الهروب مـن الموضوعية باتجـاه الأدلجـة
27-10-2011
مشاهدة: 1379
شهدت الساحة الفلسطينية ابتداء من 20 ايلول ولغاية 20 تشرين أول فرحتين : اولاهما فرحة الانتصار السياسي الذي تحقق من خلال الخطاب التاريخي الذي ألقاه الرئيس محمود عباس في الامم المتحدة وتبعه تقديم طلب نيل الاعتراف بالعضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة. أما الثانية فهي فرحة الصفقة التي تمت بين حركة حماس والكيان الاسرائيلي برعاية مصرية للافراج عن ألفٍ وسبعةٍ وعشرين أسيراً مقابل الافراج عن جلعاد شاليت.
التعاطي الفلسطيني مع الفرحتين يستحق التدقيق والدراسة لأََنه مرتبط بالعقلية وبالرؤية السياسية والوطنية التي تتحكم بالقناعات تجاه قضايا أساسية ومصيرية خاصة قضيتي المصالحة والوحدة الوطنية الفلسطينية، هاتان القضيتان مرتكزتان أصلاً إلى جذر واحد هو إنهاء الانقسام ودفن الانقلاب ، بكل ما لهما من تداعيات سلبية وقاتلة في واقع الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية.
حركة فتح وبالتالي فصائل "م.ت.ف" توافقت تماماً على الخطاب التاريخي الفلسطيني الذي لبَّى قرارات المجلس المركزي واللجنة التنفذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والذي نال إعجاب وتقدير كافة الجهات الدولية والعربية باستثناء الولايات المتحدة والكيان الاسرائيلي ، فالعالم كله صفّق لعدالة القضية الفلسطينية ، ولنجاح القائد الفلسطيني محمود عباس في التعبير عن الاستراتيجية السياسية الفلسطينية والقائمة على التمسُّك بالثوابت الوطنية. الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات ثمَّن عالياً صلابة القرار الفلسطيني في طرق أبواب مجلس الامن بقوة الحق التاريخي للشعب الفلسطيني في نيل الاعتراف بدولته الفلسطينية، كما ثمَّن موقف الرئيس أبو مازن المصمم على الذهاب إلى مجلس الأمن رغم التهديدات الوقحة، والضغوطات العلنية من قبل الولايات المتحدة والكيان الاسرائيلي بوقف التمويل للسلطة الوطنية، وباستخدام الفيتو على أي قرار في مجلس الامن يتضمن الاعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية على كامل الاراضي المحتلة في الرابع من حزيران العام 1967 والقدس الشرقية هي العاصمة. حركة حماس وحلفاؤها من الفصائل الفلسطينية استخدمت عبر قياداتها خطاباً سياسياً متناقضاً، فبعض القيادات أشادت بالخطاب السياسي في الجمعية العمومية ورأت في نيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية مكسباً سياسياً يعزِّز الدور الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، وهذا ما عبَّر عنه اكثر من قيادي في حركة حماس وترجموا ذلك عملياً في استقبالهم الرئيس أبو مازن في رام الله. أما الطرف الآخر في حماس فكانت تصريحاته مناقضة تماماً لما تحدث به خالد مشعل، والدكتور احمد يوسف، وحسن يوسف، وناصر الشاعر وغيرهم. هذا الطرف خوَّن هذه الخطوة التي تطالب بالاعتراف بالدولة لأن هذا الاعتراف حسب ظنها سيلغي دور "م.ت.ف"، وبالتالي سيشطب قضية اللاجئين، وأن َ مثل هذا الاعتراف لوتم ُ لن يغيِّر شيئاً من واقع الحال ، ولذلك هي خطوة ليست ذات قيمة. هذا التقزيم للقرار الفلسطيني، وهذا التسخيف لفكرة طلب نيل الاعتراف، وللخطاب بحد ذاته، والذي وجد من يسوِّقه إعلامياً مما أعطى نتائج سلبية على الساحة الفلسطينية، واتضح جلياً بأن هناك موقفين متناقضين حول قضية مركزية أجمعَ العالم على أهميتها ، وصفَّق لها واقفاً ومعجباً ومتحدياً الولايات المتحدة وغطرستها.
لا شك أن حركة حماس تدرك أنها تقول كلاماً يتعارض مع قناعاتها، لكنها كانت تهرب من الموضوعية والواقعية لتشويه مواقف قيادة "م.ت.ف"، وتذهب باتجاه التخوين، وأتهام القيادة بأنها تفرِّط بالثوابت الوطنية، وأنها تتاجر بقضية اللاجئين، وتقدم التنازلات، وترفض المصالحة، وتصرُّ على المفاوضات بأي ثمن.
هذا الموقف المُستغرب لحركة حماس تجاه موضوع نال الاعجاب والتقدير من الجميع جعل الكثيرين يضعون علامات الاستفهام حول موقف حركة حماس الذي يتقاطع مع الموقفين الاميركي والاسرائيلي كل من موقعه شاءت حماس ذلك أو أبت .
أما التعاطي مع الفرحة الثانية فاتّسم من قبل حركة فتح وبالتالي من قبل فصائل "م.ت.ف" بالواقعية السياسية، وبالوعي الوطني، واعتبرت نجاح صفقة تبادل الأسرى وتحريرهم من سجون العدو انتصاراً وطنياً للجميع، وعرساً شعبياً فلسطينياً جامعاً. وقامت قيادة المنظمة وكافة فصائلها، والسلطة الوطنية ووزاراتها، ونادي الأسير وفروعه في الضفة الغربية باستقبال الاسرى المحررين باعتزاز وإكبار، ووقف الرئيس أبو مازن جنباً إلى جنب مع الدكتور دويك، والدكتور ناصر الشاعر، والنائب حسن يوسف، والأيدي متشابكة فتح وحماس، في لوحة وطنية معبِّرة عن الوحدة الوطنية .
الاعلام الفلسطيني المرئي والمسموع في الضفة الغربية وفي قطاع غزة شارك بفعالية في احياء هذه المناسبة التي أدخلت الفرحة الى كل بيت فلسطيني في الداخل والشتات.
حركة فتح لم تسع الى تعكير الاجواء المفرحة والتصالحية ، لكنها وجدت أن من حقها ان تبدي رأيها في الجانب السياسي النقدي لهذه الصفقة، لأن الصفقة لها وجهان وجه وطني انساني وجداني، ووجه سياسي من حق أي طرف في ساحة الديمقراطية كالساحة الفلسطينية ان يقول رأيه من باب التوضيح وليس من باب التشكيك.
فحركة فتح من خلال أجهزتها الاعلامية أشارت الى وجود ثغرات كانت تتمنى أن لا تحدث مع علمها الكامل بالظروف التي أحاطت بالصفقة، والتوافق مع اسرائيل على ضرورة اتمامها في هذا الوقت، فحركة فتح سجلت المآخذ التالية على الصفقة ولا نعتقد ان احدا ينكرها إذا اراد ان يكون منطقيا في النظرة والتحليل.
اولا: الموافقة على ابعاد ما يزيد على اربعين أسيراً الى خارج فلسطين، وأكثر من مئة وخمسين من الضفة الى قطاع غزة، وهو تسليم لمبدإ مغلوط قد تستخدمه اسرائيل في كافة اتفاقات تحرير الاسرى طالما نحن وافقنا الان. ولا ننسى أن حركة حماس نفسها اتهمت حركة فتح وزعيمها بالخيانة الوطنية عندما أجبر ياسر عرفات على الموافقة على إبعاد ابطال كنسية المهد في بيت لحم الذين كانوا أمام خيارين فإما الموافقة على الابعاد، واما الموت داخل الكنيسة.
ثانيا: إستثناء قيادات تاريخية من التحرير بعد الوعود السابقة التي قُدِّمت لذويهم.
ثالثا: استثناء تسع اسيرات من التحرير وحتى لو صدقت حماس في تبريرها بانها لا تدري بوجودهم. لكن اين هي وزارة الحكومة المقالة المعنية بالاسرى، واين هي معلوماتها؟ والا تقتضي الضرورة الوطنية ان يتم التنسيق مع وزارة الاسرى التي يقودها الوزير عيسى قراقع التي تمتلك إحصاءات تفصيلية، وهي التي تقدم خدمات لكافة الاسرى دون تمييز.
رابعا: لماذا الاسراع في التوقيع وبالتالي ليس هناك اتفاق واضح ومعلن حول تفاصيل الدفعة الثانية،وأن الامر متروك للقيادة المصرية والحكومة الاسرائيلية.
خامسا: لماذا حركة حماس دائما، وليلا ونهارا تدين وتخوِّن قيادة "م.ت.ف" لانها فاوضت، بينما قيادة حماس فاوضت مباشرة مندوب الحكومة الاسرائيلية بإشراف مصري وهذا ما تناقلته وسائل الاعلام فاحمد الجعبري وغازي حمد هما المعنيان مباشرة بالتفاوض المباشر، ونحن بالنسبة لنا لا نعتبر ذلك عيبا، ولكن لا يجوز أن تحلل لنفسك ما تحرمه على الاخرين. ونحن مقتنعون بأنه لا بد من أن تفاوض عدَّوكَ عندما تجد ذلك ضرورة وطنية.
المشكلة هي انك حين توجِّهُ نقدا موضوعيا للأخوة في حركة حماس فإنهم يتهمونك مباشرة بأنك ضد المقاومة، وانهم هم المقاومون وحدهم، وأنك في موقع التنازل والتفريط لانك تقبل بالتفاوض. وبالتالي تذهب الأمور باتجاه الايديولوجيا مع تقديرنا للعقائد . لكن ما يجب أن نتذكره دائما ان القضايا الجوهرية مثل المقاومة وأشكالها المناسبة في المكان والزمان، والمفاوضات وقواعدها وشروطها لا يتم التعاطي معها بالتراشق،إنها تحتاج الى الحوار البناء، والوصول الى توافق يحدد الوجهة السليمة في العمل الوطني،وليس أدل على ذلك من النقاط التي وردت في وثقية الاسرى وحددت كلَّ ما يتعلق بالمقاومة، وبالمفاوضات، وبإطار "م.ت.ف" كما أن موضوع المفاوضات حسمه الرئيس أبو مازن بأنه لا مفاوضات عبثية،وانما اذا أردنا ان نفاوض فيجب أن يكون هناك مرجعية دولية للمفاوضات، وسقف زمني محدد، ووقف كامل للاستيطان.
ان الهروب من الموضوعية باتجاه أدلجة القضايا لتسويق مصطلحات وعبارات ومفاهيم تحمل معاني التخوين والتفريط لاتخدم المصالحةَ الوطنية، ولا تنهي الانقسام، ولا تساعد على رسم استراتيجية وطنية شاملة للكل الفلسطيني في اطار "م.ت.ف" الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
الحاج رفعت شناعة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها