يوم الخميس الماضي الذي اجتمعت فيه القيادة الفلسطينية للتدارس بشكل مكثف حول الانتخابات، التي حاولت إسرائيل اختراقها عبر اعتبار القدس الشرقية، عاصمة فلسطين الأبدية، خارج فعاليات الانتخابات، الكثيرون في العالم حبسوا أنفاسهم، ما هو القرار الفلسطيني؟
وعبر دراسة متناسقة وعميقة وذات أفق بعيد، أصدرت القيادة الفلسطينية برئاسة الرئيس أبو مازن القرار الشجاع والحكيم والعميق بتأجيل الانتخابات لكي يتم فرضها على إسرائيل بأن تشمل القدس تسجيلًا ودعاية وانتخابات، وليس بأي صورة مفبركة أخرى، كانت الحكومة الإسرائيلية تتابع كل أنواع الرافضين، الذين ذرفوا كميات كبيرة من دموع التماسيح، بصوت بكائي صاخب جدًا بأن التأجيل خاطئ، وبعضهم أعلن عدم المشاركة في المناقشات التي ولد القرار من رحمها، وهو قرار ليس سطحيًا، وليس ذرائعيًا، بل كان واسع الأفق، مضاعف العمق، محصنًا بالحكمة، وأكثر من ذلك كله، إنه كان قرارًا يعزف على وتر المقدسيين، فلن يكون معقولًا أنه في الوقت الذي سجلت القدس نفسها في عمل خارق، هو هبة باب العمود، وملحمة حي الشيخ جراح، أن يخرج عليها شعبنا قائلًا: "آسفين يا قدس فلتكوني خارج الانتخابات، وانتظري ثأرنا الذي سيأتي بعد ذلك"، هذه لغة معادة ومكررة وبائسة منذ أطلقت "فتح" الثورة الفلسطينية المعاصرة، لم يستخدم الفلسطينيون هذه اللغة الهاربة، ولم يعودوا يلوحون بمحارمهم وهم يدبكون، بل صنعوا فصلًا جديدًا في التاريخ بأنهم يلتحمون مع جرحهم ومن خلال الجرح يصنعون التاريخ.
نحن لا نكتفي بأن نقرأ خارطة أوجاعنا، بل نتعمق في قراءة خارطة المآزق الوجودية التي تلاحق عدونا، وأوضاع أمتنا، وخارطة العالم بأسره، نستعد، نستنهض الهمم، ونبلسم الجراح، ونعزف على أوتار الأمل، ونستطلع الأفق، أفقنا مفتوح على قدر شرعية حقوقنا، وصوابية خياراتنا، وليس تراشقنا بالادعاءات والأكاذيب، ديمقراطيتنا هي من أعز إنجازاتنا.
منذ عام 1976، أثناء سيطرة الاحتلال مارسناها، وانتصرنا فيها رغم كثرة الضحايا وسطوة الجراح، وثوابتنا ليست هي المغذي المقدس لمسيرة نضالنا، بل هي الإيمان المطلق بأننا على حق وأننا نستطيع الحضور، فإذا لم تحضر القدس على رأس فلسطين، فمن الذي يمكن أن يدعي بأنه قادر على الحضور.
ويا قدس ما خذلناك، يا قدس يا أجمل أسمائنا الحسنى، لطالما بايعناك، وإنا للعهد لحافظون، ونحن لن نتقدم كرما منا بإنقاذ نتنياهو من مأزقه الوجودي، بل لعله حين يتمكن من الإفلات من الضجيج الذي يتغطى به، لن ينقذ نفسه، لأن الزمن الفلسطيني يكون قد داهمه، وأنه زمن شجاع وحكيم.