#تجاهات  (٢٥)

في ولاية المؤتمر العام السادس وأطره القيادية تم تعديل النظام، لتصبح مدة ولاية المؤتمر ٥ سنوات بدل أربع، لم يكن مقصد المشريعين في حينة إطالة أمد ولايتهم بقدر ما كان المقصد الزامهم بالمدة، كنت مقرراً لتلك اللجنة، وأعي القول، ولذا تمسك المجلس الثوري في حينه وضغط على اللجنة المركزية لتشكيل اللجنة التحضيرية للمؤتمر السابع، وقد تشكلت بفعل قرارات المجلس الثوري السابق في شهر ١١/ ٢٠١٣، أي قبل الموعد الرسمي لعقد المؤتمر ب ١٠ أشهر، لأن المجلس هو القَيّم والحارس على إنفاذ النظام، هنا يجب أن يتجلى دور أخواتي وإخوتي في المجلس الثوري الحالي، للاضطلاع بدورهم في حماية النظام، فالتفويض لهم بالتشريع والرقابة، والتفويض دستورياً لخمس سنوات.
اليوم ونحن نواجه مرحلة مصيرية وتحديات عميقة وجذرية، يتراجع الاهتمام بتصويب مسار الحركة، والأطر القيادية توغّل في الحديث عن الحكومة (وهذا برأيي الأمر السهل لكنه سطحي) وقلة بالشمول يتحدثون عن السلطة بمكوناتها المدنية الحكومية من وزارات وهيئات، والمكون الأمني، ثم الدبلوماسي، وهذا حق، كما أنها تتحدث عن المنظمة بمكوناتها المؤسّسية المختلفة، اللجنة التنفيذية ولجان المجلس الوطني ورئاسته ولجانه، عبر بوابة المجلس المركزي، وهذا حقٌ ساطع، لكنها تتعمق بالحديث عن "الاستنهاض" وبناء "التنظيم"، في حركة فتح، بيد أن قلةٌ تُفضل تضميد الجراح في الأطر العليا، ولا ضير من نكء الجراح في الأطر الوسطى والقاعدية، وتأجيل الحديث في المؤتمر الثامن، وهذا يخالف النظام والقانون جهاراً نهاراً وبشكل صارخ، الأمر الذي يذكرنا بالقاعدة الفقهية "لا اجتهاد في مورد النص ومعرضه"، حيث يستوجب عقد المؤتمر الثامن في ٢٩/ ١١/ ٢٠٢١، وهذا يتطلب تشكيل اللجنة التحضيرية للمؤتمر دون تردد، لتباشر التحضير لعقده.
في الحقيقة تعاني الحركة الوطنية الفلسطينية ومنها فتح والنظام السياسي من أزمات وخلل منذ زمن، وعلى نحو مفصلي منذ انقلاب ٢٠٠٧، وتدشين الانقسام بين الضفة والقطاع.
عقب المؤتمر السابع لفتح، آثر أبناؤها (وأنا منهم) كظم الجرح والغيظ، تقبلاً لظلمٍ وقع على كثيرٍ منهم، كي لا تُظلم فتح، لأن بيتنا الجامع، وإذا كانت فتح والنظام السياسي تُعاني من مرضٍ يُشبه السرطان منذ عقد ونصف وربما يزيد، فإن الأولى معالجةً طارئة ف "توقف القلب" يوجب الصدمة الكهربائية لانعاشه، ثم استئناف علاج السرطان، أما إذا استمرينا بعلاج السرطان على حساب القلب، فالنهاية ما تتخيلها في ذهنك الان.
إن فتح المتنوره الواسعة والرحبة بفكرها وديناميتها، أعلى شأناً من قيادتها وأهم، لأنها ضرورة للفلسطينيين كلّ الفلسطينيين، رافعة شأنهم وبانية عزهم، وجامعة شملهم، منذ ١٩٦٥، وهي الضامنة رغم كل ما يعتريها، ضامنة للحريات والتنوير والديمقراطية.
لقد تنبأنا منذ ١٩٩٣ (بينما كنا طلاباً في بير زيت)، بانحصار التنافس بين تيارين مركزيين، الأول هو الوطني التنويري ذو الفكر السياسي والتحرري والوطني الذي يلامس وجدان الفلسطينيين، دون تعقيدات حزبية وقالب مُحدد، وهذا ما تمثله فتح وتقوده، وبين تيار حزبي بصبغة إسلامية، يجمع بين الجماهيرية الاجتماعية ولو على حساب الدين خصوصاً بعد المسير في ركب النضال والكفاح المقاوم، أما التيارات اليسارية الديمقراطية ذات التاريخ المجيد فستبقى حارسة لهذا التنافس وفرسي الرهان.
ثلاثة مسارات بالتوازي أينما وجب والتوالي أينما لا يمكن التزامن، إعادة بناء المنطمة حَدّ إعادة تأسيسها وانبعاثها من جديد، تغييرات شمولية في مكونات السلطة حد شعور وتلمس المواطن بالتغيير، الهيكلي والسلوكي، ومحاربة الفساد، وحماية فتح عبر تشكيل اللجنة التحضيرية للمؤتمر الثامن، لعقد مؤتمر مختلف، مؤتمر قضايا وسياسات، وانتخابات نزيهة وشفافة، تُمثل الأجيال المختلفة.
نحن الذين كنا قد دعينا لانتخابات عامة لكل الشعب في الوطن، ثم في خارح الوطن، بما فيها من مهرجانات وحراكات وانتخابات، لا يجب أن تكون "جائحة كورونا" مبرراً للتأجيل، إذ سنكون في نهاية العام أكثر تحصيناً بالتطعيم الذي سيشمل غالبية المجتمع الى حينه، علينا أن نعقد العزم ونحضر لمؤتمرنا عاجلاً ليس آجلاً، فالمسؤوليات وفق الرتب والمقامات.
بقي من القول رسالة اعتزاز بالجرأة الكافية التي تحلى بها إخوتي وأصدقائي ورفاق الدرب، أمناء سر الأقاليم في لقائهم الأخ الرئيس، قولكم الحقيقة غير مُجمّلةٍ ولا مُنمّقة، واجبنا جميعاً، والحقيقة أنني لم أتفاجأ بمدى إهتمام الأخ الرئيس بسماع الحقيقة، النضال مستمر والانجاز تراكمي والمستقبل للمؤمنين به والنصر إرادة، والإرادة في قلب كل حر صادق.
التحديات ليست عادية كي تُواجه بالنمط التقليدي، الحدث الطاريء يُوجب معالجةً طارئة، وبكل حال آمنوا أن المستقبل لكم ولكُنّ، ثقوا به واعلملوا لأجله، إن لم يَكُن لأجلكم، فلأجل فلسطين وذريتكم.


إلى اللقاء.. الثلاثاء القادم باذن الله