جبهة الأسرى في مواجهة الجلاد الإسرائيلي الاستعماري مفتوحة على الصراع الدائم، ولم تتوقف أو تهدأ يوما، وإن حصل هدنة مؤقتة في أعقاب تحقيق الحركة الأسيرة الوطنية هذا الإنجاز أو ذاك، فلا يعني هذا القاء سلاح المواجهة؛ لأن مجرد وجود السجن والجلاد الصهيوني ومواصلة الاعتقالات الإجرامية ضد المواطنين الفلسطينيين العزل، أو المناضلين وممارسة التنكيل الوحشي ضدهم، وفرض الأحكام الجائرة عليهم بسبب ودون سبب، بالإضافة للاعتقال الإداري المنافي لأبسط حقوق الإنسان، يعني أن الصراع مستمر ومتواصل بين أبطال الحرية من أبناء الشعب، وبين القتلة من جلادي سلطات السجون الإسرائيلية. وتنطبق المقولة الفلسفية على جبهة باستيلات الموت الإسرائيلية "السكون نسبي، والحركة والصراع مطلق" إلى أن تتحقق الحرية كاملة على المستويين من المعتقل الصغير ومن المعتقل الكبير، أي الاستعمار الجاثم على أنفاس الشعب، والمعطل والكابح لحريته واستقلاله وتطوره.

وفي سياق الحرب الدائرة على جبهة السجون شكلت لحظة انتزاع أبطال سجن جلبوع الستة مطلع أيلول/ سبتمبر 2021 محطة هامة في تأجيج حدة المواجهة؛ لأن العملية البطولية لجنرالات الحرية في جلبوع وجهت صفعة غير مسبوقة لسلطات السجون، ليس لأنها أول مرة، إنما لكون معتقل جلبوع محصنا بكل تقنيات الحداثة والقيود الاستعمارية، ومع ذلك حطمها الأسرى البواسل بجبروتهم وشجاعتهم الفولاذية. وما زالت المواجهة محتدمة منذ ذلك التاريخ، حيث ضاعفت سلطات السجون من إجراءاتها وانتهاكاتها القمعية ضد الأسرى في مختلف المعتقلات الـ23 الإسرائيلية، وقامت على أثر ذلك إدارات السجون وفقا للتعليمات السياسية والأمنية من الحكومة وقيادة الأجهزة الأمنية بتصعيد تلك الإجراءات الإرهابية، وعملت على نقض كل اتفاقاتها السابقة مع المعتقلين فرسان المجد والعطاء، وانقضت على منجزات الحركة الأسيرة.

في أعقاب هذا التحول الإسرائيلي الإجرامي ضدهم، تم تشكيل قيادة طوارئ من مختلف ممثلي فصائل العمل السياسي لمواجهة التحديات الجديدة، ولكبح الإرهاب الصهيوني، واستعادة المنجزات التي حققتها الحركة الأسيرة خلال العقود الماضية. وبين الشد والرخي، والتقدم والتراجع في المواجهة تشهد باستيلات العدو الإسرائيلي حالة من الغليان والسخط المتصاعدة، وأعلنت لجنة الطوارئ خطة تصعيدية تصل في 25 آذار/ مارس الحالي لإعلان الإضراب العام إن لم تتوقف سلطات السجون عن انتهاكاتها الوحشية ضدهم، وما لم تعيد النظر في سياساتها وقراراتها المجحفة بحقوقهم.

ومنذ مطلع شباط الماضي تشهد السجون الإسرائيلية خطوات نضالية تصعيدية من قبل نشامى الحركة الأسيرة، خاصة في سجني "نفحة" في النقب، وسجن "الريمون" وباقي السجون بدرجات متفاوتة، وتتمثل مطالب الحركة الأسيرة في العناوين التالية: وقف الإجراءات القمعية ضد المعتقلات الفلسطينيات الـ32 في سجن الدامون، ومنحهن حقوقهن في الزيارات، وعدم الحرمان من الكانتينا، والسماح لهن بالمكالمات الهاتفية مع ذويهن، وتأمين الرعاية الطبية المناسبة لهن وللمعتقلين من الرجال؛ ثانيًا إعادة العمل بنظام الفورة وفق الاتفاقات السابقة، والآليات التي كان معمولاً بها؛ ثالثًا وقف كل الإجراءات التنكيلية بحق الأسرى؛ رابعًا التوقف عن الفحص الأمني؛ خامسًا إعادة أدوات المطبخ للمعتقلين، وتحسين مستوى الكل؛ سادسًا التوقف عن سياسة الفصل بين ممثلي الحركة السياسية الفلسطينية... إلخ.

لعل أهمية محطة جلبوع تكمن في أنها أعادت روح التماسك والالتفاف بين أطراف الحركة الأسيرة الفلسطينية، حيث وضعتهم إجراءات القمع الإجرامية الصهيونية وجها لوجه أمام تحدٍ مضاعف، ودفعتهم جميعًا لإعادة الاعتبار لروح الوحدة والتعاضد بينهم، لأن سلطات السجون الإسرائيلية الإجرامية لا تميز بين سجين فلسطيني وآخر، وتخضعهم جميعًا لعمليات التنكيل الوحشية، وتمارس البطش دون وازع أخلاقي أو قيمي أو قانوني، وتستهتر بحياتهم، ولا تؤمن لهم الحد الأدنى من مقومات الحياة الآمنة والمناسبة. فضلاً عن الوضع المزري لزنازين العزل الانفرادي والاعتداءات المتكررة، والاقتحامات المتعاقبة والمتوالية لأقسام السجون، والتدخل في شؤون الأسرى من النساء والرجال وأقسامهم وغرفهم، وفرض إجراءاتها التنكيلية عليهم.

ولا أضيف جديدًا للتأكيد على أن معركة الحركة الأسيرة، هي معركة الشعب كله بمختلف قطاعاته وتجمعاته في الوطن التاريخي والشتات والمهاجر، وبالتالي تملي الضرورة على القوى السياسية والقطاعات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الأكاديمية والاتحادات النقابية بتعزيز الفعاليات داخل الوطن وخارجه لإبقاء قضية الأسرى حاضرة وقوية في المنابر العربية والإقليمية والعالمية. والعمل بكل الوسائل للإفراج عن النساء والأطفال والشيوخ وفي المقدمة منهم المناضل فؤاد الشوبكي والمرضى وخاصة المناضل ناصر أبو حميد، الذي يعيش وضعاً صحيًا صعباً جدًا.

المصدر: الحياة الجديدة