فيما صدى كلمات خطاب السيد الرئيس محمود عباس أبو مازن مازالت ماضية في الفضاء باتجاه محطتها النهائية ضمائر رؤساء وملوك وزعماء وقادة وحكومات وشعوب في العالم، أفاق الشعب الفلسطيني ومعه شعوب العالم على جريمة جيش منظومة الاحتلال الاستعمارية العنصرية (اسرائيل) الدموية المروعة في القدس وجنين، حيث سفكت دماء خمسة شبان فلسطينيين فجر امس الأحد، فكانت بينة وإثباتات أسرع من المتوقع قدمتها سلطة الاحتلال الاسرائيلي على قول رئيس الشعب الفلسطيني- ضحية هذه المنظومة– بأن اسرائيل تنتهج الارهاب الدموي، وتتخذ من سفك دماء الفلسطينيين سبيلا لتمكين منظومتها الاستعمارية، وروايتها الصهيونية الزائفة، فالرئيس كان قد قال في خطابه في الأمم المتحدة يوم الجمعة الماضي: "إن سلطة الاحتلالِ الإسرائيلي لن تفلت من جريمةِ اقتلاعِ أكثر من نصفِ الشعب الفلسطيني من أرضهِ وارتكابِ العديدِ من المجازرِ التي ذَبحتْ وقَتلتْ خلالَها الآلافَ من الفلسطينيين في العام 1948، في بلد الشيخ، ودير ياسين، وأبو شوشة، والطنطورة، وعين الزيتون، وقبية وغيرها، التي تلاها تدميرُ ومسحُ آثار أكثر من خمسمائةِ قريةٍ وبلدةٍ وتجمعٍ فلسطيني". وقال في موضع آخر في الخطاب: "إن إسرائيلَ هيَ سلطةُ احتلالٍ وتمييزٍ عنصري وتطهيرٍعرقي"، وأشعل الضوء البرتقالي قبل الانتقال للأحمر عندما قال منبها العالم من نتائج تقاعسه واستمرار الادعاء بالقواسم المشتركة مع سلطة احتلال عنصرية عندما قال: "يبدو أننا على مفترقِ طرق، أقولُ إنّهُ قَدْ طفحَ الكيل، فالوضعُ أصبحَ لا يُحتمل، وغيرَ قابلٍ للاستمرار ولَمْ يَعدْ شعبُنا يحتملُ المزيد.. إن شعبنا لن يسلم بواقع الاحتلال سيواصل نضاله والبدائل أمامه مفتوحة بما فيها خيار العودة لحل يستند الى قرار التقسيم رقم 181 للعلم 1947 الذي يعطي دولة فلسطين 44% منا الأرض وهو حل متوافق مع الشرعية الدولية".
اعتقد– حسب قراءتنا للخطاب– أن هذه الفقرة بالذات موجهة للشعب الفلسطيني وقواه الوطنية الحية للاستعداد واليقظة وترقب ساعة الصفر للانتقال الى مرحلة مختلفة عما سبقها من النضال الشعبي والدبلوماسي والسياسي والقانوني على ارض فلسطين وفي المحافل الدولية، مضمونها الاعداد وتهيئة مقومات الصمود والمواجهة في كل مسارات حياتنا وعناوينها الرئيسة، خاصة وأن الأفق يحمل علامات رفض سلطة الاحتلال الانسحاب خلال عام من ارض دولة فلسطين المحتلة عام 1967، وقد يكون هذا الخيار سابقا لخيار الدولة الواحدة الذي طرحه الرئيس في خطابه ايضا.
يحاول بعض الفهلويين في السياسة وعن قصد، الترويج بان العودة الى خيار الدولة الواحدة يعني قبولنا وخضوعنا لحكم سلطة الاحتلال (اسرائيل) وقبولنا بما تمن به علينا من حقوق، وهذا في الحقيقة تسفيه وازاحة من الذاكرة والوعي لبرنامج منظمة التحرير الفلسطينية الذي طرح في السبعينيات حول دولة فلسطينية ديمقراطية يعيش فيها الجميع بالتساوي، لكن قبل الوصول الى تلك المرحلة، وحسب التسلسل كما ورد في خطاب الرئيس المنهجي البليغ، فإن خيار العودة لقرار التقسيم رقم 181 واشتراط المجتمع الدولي على اسرائيل قبولها الاعتراف بدولة فلسطينية على 44% من ارض فلسطين التاريخية، مع الوضع الخاص للقدس، أي لن تكون عاصمة لإسرائيل، فهذا يعني أن منظومة الاحتلال (اسرائيل) التي اغتالت اتفاق اوسلو ستكون المسؤولة- ومن يساندها– عن تدمير الحل على أساس حدود الـ4 حزيران من العام 1967 بين دولة فلسطينية ودولة اسرائيل، ما يعني ايضا اسقاط التزامات اوسلو، وتطوير متطلبات دولة فلسطين وانجازها كما قررتها الشرعية في 29 نوفمبر من العام 1947، فدولة فلسطين بحدودها الجغرافية قائمة في ذلك القرار، وموثقة في سجلات الجمعية العامة، وسيكون التحدي في هذا المنعطف التاريخي في مسار كفاحنا في قدرتنا من الانتقال الى حالة الدولة دون موافقة سلطة الاحتلال أو اتفاق معها، ما يعني أن الانتقال الى تلك المرحلة لا تتطلب الالتزام باتفاقيات اوسلو المغتالة بقرار اسرائيلي، وإنما استمرار الالتزام بالشرعية الدولية وقراراتها، وهنا بيت القصيد، حيث وجب على هذه الشرعية والمجتمع الدولي آنذاك تحمل تبعات رفض اسرائيل واستمرار احتلالها، وتقاعسها عن الزام اسرائيل بالقانون الدولي وتطبيق قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة.
لقد وضع الرئيس ابو مازن النقاط على الحروف ومنحها التشكيل لتأخذ معناها غير القابل للتأويل في لغة الأدب والتاريخ وقاموس الكفاح عندما قال: "هذهِ أرضُنا، وهذهِ قدسُنا، وهذه هويتُنا الفلسطينية، سندافعُ عنها إلى أنْ يرحلَ المحتلُ عنها، لأنَّ المستقبلَ لنا، والأمنَ والسلامَ لنْ يكُونَ لكُمْ وحَدكُم.. فحلو عنا".
قراءة في خطاب السيد الرئيس.. الإعداد لتحديات مفترق الطرق (ج2)
27-09-2021
مشاهدة: 167
موفّق مطر
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها