من الواضح أن دولة الاحتلال "إسرائيل" لم تعد قادرة بعد على تجاهل الدعوة الصريحة للأبرتهايد والعنصرية في أفكار "موشي هس" و"جيبوتنسكي" وغيرهما الكثير من مفكري الجيل الأول من الحركة الصهيونية.
بل على العكس، بدأ يظهر جيل جديد من أركان دولة الاحتلال يمارس علناً الأبرتهايد والتمييز. ولا أقصد هنا فقط إصدار الكنيست الاسرائيلي قانون القومية اليهودية في عام 2018، والذي يقوقن ويشرعن التمييز العنصري في دولة الاحتلال، وإنما أقصد أيضاً سياسة الاضطهاد والتنكيل بالشعب الفلسطيني التي تقوم أساساً على فكرة التفوق المزعوم اليهودي والدونية المزعومة للشعب الفلسطيني.
إنها فعلاً سياسة تقوم أركانها على التمييز والعنصرية، وتبعا لذلك، يحق لنا القول إن جيلاً جديداً من الصهيونية الجديدة بدأ يفرض نفسه في المجتمع الإسرائيلي. إنها صهيونية لا تقوم على السعي للمواءمة مع القيم الدولية كالعدل والمساواة والحرية، وإنما تقوم أساساً على الاصطدام بها ومواجهتها باعتبار أي من القيم الدولية التي لا تضمن أمن "إسرائيل" وتفوقها تكون شكلاً من أشكال معاداة السامية!. وبات واضحاً أن "معاداة الفلسطنة" بكل ما يحمله هذا المفهوم من معان أصبحت تعني في الصهيونية الجديدة محاباة السامية. وبالضرورة، فعلى العالم جميعاً وفقاً لهذه الرؤية أن يساند الصهيونية في عنصريتها وفي تنكيلها بالفلسطينيين حتى لا يضعوا أنفسهم في كفة معاداة السامية. ليس هذا فقط، وإنما على العالم أيضاً أن يستمر في البكاء على ضحايا الهولوكوست ويحبس دموعه عندما يرى تنكيل جيش الاحتلال الاسرائيلي بالشعب الفلسطيني بمن فيهم النساء والأطفال.
بهذه العبارة، وقبل عدة سنوات، أوقف الدكتور الأميركي اليهودي نورمان فلينكشتاين في ندوة في جامعة واترلو حديث فتاة صهيونية غاضبة وباكية تتهمه بالانحياز للفلسطينيين ونسيان ضحايا الهولوكوست!. ولكن للأسف، وحتى الآن لم يستطيع العالم المتدمن أن يوقف ممارسات جيش الاحتلال العنصرية تجاه الشعب الفلسطيني. لم يتحرك هذا العالم المتمدن وهو يرى جيش الاحتلال يعتقل الأطفال وينكل بهم كما فعل حديثاً عند احتجازه لطفلين في العيسوية! ولم يستطع هذا العالم المتمدن أن ينهي اعتقال الطفل أحمد مناصرة بعد أكثر من 6 سنوات من اعتقاله وهو يعاني من مشاكل نفسية حادة وصلت إلى فصام الشخصية نتيجةً لاستجوابه غير الإنساني من قبل مخابرات الاحتلال ونتيجةً لسياسة العزل القسري لهذا الطفل!. ولم يستطع العالم المتمدن أن يدين شرطة الاحتلال وهي تقتل شاباً فلسطينياً جريحاً في القدس باعتبارها جريمة حرب.
في الواقع. يبدو أن هذا العالم المتمدن إما أنه قد نفدت دموعه على ضحايا الهولوكوست، ولم يعد بمقدوره البكاء على ضحايا الشعب الفلسطيني، وإما أنه لا يستطيع البكاء في الوقت نفسه على أكثر من حالة إنسانية، فهو منشغل في هذه الأثناء بالبكاء على ضحايا الأزمة الأوكرانية!.
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها