اليهود لم يفكروا بالهجرة إلى فلسطين، وإنما الدول والإمبراطوريات الاستعمارية وأصحاب المصلحة في إنشاء كيان وظيفي على أرض وطننا التاريخي والطبيعي -فلسطين- قد قاموا بهذه المهمة.

خلاصة بحثية نعتقد أنها الأهم، قدمها سيادة الرئيس محمود عباس للحضور في الندوة التاريخية اللامسبوقة بمقر الرئاسة في رام الله يوم الخميس الماضي، وكتبنا عنها تحت عنوان: كيف نقرأ سيادة الرئيس أبو مازن، تكشف الخرافة الصهيونية، وتسقط القناع عن وجوه منظريها الذين استخدموا المواطنين اليهود من أنحاء العالم كأدوات بعد أن وظفوا مآسيهم ومشكلتهم في أوروبا، خلاصة تفند مقولتي "أرض الميعاد"، و"شعب الله المختار"، وتساعدنا في تعزيز روايتنا الوطنية، لتضييق دوائر المُضَلَلين من شعوب وحكومات العالم، وتوسيع دوائر المقتنعين بالحق الفلسطيني، والمساندين لكفاحنا ونضالنا لانتزاعه.

 لم يفكر اليهود وإنما أباطرة القوى الاستعمارية، فهذا أوليفر كرومويل في عام 1650 الذي حول الإمبراطورية البريطانية إلى جمهورية اتفق مع حكومته على تهجير اليهود إلى فلسطين، ليس عطفا عليهم وإنما لإنشاء قاعدة متقدمة لخدمة إمبراطوريته الاستعمارية.

أما نابليون بونابرت في عام 1799 عندما كانت فرنسا إمبراطورية استعمارية تتطلع لاحتلال الشرق، وتوسيع امبراطوريتها. فقد فكر بجلب اليهود إلى فلسطين وإنشاء دويلة لهم، لكن هزيمته عند أسوار مدينة عكا الفلسطينية أفشلت مشروعه، وخاب عقل (توماس كوبرت) الإيرلندي اليهودي البارز وصديقه باراراس عضو "حكومة الإدارة" اللذين نصحا الفرنسيين باستعمار الشرق، وخلق قاعدة يهودية متقدمة لفرنسا في فلسطين، ولأجل ذلك عقد نابليون اجتماع سري مع يهود فرنسا، وتم الاتفاق على أن يتحمل اليهود نفقات حملته على مصر وفلسطين، مقابل إنشاء كيان لهم في فلسطين!!. 

رفض اليهود فكرة تهجيرهم، وتمسكوا بأوطانهم حتى عندما تعرضوا للخداع من الألماني روتشفيلد  إمبراطور المال والسلطة المطلقة عام 1885، رفضوا إغراءه ببناء بيوت ليهود كانوا يصلون عند حائط المبكى، فطلبوا العودة إلى وطنهم عبر أول باخرة تصل موانئ فلسطين، ففشل مشروعه.

الرئيس محمود عباس خلص إلى أن يهود أوروبا وأولهم الألمان اليهود رفضوا مشاريع إنشاء كيان لليهود، وظلوا متمسكين بأوطانهم باعتبارهم يهودا أتباع ديانة وليس شعبا. 

في عام 1897 دعا هرتزل لمؤتمر لحل المشكلة اليهودية المتصاعدة في أوروبا، اعتبر المؤتمر الأول للمنظمة الصهيونية، علماً أن هذا العنصري المجرم رقم واحد في العالم، زار فلسطين ورأى أنها تنبض بشعبها الفلسطيني، فقال: "يجب التخلص من الشعب الفلسطيني لتصبح فلسطين أرضًا بلا شعب.. لشعب بلا أرض".

ربما لا يعلم أكثرنا أن الوزير اليهودي الوحيد في حكومة آرثر بلفور رفض مشروع وعد بلفور بإنشاء وطن لليهود، لكنه عاد وقبل بشرط ألا يؤثر هذا الوعد على حق اليهود في أوطانهم  الأصلية، فهذا الوزير كغيره كانت تساورهم الشكوك من أهداف وعد بلفور الاستعمارية واستخدام إسرائيل الموعودة كوظيفة استعمارية، لأنهم كانوا يعلمون مدى كراهية بلفور ذاته لليهود، وقراره عندما كان رئيسًا للحكومة بمنع اليهود من الهجرة إلى بريطانيا، وتشدده في منع وصول الهاربين من القمع في دول أوروبية إلى أراضيها.

 

 وربما لا يعلم أكثرنا أن رئيس الولايات المتحدة الأميركية آنذاك (وودرو ويلسون) الذي حكم من 1913 إلى 1921 أصر على الاطلاع على كل كلمة وحرف في نص مشروع بلفور، الذي تشاور مع دول أوروبية عديدة قبل إخراجه، ما يعني أن الولايات المتحدة الأميركية منذ ذلك الحين كانت تخطط لاستخدام اليهود (إسرائيل) في مشروعها الاستعماري المحدث للمنطقة، وأنها تتحمل مسؤولية كبرى مع بريطانيا العظمى في النواة الأولى لأفظع جريمة يتعرض لها شعب يمتلك إرثًا تاريخياً وحضاريًا، ولم ينقطع عن الصلة بأرض وطنه منذ فجر التاريخ.. فقد أمرت الولايات المتحدة الأميركية (القوية) بتطبيق وعد بلفور بحكم قدرتها على فرض إرادتها كما قال الرئيس أبو مازن.

توقف الرئيس أبو مازن عند "تقرير كامبل"، نسبة لرئيس الوزراء البريطاني رئيس حزب الأحرار هنري كامبل، بعدما دعا حزب المحافظين البريطاني دولا أوروبية: فرنسا وهولندا وبلجيكا وإسبانيا وإيطاليا عام 1905 والبرتغال لمؤتمر سري هدفه نظم إستراتيجية أوروبية، آلية تحافظ على تفوق ومكاسب أوروبا الاستعمارية.

وخطب كامبل في المؤتمر فقال: "أصبحت أوروبا قارة قديمة استنفدت مواردها وشاخت مصالحها، بينما لا يزال العالم الآخر في صرح شبابه يتطلع إلى المزيد من العلم والتنظيم والرفاهية، هذه هي مهمتكم أيها السادة وعلى نجاحها يتوقف رخاؤنا وسيطرتنا.." وفي عام 1907 أوصى المؤتمر بوثيقته السرية "وثيقة كامبل" أو "تقرير كامبل" أو توصية مؤتمر لندن لعام 1907″، ولقد توصل المجتمعون إلى نتيجة مفادها: 

"إن البحر الأبيض المتوسط شريان حيوي للاستعمار، وجسر الوصل بين الشرق بالغرب،  والممر الطبيعي إلى القارتين الآسيوية والإفريقية، وملتقى طرق العالم، وأيضاً هو مهد الأديان  والحضارات، والإشكالية في هذا الشريان أنه يعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص شعب واحد (الشعب العربي) تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللسان".  لذا كانت توصيات المؤتمر: الإبقاء على شعوب هذه المنطقة مفككة جاهلة متأخرة متناحرة ومحاربة أي توجه وحدوي فيها ولتحقيق ذلك، يجب إقامة حاجز بشري قوي وغريب ومعاد، يفصل الجزء الإفريقي  من هذه المنطقة عن القسم الآسيوي، ويكون شعباً صديقاً لنا (اليهود)".

فيتحقق الهدف الاستعماري بإنشاء (إسرائيل) وتتخلص أوروبا بالذات من اليهود الذي سيصبحون عملاء لها يحمون مصالحها!.

 

 انتهت المساحة المخصصة للمقال لكن الحقائق التاريخية التي أغنى بها سيادة الرئيس ذاكرتنا، لتبقى في تفاعل دائم مع رؤانا لواقعنا وحاضرنا ومستقبلنا ما زالت حلقاتها كثيرة سنتابعها.

 

المصدر: الحياة الجديدة