في أعقاب إجتماع أركان القيادة مساء الخميس الموافق 29 نيسان/ إبريل الماضي صدر بيان رسمي بتأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني بعدما ابلغت كل من إسرائيل والولايات المتحدة القيادة الفلسطينية بعدم السماح بإجراء الانتخابات في القدس العاصمة الأبدية بذريعة عدم وجود حكومة في دولة المشروع الصهيوني الاستعمارية. وكان الرئيس عباس تابع مع الدول الأوروبية وممثليهم هنا في فلسطين وإسرائيل لممارسة الضغط على قادة حكومة اليمين المتطرف لينتزعوا موافقتها على إجراء الانتخابات في القدس، وارسل وزير الخارجية، رياض المالكي لدول الاتحاد بهدف حثهم لممارسة لاستخدام ثقلها السياسي والاقتصادي والمالي على حكومة نتنياهو، غير أنهم اعتذروا لعدم تمكنهم من فعل شيء. مع ان دول الاتحاد وقيادته طلبوا من شخص الرئيس أبو مازن إصدار المراسيم الرئاسية وتحديد الرزنامة الزمنية لإجراء الانتخابات، وهو ما حصل في 15 كانون ثاني / يناير الماضي (2021) على أمل أن يأتوا بالموافقة، بيد أنهم فشلوا. الأمر الذي استوجب من شخص رئيس دولة فلسطين ورفاقه في القيادة تأجيل الانتخابات، وليس إلغاؤها لحين الحصول على الموافقة الإسرائيلية بتنفيذ برتوكول القدس لعام 1995.

نعم تأجيل الانتخابات هو انتصار للقدس، وانتصار للشعب ولجميع القوى والنخب السياسية الفلسطينية، حتى أولئك الذين حاولوا تبسيط وتقزيم ملف ومكانة القدس العاصمة، أو أولئك الذين طالبوا بتجاوز برتوكول القدس وإجرائها بأي وسيلة وطريقة، وذلك لضمان إجراء الانتخابات. ورغم محاولات بعض ممثلي الكتل لي عنق الحقيقة، والقفز عن الأهمية الإستراتيجية للقدس في الصراع لاعتبارات خاصة، وأجندات إقليمية ودولية، جاء التأجيل مستجيبا ومتماهيا مع ثوابت ومصالح الشعب الفلسطيني العليا، ومع مكانة وأهمية ومركزية زهرة المدائن في معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ولم يكن التأجيل سهلًا، ولا ذريعة، ولا استصغارًا من شأن وأهمية وأولوية الانتخابات والعملية الديمقراطية، ولا تهميشًا لدور أحد، او استفرادا بالقرار، إنما انطلاقًا من المسؤوليات الشخصية والتنظيمية والوطنية دفع الرئيس عباس مدعوما من الغالبية في القيادة الفلسطينية، ووفق معايير الديمقراطية إلى تأجيل الانتخابات. وهو ما يتطلب من الجميع الارتقاء لمستوى المسؤولية في محاكاة التأجيل، والابتعاد عن الحسابات الصغيرة، والتركيز على المصالح الوطنية العامة، وبالتالي عليهم مراجعة الذات قبل مراجعة القوى المؤيدة للتأجيل وفقًا للمعايير والثوابت الوطنية.

بالتأكيد الغالبية الفلسطينية من قطاعات الشعب في مختلف المحافظات، وفي الوطن والشتات وداخل الداخل، كانوا جميعهم رابح من عملية التأجيل للعملية الديمقراطية، رغم انها حملت خسائر مؤقتة لعدم إجراء الانتخابات، إلا أنها خسائر يمكن تعويضها لاحقًا من خلال إلزام إسرائيل بالقبول بإجرائها في القدس العاصمة، وذلك عبر اعتماد برنامج مجابهة وطنية شاملة في القدس وكل الأرض الفلسطينية لوقف سياسة التغول والبطش وجرائم الحرب الإسرائيلية، ولعل ما جرى ويجري في القدس العاصمة خلال الأسابيع الماضية القليلة يمهد الطريق لصياغة برنامج عمل مشترك لكل القوى والفعاليات السياسية والثقافية والإعلامية، مستفدين من تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش" الأخير، ومن قرار محكمة الجنايات الدولية بالولاية على أراضي الدولة الفلسطينية، والإقرار بوجود جرائم حرب ارتكبها قادة دولة الاستعمار الإسرائيلية، وبالاتكاء على دعم الأشقاء والأصدقاء الأمميين، وبالتالي المحصلة الإجمالية كان الرابح الشعب والعاصمة الابدية.

غير أن ربح القدس والغالبية الشعبية والسياسية، لا يعني أنه لا يوجد خاسرون، واولئك هم شريحة من الغوغاء والسفهاء والمرتشين والمأجورين، الذين ارتضوا أن يكونوا بوقًا للتشهير والتحريض والقدح والذم للقيادة الفلسطينية عموما وشخص الرئيس عباس خصوصا. اولئك النفر المسقط لذاته، ومكانته، ودوره الإيجابي في المجتمع، كان ومازال بإمكانهم التعبير عن مواقفهم المعارضة للتأجيل بهدوء وموضوعية، وبالأسانيد، التي يعتقدونها "صحيحية" للمحاججة، والدفاع عن قناعاتهم دون تكبيل او تكميم افواه، او الانتقاص من حقهم الديمقراطي، والساحة مفتوحة أمامهم للأدلاء بارائهم ومواقفهم. لكنهم أبوا إلآ ان يلجأوا للقدح والذم والشتائم والإسفاف، لأن هذا ديدنهم، ومكانهم، ومستنقعهم. وهذا مرفوض ومدان، ويفترض ان تتم ملاحقتهم وفق معايير القانون. رغم ان بعضهم يريد أن يبرز نفسه، ويصنع "مجدًا" غير موجود، ووهميًا، لأنه ليس أهلًا لذلك، ولا يملك المؤهلات الشخصية والسياسية لتبوئ هكذا مكانة، وهؤلاء لا سعر لهم، ولا قيمة أخلاقية او قيمية، وينطبق عليهمقول "فاقد الشيء لا يعطيه".