيمها.
ويرى محافظ جنين أكرم رجوب أن ما تمارسه قوات الاحتلال الإسرائيلي سيؤدي باتجاه مزيد من التصعيد والتنكيل بحق أهلنا في المحافظة ومخيمها، مؤكدا أن الاحتلال لا يأبه لأية معايير لها علاقة بالقيم الإنسانية والمعايير الدولية في التعامل مع الشعب الفلسطيني، وأن هذا الأمر مستغرب ومستهجن.
وشدد الرجوب في حديث مع "وفا"، على أن سياسة العقاب الجماعي هي المنحنى الأكثر خطورة، فالاحتلال يريد أن يعاقب محافظة جنين بأكملها وكل مواطن بالمحافظة لأسباب واهية، مضيفا "الذي يتحمل مسؤوليتها الاحتلال بغض النظر عن المبررات".
وتابع: "الاحتلال يتحدث عن الإرهاب وهو أساسه، الاحتلال هو أول من سفك الدماء وسبب كل ما يتعلق بالتدهور الأمني أو الاقتصادي أو المجتمعي بحياة الشعب الفلسطيني".
وأوضح رجوب أن الحصار يمس الحركة الاقتصادية بشكل مباشر، لأن عدم تمكين العمال من الوصول لعملهم والتجار بأن يديروا أعمالهم، وأهلنا من 48 من الدخول لجنين، تشكل سياسة عقاب جماعي انتهجها الاحتلال بهدف المس بأرزاق المواطنين ولقمة عيشهم، وبهدف كسر إرادة الشعب التي لا تلين، مضيفا: سيكون تداعيات خطيرة وكبيرة على أهالي المحافظة والاحتلال يتحمل المسؤولية.
ووجه رجوب رسالة لأبناء شعبنا دعاهم إلى ضرورة التوحد وتشكيل وحدة حقيقية في الميدان لمواجهة سياسة الاحتلال ونبذ الاختلافات وأصحاب الأقلام الصفراء التي تريد زرع الفتنة بين أبناء الشعب الواحد.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها