كثير من المراقبين الديمقراطيين او القوميين وضعوا ايديهم على قلوبهم مع إزدياد نفوذ القوى الاسلامية في الثورات العربية. وبعضهم أخذ في الانكفاء والتراجع عن تشخيص الواقع العربي، حتى وصفوه ب"الخريف" العربي. والبعض الآخر حاول إختزال الربيع العربي، بتوصيفه ب"الانتفاضة" دون ان يرتقي لتسميته بالثورة الشعبية نتاج التعقيدات والارباكات واتساع دائرة المخاطر، التي تحيق بالثورات، وايضا سعي قوى الغرب وخاصة الولايات المتحدة الى رسم او إعادة رسم مستقبل النظام السياسي العربي من خلال التشبيك المباشر مع جماعة الاخوان المسلمين في العديد من الدول العربية، وايضا لعدم تمكن قوى الثورة من إختراق كم العراقيل والعقبات المتناثرة في الارض العربية.
ولا يملك المراقب سوى التأكيد على ان حجم العقبات الماثل في المشهد العربي ليبيا، سوريا ، اليمن ، تونس، مصر والبحرين كبير ويتجاوز حدود ونطاق قدرة الثورات العربية على تخطيها بسهولة. لاسيما وان هناك عدد من العوامل شكلت حتى الان كوابح لبلوغ قوى الثورة اهدافها في التغيير الديمقراطي، منها:
اولا غياب وحدة قوى الثورة. ثانيا غياب برنامج وطني مشترك. ثالثا إتساع نفوذ القوى الاسلامية في قوى الثورة. وبالتالي ضعف قوى التغيير الديمقراطية الوطنية والقومية والليبرالية رابعا مواصلة قوى النظام القديم العمل بوسائل وسبل مختلفة لتعطيل مسيرة الثورات هنا او هناك، ولحماية مصالحها. خامسا إزدياد الحراك الغربي بالتعاون مع الانظمة العربية المحافظة لكبح جماح الثورة، فضلا عن التدخل المباشر كما حصل في الثورة الليبية والذي قد يحدث في الثورة السورية سادسا وهو الاهم، ان قوى الثورة في الساحات العربية المختلفة نتيجة غياب الاداة والبرنامج، لم تتمكن من مواصلة تصفية النظام القديم وبناء ركائز النظام السياسي الجديد. وسابعا إنكشاف نقاط خلل بنيوية في مراكز قرار قيادات الثورات العربية، ووجود قوى وسطية وانتهازية، وبعضها دون ملامح او او بملامح مشوهة، ثامنا فوز قوى الاسلام السياسي وخاصة جماعة الاخوان في تونس، والمؤشرات تفيد بان الانتخابات في مصر، ستفضي لفوز الاخوان المسلمين بحصة الاسد في المجلسين (البرلمان والشورى).
العوامل جميعها تشي بالخشية على مستقبل الثورات العربية، او استمرار الحالة الضبابية في مستقبل الثورات. حتى خلص الخبير الروسي في الشؤون العربية والاسلامية، فيتالي نؤمكين، "ان ربيع الثورات العربية أسدل الستار عليه بفوز الاخوان المسلمين وعنوانه الاول تونس". والاستاذ محمد حسنين هيكل، وضع محاذيرفي حال فشلت الثورات العربية، ان تخضع المنطقة لمشاريع إعادة تقسيم سايكس بيكو، واشار لوجود ثلاثة مشاريع ونصف المشروع، الاول المشروع الاميركي - الاوروبي، والمشروع الايراني والمشروع التركي، ونصف المشروع الاسرائيلي.
غير ان عوامل الخشية وحبس الانفاس من إنتكاسة ربيع الثورات العربية، لا يسقط عن الحالة التي شهدتها الساحات العربية، ومازالت تشهدها، صفة الثورة. ووجود القوى الدينية الاسلامية والمسيحية لا يعيب الثورات، ولا يتفي عنها طابع الثورة. لان ما حصل هو إندفاع قوى الشعب بمختلف تياراتها ومشاربها بما في ذلك قوى مجتمعية لاصلة لها بالاحزاب والقوى السياسية، الى الشارع والميادين لتهتف ضد انظمة الاستبداد والقهر القائمة، التي زالت او في طريقها للزوال. وطرحت شعارا ناظما لها "الشعب يريد إسقاط النظام" و"الشعب يريد دولة مدنية" ... الخ من الشعارات الناظمة للحراك الثوري العربي. وحدوث إنتكاسات وتراجع في مسار العملية الثورية لا يعني بحال من الاحوال إسقاط وصف الثورة عنها.
وفوز الاسلام السياسي هنا او هناك لا يقلل من سمة الحراك الاجتماعي. لان الفوز لهذه القوة او تلك، يعود لقدرتها على إستقطاب الشارع، ونتيجة ضعف وغياب القوى الاخرى. وعدم فوز القوى الديمقراطية، وبالاساس عدم تمكنها من قيادة دفة الثورة، لا يلغي الطابع الثورة لثورات الربيع العربي. لان الحراك الذي ولدتة الثورات العربية، لن يتوقف، حتى وان تباطىء الحراك لفترة من الوقت لرؤية التطورات، لاسيما وان الغالبية العظمى من هذا الشعب او ذاك اعطت إتجاه بعينه الثقة وعبر صناديق الاقتراع. لكن اذا ما كانت الانتخابات لمرة واحدة، ورفضت القوى الاسلامية التغيير، وحادت عن التداول السلمي للسلطة، ودفعت الشعب هنا او هناك لاحتراب طائفي، فإن مصيرها السقوط شرط ان تكون قوى الثورة الوطنية الدمقراطية أعادت ترتيب صفوفها، واستعدت لاعادة الاعتبار للثورة. وما حصل في فلسطين، انقلاب حركة حماس على الشرعية، وخطف السلطة، ومواصلة دورها التخريبي، لا يعود لقوتها إنما يعود لضعف وبؤس الحالة الوطنية العامة وخاصة تهالك حركة فتح، التي مازالت حتى اللحظة غير قادرة على ترتيب شؤونها والامساك بدفة الامور، نتاج الخلل النيوي والازمة المتأصلة في البناء التنظيمي والكفاحي والاداري.
إذاً إنتصار القوى الاسلامية وخاصة الاخوان المسلمين لا يسقط عن الحراك الاجتماعي العربي صفة الثورة. ونجاح او فشل مشاريع التقسيم مرهون بقدرة او عدم قدرة قوى التغيير العربية الحقيقية الديمقراطية في الدفاع عن الدولة الوطنية، والنهوض بها كمقدمة للنهوض بالمشروع النهضوي العربي. وحتى لو فشلت الثورات العربية جميعها في بلوغ اهداف الثورات لا يلغي طابعها الثوري. وبالتالي حل الخريف او غستمر الربيع الثوري، فإن قطار التغيير، الذي اطلق المارد الشعبي من قمقم الانظمة الاستبدادية لن تكبحه الانظمة الاسلامية، في حال لم تتمكن، وهي لن تتمكن ان تقتدي بالتجربة التركية، كما وعد الشيخ راشد الغنوشي، لان الاخوان المسلمين لا يملكون برنامجا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا، وان وجد فهو برنامج لا يلبي طموح وحاجات الجماهير العربية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها