وقفنا أمس أمام ذكرى مرور عام على اقتحام عصابات الرئيس الجمهوري السابق المهزوم مبنى الكابيتول، الذي كسر هيبة ومكانة الديمقراطية الأميركية، وعمق الشرخ بين العنصريين البيض وباقي قطاعات الشعب الأميركي بما في ذلك البيض من اللاعنصريين. وكان هدف دونالد ترامب البقاء في كرسي الحكم، ورفض الاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية حتى آخر لحظة، رغم إعادة الفرز في اكثر من ولاية، وإقرار العديد من المحاكم الفيدرالية وفي نطاق الولايات بفوز الديمقراطي جو بايدن. ومع ذلك بقي الافنجليكاني المسكون بكرسي الحكم، وعقدة العظمة رافضًا الاعتراف بالهزيمة، ومتهما الآخرين بتزوير الانتخابات حتى يوم الدنيا هذا، ليس هذا فحسب، انما رفض مجرد حضور التسلم والتسليم للسلطة، وارسل نيابة عنه نائبه وهو دليل على عدم اعترافه بالنتائج، وبمعايير العملية الديمقراطية.

وكان الملياردير قرر عقد مؤتمر صحفي اليوم الخميس في فلوريدا بالمناسبة السنوية لاقتحام مبنى الكابيتول، ولاعادة الترويج لبضاعته الفاسدة، والتأكيد على انه الفائز، والدفاع عن المجرمين الذين اقتحموا مبنى البرلمان، وأيضا لتقديم نفسه من الان كمرشح للحزب، لعدم وجود مرشح بديل حتى الان. لكنه امس وعشية موعد عقد المؤتمر اعلن عن إلغائه حسب وكالة "اسوشييتد برس". وبرر ذلك في بيان الإلغاء بالقول "على ضوء التحيز الكامل، وانعدام النزاهة اللذين برهنت عليهما كل من اللجنة البرلمانية، التي تحقق في ملابسات اقتحام مقر الكونغرس ووسائل الاعلام المضللة". ووصف هزيمته بـ "جريمة القرن"، رغم ان الفارق بينه والرئيس بايدن سبعة ملايين صوت، فضلاً عن ترجيح كفة المجمع الانتخابي لصالح الأخير. ومع ذلك لم يقدم ترامب دليلاً واحدًا على صحة اتهامه، مجرد تهويش وافتراء على الحقيقة وشكل من اشكال الارهاب المعنوي، واثارة العصبية العنصرية في أوساط أنصاره من عصابات البيض.

وتعويضًا عن المؤتمر الصحفي أعلن رجل العقارات، إنه سيلقي خطابًا في ولاية اريزونا امام تجمع من أنصاره يوم الخامس عشر من يناير الحالي، لذات الأهداف والغايات، وليدافع عن خياره وانصاره من العصابات العنصرية، وليواصل ممارسة تغوله على المجتمع الأميركي عمومًا والديمقراطيين خصوصًا، والدليل انه لم يتراجع قيد أنملة عن عقدة النقص والهزيمة، التي طالته في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2020. وكان الأجدر بالرئيس السابق إذا كان معنيًا بترشيح نفسه لجولة جديدة، أن يعتذر من الشعب الأميركي، ومن مجلسي النواب والشيوخ. بيد انه لا يعرف التواضع، ويعميه الغرور، والغطرسة تلازم كل سلوكياته.  

ورغم افتضاح أمره، وانكشاف مراميه الإرهابية، والمتناقضة مع أبسط معايير الديمقراطية، إلا أن قطاعًا لا بأس بهمن الجمهوريين ما زال يركض لاهثًا خلفه، لان الحزب يعاني من غياب البديل الكاريزماتي؛ وكون ترامب الأكثر وضوحًا وفجورًا في عنصريته، وتعبيرًا عن عدائهم للديمقراطية، ولخشية الجمهوريين من السود والملونين. لا سيما أن آفاق استعادتهم للأغلبية في المجلسين باتت صعبة وفي تراجع، لأن المناهضين للعنصرية يتضاعف حضورهم ومكانتهم في المجتمع الأميركي، وحسب بعض المصادر الأميركية، تصل نسبتهم 40% من مجموع المصوتين. مع أن بعض الجمهوريين تمكنوا من تحقيق إنجازات نسبية في انتخابات بعض المدن المحسوبة على الديمقراطيين تاريخيًا.

وبالتلازم مع هذه التطورات، طلبت لجنة مجلس النواب المكلفة بالتحقيق في اقتحام مبنى الكابيتول العام الماضي من مذيع شبكة (فوكس نيوز) "شون هانيتي" الإجابة عن أسئلة بعضها يتعلق باتصالات جرت بينه وبين الرئيس المهزوم في يوم الهجوم على مقر المجلسين الموافق 6 يناير 2021. وأرفقت ذلك بطلب من المذيع بتقديم إجابات عن اتصالات بكبير موظفي البيت الأبيض السابق، مارك ميدوز وآخرين لهم علاقة بالاحداث. ولم تتوقف طلبات لجنة التحقيق عند هذا الحد، بل طالبت في وقت سابق (أكتوبر الماضي 2021) بسجلات مصرفية تتيح لها فهما أوسع لاسباب اندلاع العنف والفوضى في ذلك اليوم، ليس هذا فحسب، وإنما للوقوف على الممولين للعملية الإرهابية، ولوضع الأصابع على دور الرئيس ترامب واقرانه من قادة الحزب الجمهوري والممولين له من أقطاب العنصريين في الولايات المختلفة، وللالمام بكل تفاصيل العملية الخطيرة، التي أصابت الديمقراطية الأميركية في مقتل.

مجددًا يعود ترامب للمشهد راكبًا موجة عنصرية اشد فتكًا مما كانت عليه اثناء ولايته السابقة 2017 / 2021، وهو يلوح بعصًا غليظة في وجه الديمقراطية الأميركية، ووجه الملونين والسود الاميركيين، وبالتالي في وجه الشعب بمعظمه. وقد يلجأ وانصاره في الكونغرس ومجلس الشيوخ لسن قوانين اكثر عنصرية تحد من تصويتهم (الملونين والسود) وتقليص دورهم الديمقراطي بهدف حماية العنصرية البيضاء الخطر المتصاعد على مستقبل المجتمع الأميركي.

وبالنتيجة هناك اكثر من خطر تتعرض لهما بلاد العم سام الأول العنصرية القديمة المتجددةوالمهددة الفعلية للديمقراطية، والثاني الأعاصير، والثالث التحديات الصينية الروسية، ويتلازم معهما تراجع مكانة الولايات المتحدة العالمية في الخارطة السياسية الدولية. وهو ما يفتح الشهية للاستنتاج بالقول، أن شمس أميركا آخذة في المغيب التدريجي، لانها تتجه بخطى حثيثة نحو حرب أهلية جديدة حتى لو تأخر اندلاع شرارتها مع إني اعتقد أن عوامل انفجارها قاب قوسين أو أدنى.

المصدر: الحياة الجديدة