لا نرى التحريض على المؤسسة الأمنية من أي جهة كانت عائلية أو عشائرية أو حزبية إلا بغرض تكسير ركائز دولة القانون والنظام تمهيدًا لإسقاطها مرة واحدة سواء بفعل عوامل داخلية  أو خارجية مستدرجة أو مساندة، ذلك لأن السلطة التنفيذية بما فيها المؤسسة الأمنية معنية بالنقد البناء والحوار والعلاقات المباشرة مع مكونات الشعب لتطوير أدائها تحت سقف القوانين الناظمة لعملها وفلسفته، فالتحريض يجر إلى مربعات عنف، يأبى المنتسبون للمؤسسة الأمنية الانجرار إليها والسقوط فيها، فهم قد أقسموا على حماية الوطن والمواطن.

لا تستقيم العشائرية مع الدولة والمواطنة، فالدولة محكومة بالقانون والنظام، أما المواطنة فلا حدود لها حتى لو كانت نواتها بحجم أرض الوطن وسمائه، أما العشيرة فإنها مفهوم اجتماعي لا يمكن ولا يجوز أن يأخذ مكانة الدولة في ذهن المواطن الذي يعلي مكانة الدولة ودستورها وقوانينها  في تكوينه الشخصي وثقافته ومعارفه ومفاهيمه.

نعاني مشكلة الانتماء وفهم البعض من الجمهور لمعنى المواطنة، التي بات مفهومها عنده المناداة بالحقوق وغض الطرف عن الواجبات، وبذات الوقت نعاني من مشكلة العشائرية التي يسعى بعض المتعصبين لها لإحلال منظوماتها وقوانينها الخاصة المتعددة على مجتمعات بذاتها في الوطن (العشيرة أو مجموعة عشائر) مكان نظام الدولة الواحد، وهنا يبدأ التصادم بين منطق المواطنة الشاملة حيث جميع المواطنين سواسية وتحت سقف القانون المشرع في المؤسسات الرسمية التي تمثل إرادة الشعب عموما التي نعرفها بالسلطات الثلاث، التشريعية والتنفيذية والقضائية التي على أساسها يجري حكم الشعب والحكم في قضاياه ومشاكله، فيما ينفرد النظام العشائري بوضع جزء من المجتمع تحت سقف مفاهيم موروثة للحكم بين عدد من مواطني الدولة في قضايا ومشاكل وفق رؤية آلية تقليدية لا تخضع لأي شكل مذن صور الديمقراطية المعلومة كالانتخابات والاستفتاءات والمجالس التشريعية النيابية حيث يدرس ممثلو الشعب النظم والقوانين ويعدلونها وفق متطلبات العصر والنمو والتطور الحاصل في المجتمع، فالتشريع والقوانين في الدولة هو خلاصة تفكير ثلثي الشعب لما يجب ان تكون عليه الدولة، أما في حالة النظام العشائري فإن مجتمع العشيرة يخضع لنظام موروث  لم يكونوا شركاء في تأسيسه أو نظم قوانينه  ولا بأي شكل من التمثيل أو النيابة، ما يعني أن العشائرية حسب معيار الديمقراطية ومنهج حكم الدولة الديمقراطية، مازال بينها وبين دولة القانون والديمقراطية مسافة زمنية فاصلة بين المجتمع المعاصر، والمفاهيم الموروثة التي كانت سائدة قبل تكوين الدولة.

تتكون لدى المتحكمين بمفاتيح السلطة في العشيرة مكانة معنوية وأدبية ومادية مغرية، يسعى البعض الذي لا يعنيه معنى الانتماء الوطني ودولة القانون إلى تعزيز مكانتها وتعميق أساساتها في وعي مجتمع العشيرة إلى درجة يدفع البعض إلى التشبث بهذه السلطة العشائرية حتى لو أدى التناقض بينه وبين سلطة الدولة والقانون إلى استخدام العنف الكلامي او المادي أو التحريض على نظام الدولة والاشتباك مع مؤسساتها الرسمية، وتحديدًا الأمنية الشرطية التي تعتبر الضابطة القضائية المختصة في ملاحقة المطلوبين للعدالة وسلطة القضاء في الدولة، وإذا ذهبنا في الرؤية لمنطقة أبعد في واقعنا الحالي سنجد التحريض على المؤسسة الأمنية  كتعميم يومي على جمهور يظن بانتمائه العشائري على حساب العقيدة السياسية والدينية أيضًا الصحيحة وهي الانتماء للوطن، فيلبي هذا الجمهور ويستجيب دون تمحيص بأن هذا التحريض يخدم أطرافًا سياسية تسعى للسيطرة على السلطة، وتستغل النزعة العشائرية لتحريض المواطنين وإضعاف سلطة الدولة والنظام والقانون تمهيدا للانقضاض عليها كمرحلة أولى، ثم الانقضاض على النظام العشائري ذاته ليس لتطبيق النظام ودولة القانون، وإنما لإخضاع جميع المواطنين على رأسهم العشائر لنظام (الجماعة الحزبية) التي تتسلل إلى وعي مجتمع العشيرة ومجتمع الدولة أيضًا مستخدمة الدين ومصطلحاته المقدسة لإحداث الاختراقات التي تمكنها من الاستيلاء على قلعة  السلطة ودولة القانون من داخلها، أي عبر إضعاف الانتماء الوطني لصالح الانتماء للجماعة أو الحزب لتتمكن بعد ذلك من تمرير مخططاتها التي لا تتعدى مصلحة فئة عصبوية تستخدم أي وسيلة للسيطرة على السلطة إلا الأخلاق ومبادئ الدين الحنيف الصحيحة ومنهج الديمقراطية.