بين ظهرانينا فلسطينيون بشناق، جاؤونا ببواريدهم وحيواتهم للدفاع عن فلسطين. يدور الزمان دورته، ثم يكلف أوباما خاطره (وكذا وزيرة خارجيته، وكذا سناتورات نافذين) لابتزاز البوسنة-الهرسك، لأنها "الصوت الذهبي" المفقود في مجلس الأمن، الذي سيغطي "عورة" استخدام واشنطن حق النقض.

البوسنة-الهرسك، كما نعرف، هي اختصار للاتحاد اليوغسلافي تقريباً.. لكن، بدلاً من ست جمهوريات لثلاث قوميات، صارت هذه الجمهورية الصغيرة ثلاث قوميات لجمهورية واحدة. كل الفلسطينيين يضمون صوتهم لشكوى رئيس الاتحاد المسلم، عزت بيغوفيتش، ولمفتي البوسنة-الهرسك.. بلا جدوى.

ما هذه اللعبة السياسية الحقيرة لأميركا الكبيرة، التي تمنن على هذه الجمهورية الثلاثية الصغيرة بدور حلف "الناتو" في استقلالها، ودور المعونة الاميركية في اقتصادها. بدلاً من استخدام اميركا "الفيتو" ستجعل ممثل الصرب في البوسنة يستخدم الفيتو، بينما سيصوت ممثل الكروات بالامتناع. فيتو وامتناع وتصويت، كما لو أن البوسنة صورة مصغرة عن تصويتات مجلس الأمن.

أمس، خرجت صحيفة "اسرائيل اليوم" بعنوان "الفلسطينيون يعترفون: فشلنا" وصحيفة "هآرتس" بعنوان: "السلطة تنزل عن الشجرة: الخطوة في الأمم المتحدة فشلت". كان عرفات، رحمه الله، يقول لنا في بداية الثورة: لا أدعوكم الى نزهة، ويقول وزير خارجيتنا: عرفنا أن مجلس الأمن لن يكون نزهة.

.. ويقول رب العالمين "أمهلهم قليلاً" لماذا؟ حتى الدول الأعضاء صاحبة "الفيتو" تقول: في الوقت المناسب سنعترف بفلسطين دولة، بينما تقول كافة المؤسسات الدولية أن فلسطين جاهزة للتحول دولة.

السؤال هو: متى يحين "الوقت المناسب" هذا؟ وهل أن مفتاح الرباعية صالح للقفلين الفلسطيني والاسرائيلي، أم أن المفتاح في يد الولايات المتحدة، أو في يد كونغرس أوف أميركا، أو في أيدي السناتورات الموقرين، الذين صفقوا لـ "الكذاب" نتنياهو كذا مرّة!

في آخر الاخبار فضيحة مقصودة، حيث تظاهروا بإغلاق ميكروفونات وفتح ميكروفونات في لقاء الرئيسين ساركوزي-أوباما. قال ساركوزي: نتنياهو كذاب، وقال أوباما: لكن أنا مضطر للتعامل معه يومياً.

قبل أوسلو، وبعد مؤتمر مدريد، بدأت المفاوضات الفلسطينية-الاسرائيلية عن طريق وساطة أميركية، فيما عرف بمفاوضات الردهة في وزارة الخارجية الاميركية.

بعد أوسلو، وبعد الطلب-المفاجأة الفلسطينية في أيلول، تعود الرباعية الى مفاوضات منفصلة.. ولكن في القدس ومع الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي.. وكما كان الطلب الفلسطيني بالعضوية الكاملة مثل "المضاربة الصفرية" كما تقول صحف اسرائيل، فإن مساعي الرباعية في القدس ستكون مضاربة صفرية بدورها، لأن مؤتمر كامب ديفيد 2000 برهن أنه لا يمكن القفز فوق الهوة بنطتين.. فكيف بأربع نطات من الرباعية هذه..

تقول صحف اسرائيل ومحللوها ما يقولون عن "الفشل" الفلسطيني، لكننا نقول مع شاعرنا القومي: "خطوة قد حاولت.." وتاريخ الفلسطينيين منذ فجر الثورة الى فجر الدولة هو خطوات تحاول، رغم أن الجنرال جياب (أمد الله في عمره) قال لنا في بداية الثورة: ستكون هذه ثورة المستحيل.

يتحدث العرب عن "رابع المستحيلات" وهي: الغول والعنقاء والخل الوفي.. يبدو لي أننا اجتزنا مستحيل الغول والعنقاء، وأمامنا مستحيل الخل الوفي (أو غير الوفي) الذي يقول لنا: دولة عن طريق التفاوض، أو يقول لنا: في الوقت المناسب، أو نقول للقائلين جميعاً: لم نفشل مع اسرائيل في الحروب (ها نحن هنا) ولا في السياسة (ها نحن نطلب دولة) ولكن خضنا حرباً عالمية سياسية-دبلوماسية مع أميركا.. وهذا أمر يشرفنا ولا يشرف اميركا في شيء أن تتوكأ على البوسنة الصغيرة في معاداة فلسطين الأصغر.

لو لعب فريق فلسطين الوطني في كرة القدم ضد فريق برشلونة لأمطروا مرمانا بأهداف يصعب حصرها، لكن، سجلنا هدفاً ثميناً في المرمى الأميركي بمباراة اليونسكو؟ سجلت أميركا هدفاً في مرمانا عن طريق الغش والتسلل في مجلس الأمن.

سنقول: جولة الباطل جولة.. وصولة الحق صولات وصولات. كنا أول حركة تحرر تحرز عضوية مراقبة في الجمعية العامة، وها نحن شبه دولة ونحرز عضوية دولة-مراقبة في برلمان الشرعية الدولية الذي هو الجمعية العامة.

نعرف أن أميركا تراود حكومة أعتى اليمين في اسرائيل للاعتراف بفلسطين دولة، لأن حكومة أخرى أقل يمينية سوف تسقط.. لكن حكومة نتنياهو ليست حجراً معلقاً في الهواء.

أمهلهم قليلاً..!