بقلم: نديم علاوي
جدار وبضعة أمتار فقط تفصل المقدسي نبيل الكرد (76 عامًا) في حي الشيخ جراح عن منزله الذي استولى عليه المستوطنون عام 2009.
في العام 2001، أنهى الكرد بناء منزل ملاصق لمنزل والدته في "كرم الجاعوني" من حي الشيخ جراح، بعدما لم يتسع المنزل الذي كان يعيش فيه هو وزوجته وأبناءه مع والدته، في منزل قديم حصلوا عليه بموجب عقد إيجار من الحكومة الأردنية بعدما هجروا من أراضيهم في القدس الغربية عام 1948.
آنذاك، قرر قاض اسرائيلي في محكمة الاحتلال بالقدس أغلاق المنزل الذي بناه الكرد، بحجة أنه مقام على "أراضي دولة" في حين سمحت المحكمة ذاتها للمستوطنين بالاستيلاء عليه، "فسلبوا أثاثه وحطموا محتوياته" يقول الكرد لـ"وفا".
العائلة المكونة من نبيل وزوجته وشقيقته و4 من الأبناء بعد أن توفيت والدته، تسلمت في تشرين الأول/ أكتوبر من العام 2020 الماضي، إخطارا من قبل "محكمة صلح الاحتلال" بإخلاء المنزل الذي يعيشون فيه بادعاء أن ملكيته تعود للمستوطنين.
اليوم بعد مرور 12 عاما على تشريده من منزله الأول، تمكن محامو حي الشيخ جراح من تقديم استئناف لمحكمة الاحتلال المركزية بالقدس، للنظر في قرار إخلاء منزله الذي عاش فيه إلى جانب والدته، خلال مدة أقصاها 3 أشهر.
"الاحتلال يلاحقني في منزل والدتي حتى أصبح وجودنا هنا على كف عفريت" هكذا يصف الكرد حياته الغارقة في القلق والخوف والمخاطر بعدما نهب مستوطنون منزله الجديد، ويحاولون مرارا وتكرارا الاستيلاء على منزل العائلة كاملا.
المستوطنون كانوا يقذفون القمامة والمياه العادمة صوب منزلنا، بعد ان استولوا على منزلي خلال العام 2009، قال الكرد، وأكثر من ذلك، محاكم الاحتلال والجمعيات الاستيطانية، تواصل عمليات تصفية الوجود الفلسطيني بالقدس من خلال الضغط على الأهالي، وإفراغ المدينة المقدسة من سكانها.
منزل الكرد واحد من عشرات المنازل في القدس التي يتعرض سكانها إلى مضايقات شتى من الاحتلال ومستوطنيه، بهدف تفريغها وتهجير سكانها لصالح الجمعيات الاستيطانية، حيث تسعى إسرائيل إلى إبقاء 8% من المقدسيين في كافة أنحاء المدينة، منهم 4% من الأغنياء لتقوية اقتصادها، و4 من الفقراء حتى يكونوا جزءا من الطبقة العاملة لدى إسرائيل.
وبحسب محامي أهالي الشيخ جراح حسني أبو حسين، فإن جمعية للمستوطنين كانت قد سجلت أراضي "الشيخ جراح" باسمها في عام 1972 بطريقة ما، وهو ما دفع وحفز محاكم الاحتلال أكثر على ملاحقة العائلات في الشيخ جراح.
وكانت قد سلمت المحكمة ذات الإخطارات في سبتمبر/ أيلول الماضي لـ3 عائلات أخرى، وهي: حماد، والدجاني، والداوودي. وتنتظر جميع العائلات قرار المحكمة العام الجاري بشأن إخلائها.
في العام 1956 أنشئ حي الشيخ جراح ليضم اللاجئين من العائلات الفلسطينية التي طردت وهجرت بالأصل من القدس الغربية عام 1948، بموجب اتفاق بين وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين UNRWA ووزارة الإسكان في عهد الحكومة الأردنية، وفي حينه استوعب 28 عائلة فلسطينية هجرت من أراضيها المحتلة، ومنذ ذلك الحين وإلى اليوم، بدأت محاولات سلطات الاحتلال عبر محاكمها وجمعياتها الاستيطانية طرد سكانه من خلال استخدامها محاولات عدة، خاصة بعد حرب عام 1967، مستغلة انتهاء السيطرة الأردنية بالقدس، دون اعتبار أنهم لاجئون محميون في الحي.
وينفذ الأهالي اعتصامًا أسبوعيًا في حي الشيخ جراح بمدينة القدس ضد سياسة الاستيطان والاستيلاء على المنازل.
ويقول المنسق الأهلي لحقوق الإنسان في القدس زكريا عودة، إن هؤلاء العائلات المهددة بالإخلاء هم 17 أسرة تضم 73 فردًا، يسكنون في جزء من حي الشيخ جراح، وتحاول جمعيات الاستيطان إخلاءهم بشتى الطرق، كجزء من السياسة المستمرة التي تمارسها سلطات الاحتلال في أحياء البستان وبطن الهوى والعيسوية .
وفي ذلك، يقول الخبير في شؤون الاستيطان بالقدس أحمد صب لبن، لـ"وفا"، إن إسرائيل لم تترك أهالي حي الشيخ جراح منذ توطينهم من قبل الحكومة الأردنية في الحي وشأنهم، فبعد الحرب عام 1967، سلمت إسرائيل أوامر إخلاء للعائلات تمهيدا لإقامتها المشاريع الاستيطانية. ويضيف ان حي الشيخ جراح يعاني من تنفيذ الاحتلال 8 مخططات استيطانية، بضعها تم تنفيذها والبعض الآخر جارٍ تنفيذه، منها تخطيط جمعية "نحلات شمعون" الاستيطانية لبناء أكثر من 200 وحدة استيطانية على أنقاض منازل المواطنين.
ويوضح أنه منذ خمسينيات القرن الماضي أعطت الحكومة الأردنية أكثر من 22 عائلة لاجئة تم تهجيرها من القرى التي كانت منتشرة في القدس الغربية، منازل وأراضي لتلك العائلات، كنوع من التعويض جراء تهجيرهم.
ومنذ عام 1967 حتى يومنا هذا، عملت مؤسسات الاحتلال والجمعيات الاستيطانية على إصدار أوامر إخلاء المقدسيين من الحي، وذلك لصالح الجمعيات الاستيطانية التي تدعي ملكيتها للأرض دون وجود إثباتات رسمية.
ويسعى أهالي الحي إلى التوجه للمحكمة الجنائية الدولية بعد أن أصدرت مؤخرًا قرارًا تعتبر فيه القدس الشرقية أرضا محتلة، وأن إخلاء السكان الفلسطينيين منها، يمثل جريمة حرب حسب الاتفاقيات الدولية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها