شاب الموقف الإسرائيلي تشويش وإرباك مع اشتعال نيران الأزمة الأوكرانية في الـ 24 من فبراير الماضي، وشعرت الحكومة الإسرائيلية نفسها في موقف حرج لارتباطها بمصالح مع طرفي الصراع. بيد أن ضغوط الإدارة الأميركية دفعت وزير الخارجية يئير لبيد لإعلان موقف داعم لأوكرانيا، ومنتقد للموقف الروسي. إلا أن بينيت رئيس الحكومة بقي ممسكاً العصا من المنتصف، ودعا وزراء الحكومة لعدم الإدلاء بأية مواقف تحتمل الدعم لهذا الطرف أو ذاك، وطبعًا بالاتفاق مع الإدارة الأميركية.
وفي محاولة لالتقاط الأنفاس، وإعادة ترتيب أوراق القيادة الإسرائيلية بادر رئيس الحكومة بالاتصال يوم الأربعاء الماضي الموافق 2/3 مع الرئيس بوتين لمناقشة قضايا الحرب وغيرها من الملفات ذات الصلة بالمصالح الإسرائيلية البحتة، ما شجعه على الإقدام على خطوة بدت مفاجئة للكثير من المراقبين الإسرائيليين والأوروبيين والأميركيين، لاعتقادهم أنه أولاً ليس الرجل المناسب للقيام بهذا الدور الكبير؛ ثانيًا لأنه لا يملك الكاريزما السياسية، التي تؤهله للعب هذا الدور؛ ثالثًا كونه يمارس الاستعمار المباشر على شعب آخر، الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يشي بأن مهمته تحمل في طياتها الفشل.
وردًا ضمنيًا منه على تلك التقديرات، أبلغ وزراءه أنه لا يهدف للقيام بالوساطة بين روسيا وأوكرانيا، وإنما كما ذكر، ونقل عنه موقع صحيفة يديعوت أحرونوت الإلكتروني (واي نت) إنما يهدف إلى توصيل رسائل إيجابية بين الطرفين، وكأن الرئيسين الروسي والأوكراني ينقصهما حاملي رسائل من زعماء العالم؛ ثانيًا أخذ ضوءًا أخضر من الإدارة الأميركية للقيام بزيارته، لأنه يحرص حرصًا شديدًا على عدم الوقوع في أي خطأ قد يزعج الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي؛ ثالثاً الهدف من الزيارة مصالح إسرائيل الحيوية، وليس وقف الحرب، لا سيما وأنه مستفيد من نيران هذه الأزمة؛ رابعا والأهم بالاعتبارات الشخصية، أراد أن يقفز إلى سطح المشهد الدولي ليؤكد حضوره ومكانته كلاعب رئيسي في بؤرة الصراع الأهم عالميا الآن.
ولهذا توجه لموسكو يوم السبت الماضي الموافق 5 مارس الحالي والتقى الرئيس بوتين نحو ثلاث ساعات جال فيها على العديد من الملفات الخاصة بالحرب المشتعلة على الأراضي الأوكرانية، وملف فتح بوابة الهجرة لليهود الأوكران لإسرائيل عبر فتح ممرات آمنة لهم؛ والملف السوري بما يسمح لإسرائيل الاستعمارية من مواصلة عدوانها الوحشي على الأراضي السورية، مع إبقاء بروتوكول التعاون الثنائي والخط الساخن بينهما قائما بذريعة مواجهة التمدد الإيراني في سوريا، وأيضًا ناقش الملف النووي الإيراني، أضف إلى أنه خفف من انزعاج الرئيس الروسي من تصريحات وزير خارجيته من خلال تبرير ذلك الموقف الناجم عن الضغوط الأميركية.
ولاحقاً، مساء السبت بعد انتظار من الوقت توجه لبرلين، والتقى المستشار الألماني اولافشولتس ناقش معه عددًا من الملفات المختلفة، فضلاً عن العلاقات الثنائية المشتركة بين البلدين. وفي السياق أجرى اتصالين مع كل من الرئيسين الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والفرنسي مانويل ماكرون، ووضع كلاً منهما في نتائج مباحثاته مع الرئيس الروسي. وكان زعيم حزب "يمينا" أبلغ أقرانه من أقطاب الائتلاف الحاكم في إسرائيل لبيد وغانتس وليبرمان عشية زيارته للبلدين نيته القيام بمهمته.
طبعًا لم يكن أي من الطرفين الروسي أو الأوكراني مقتنعا بوساطة رئيس الحكومة الإسرائيلية، ليس هذا فحسب، بل شككا بشكل علني بنجاح مهمته، وحسب تقارير وردت من موسكو يوم الأحد الماضي تفيد بأن (الروس) يعتقدون، أن بينيت قام بمبادرته مدفوعًا من قبل الرئيس زيلينسكي، فضلاً عن رغبته الذاتية في تكريس نفسه رقماً في المعادلة الدولية، خاصة وأن رصيده السياسي الدبلوماسي ضعيف ومشكوك فيه. وبالمقابل علق المتحدث الرئاسي الأوكراني سيرجي نيكيفوروف على تحركات بينيت قائلاً: لن نتمكن من تقييم نتائج وساطة بينيت حتى نحصل على إشارة واضحة منه أو موافقة بوتين على الاجتماع" مع الرئيس الأوكراني. وبالتالي رغم أنهم طالبوه بالتحرك، إلا أنهم لا يعلقون آمالاً بتمكنه من تحقيق أية نتائج مرجوة لهم.
والنتيجة الجلية من زيارات بينيت يمكن تلخيصها بالتالي، أنها فعلاً لم تحقق أية نتائج على صعيد تقريب وجهات النظر الروسية الأوكرانية، لكنه حقق نتائج لصالح إسرائيل فيما يتعلق أولاً بالسماح لليهود الأوكران بالهجرة لإسرائيل، وكذلك أعاد نسبياً العلاقات الروسية الإسرائيلية لوضعها السابق قبل الحرب، بالإضافة لتحسين صورته الشخصية على الصعيد العالمي، وتكريس نفسه كرقم هام في الداخل الإسرائيلي وعلى المستوى الدولي، لا سيما وأن الأطراف الدولية التي زارها، والقوى العالمية الأخرى لا تنظر له بالعيون الفلسطينية العربية كزعيم لدولة التطهير العرقي، والدولة القائمة بالاستعمار على أرض الشعب الفلسطيني، الأمر الذي ينفي عنه من حيث المبدأ المصداقية في لعب دور الوسيط لإنهاء أي نزاع، لأنه غارق حتى أذنيه في مستنقع الإرهاب والتخريب والحروب.
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها