المنطق، أو إذا كان القانون الدولي وميثاق هيئة الأمم المتحدة هما المعيار، فإن إسرائيل لا يمكن أن تكون أو القبول بها كوسيط في أي نزاع، وأكثر تحديدًا، كيف يمكن القبول برئيس الوزراء الإسرائيلي المستوطن بينيت كوسيط؟ إسرائيل ليست فقط دولة احتلال إنما هي تعج بمجرمي الحرب، وهي كما قال التقرير الأخير لمنظمة العفو الدولية "أمنستي" دولة فصل عنصري ومارست بشكل وحشي سياسة التطهير العرقي بحق الشعب الفلسطيني عام 1948.

تصرفت إسرائيل خلال الأزمة الأوكرانية كما وكأنها لها موقف مستقل ومميز عن الولايات المتحدة الأميركية وتموضعت بهدف التسلل وخطفت دور الوسيط وتبدو أمام العالم أنها دولة تهتم بالسلام العالمي. ولكن لو لم نكن نعيش في عالم يسيطر عليه النفاق لما أخذت إسرائيل مثل هذه المساحة، وقبل ذلك لما كانت تنتهك بوقاحة القانون الدولي وتواصل احتلالها للشعب الفلسطيني وأراضي الدولة الفلسطينية.

من المبكر أن نحكم إن كانت إسرائيل ستنجح أو تفشل بدور الوسيط في وقف الحرب في أوكرانيا، أو أن تكون أحد الوسطاء على الأقل، ولكن، وبغض النظر عن أهلية أو عدم أهلية إسرائيل كوسيط، فهي تحاول أن تضع نفسها كدولة محورية في السياسة الدولية، وأنها لاعب بحجم الكبار. والمشكلة في هذا العالم المنافق لم يجرؤ فيه أحد أن يطلب من إسرائيل أن تنهي احتلالها للشعب الفلسطيني أولاً وقبل كل شيء.

وفي هذا العالم الجشع، فإن إسرائيل ستبقى مسكوتًا عنها ومطلوبًا دورها لأن لها كلمة مؤثرة في عالم المال الأسود والأبيض، المال المافيوي والمال الرسمي وإن خلفها الرأسمال اليهودي العالمي الهائل والذي يمكن أن يرجح هذا كفة هذا أو ذاك كما جرى في الحربين العالميتين الأولى والثانية، والذي إحدى نتائجه تصريح بلفور، الذي وعدت فيه بريطانيا عام 1917، خلال الحرب الأولى، اللورد روتشيلد (الثري اليهودي الأكثر شهرة ) بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.

والسؤال هنا: ما هو الثمن الذي تريده إسرائيل جراء هذا التدخل كوسيط في الأزمة الأوكرانية؟ هل هو ضمان سلامة وأمن اليهود في روسيا وأوكرانيا، أو ضمان خروج هؤلاء اليهود إلى إسرائيل بسلام، أم الثمن في الملف النووي الإيراني، أو ضمان استمرار إطلاق يدها في سوريا، أم المسألة أكبر من كل ذلك في ضمان مصالح المال اليهودي في ظل سياسة العقوبات الغربية على روسيا وربما هي كل هذه الأمور مجتمعة؟

ما يهمنا نحن في فلسطين هو أن نرفع صوتنا في وجه هذا النفاق العالمي، ونصر على مواصلة كفاحنا العادل والمشروع في إطار القانون الدولي، الذي تتعامل معه الدول الكبرى وكأنه يعمل لما فيه مصالحها هي فقط، ولا تأبه به عندما يتعارض مع مصالحها. والأهم هو أن نتمسك نحن بمصالحنا وحقوقنا من خلال وحدتنا وتلاحمنا لأن المتغيرات تحدث من حولنا بوقع متسارع ولا بد أن نحافظ على وجودنا داخل المعادلات حتى تلك الأكثر تعقيدًا.

المصدر: الحياة الجديدة