نجم عن ثلاثة أسابيع حرب في أوكرانيا أكثر من مليوني لاجئ أوكراني أصبحوا خارج بلادهم، ومع استمرار الحرب قد يصل الرقم إلى 4 ملايين، وهو ما اعتبر المأساة الانسانية الأكبر في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. الشعب الفلسطيني الذي ذاق وما زال يذوق مرارة التشرد لا يمكنه الا يتضامن مع اي لاجئ في العالم، لأن الإنسان العادي هو الضحية الأولى لكافة الحروب والأزمات، سواء بالدم أو اللجوء والفقر والبؤس.

قبل 75 عامًا، في عام 1948 تحديدا شهدت فلسطين حالة مشابهة، ولكن الفرق أن اللجوء الفلسطيني نجم عن جريمة تطهير عرقي متعمدة ومخطط لها سلفًا. ما حدث عام 1948 أن العصابات الصهيونية قد ارتكبت سلسلة من المذابح والمجازر واستخدمت القوة والحرب النفسية لتشريد أكثر من 800 ألف فلسطيني إلى جانب تدمير المجتمع برمته وإقامة إسرائيل على أنقاضه.

وفي 16 تموز/ يوليو عام 1948 اتخذ أول رئيس وزراء إسرائيلي ديفيد بن غوريون قرارا بمنع اللاجئين الفلسطينيين من العودة وبموازاة ذلك قامت "الهاغاناه" بنسف وتدمير جميع القرى الفلسطينية (أكثر من 400 قرية) التي شرد أهلها منها بهدف منعهم من العودة إليها، كما قامت بالاستيلاء على أراضيهم الزراعية. صحيح أن قرار الأمم المتحدة رقم 194 قد نص على حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم وتعويضهم عن الخسائر التي لحقت بهم، إلا أن 75 سنة مرت دون أن ينفذ هذا القرار، كما لا يبدو أنه سينفذ بالمدى المنظور بسبب التمنع الإسرائيلي، هذا هو جوهر سياسة ازدواجية المعايير.

لعقود أشاعت إسرائيل كذبة أن الزعماء العرب هم من أعطى الأوامر للفلسطينيين، عبر الإذاعات العربية،  للخروج في فلسطين، وبرغم أن الأراشيف الإعلامية لم تسجل مثل هذه الأوامر، فإننا نرى كيف يتم اليوم إخراج الأوكران من مدنهم حفاظًا على حياتهم وبموفقة قياداتهم وهذا أمر يحدث في كل الحروب. ولكن الفرق في أوكرانيا وما إن تهدأ الحرب ويتم الاتفاق على تسوية سلمية سوف يكون بمقدور اللاجئين الأوكرانيين بالعودة إلى ديارهم، بمعنى أن أي لاجئ أوكراني يرغب بالعودة إلى وطنه في أي وقت يمكنه ذلك ولا أحد يمكن أن يمنعه أو يحرمه من هذا الحق، الأمر ذاته يحصل في كل الحروب وكل المناطق، أما اللاجئ الفلسطيني فلا يمكنه العودة إلى دياره، بل يتم التنكر أن له حقًا بأرض وطنه.

 وهناك فارق آخر فالعدو هنا في فلسطين، أي الصهيونية، تدعي أن هذه الأرض هي "وعد إلاهي" وأنها حق لليهود وحدهم. وبهذا الشأن هناك إصرار إسرائيلي متواصل ومتجدد لإنكار حق الشعب الفلسطيني بأرضه عبر إقرار قانون يهودية الدولة في تموز/ يوليو عام 2018، والذي يحصر حق تقرير المصير في فلسطين "بالشعب اليهودي" وحده.

لقد أمضى ملايين الفلسطينيين في مخيمات اللجوء أكثر من 75 عامًا، أجيال فلسطينية ولدت وعاشت في هذه المخيمات في حالة من الفقر والبؤس واليأس والإحباط، أجيال حرمت من الحياة الطبيعية التي تتمتع بها كافة شعوب الأرض ولا أحد يلتفت إليهم. لا بد من إعلان مبادرة لعقد مؤتمر دولي لبحث قضايا اللاجئين في العالم اللقاء الضوء على هذه المشكلة الإنسانية الرهيبة، وفي الحالة الفلسطينية فإنها أطول وأبشع عملية لجوء في التاريخ المعاصر.. من المسؤول عن هذه الجريمة؟

المصدر: الحياة الجديدة