تدعو الجمعية العامة للأمم المتحدة كافة الشعوب والحكومات والمنظمات لإحياء اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني وذلك في يوم 29 نوفمبر من كل عام إحياء لقرار التقسيم رقم 181 للعام 1947، وذلك بهدف تذكير العالم بمسؤوليته التاريخية والسياسية عن رفع الظلم الواقع على الفلسطينيين بفعل قيام الدولة العبرية إثر هذا القرار، ومنع قيام دولة مستقلة للشعب الفلسطيني بفعل الاحتلال واستمرار انتهاكاته ضد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وفقا لقواعد القانون الدولي العام.
وتأتي أهمية إحياء هذه المناسبة هذا العام بسبب اتساع سياسة الحصار المفروضة على الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، إضافة الى استمرار سياسات الحكومة الإسرائيلية اليمينية الرامية الى تهويد القدس وضمها كعاصمة للدولة العبرية في إطار اعتراف إدارة ترامب وتشجيعها لهذه السياسة.
كما تأتي أهمية هذه المناسبة هذا العام نظرًا لارتفاع منسوب التطبيع بين بعض الدول العربية ودولة الاحتلال الإسرائيلي بشكل أدى إلى التهديد باسقاط المبادرة العربية وتبني الإطار العام لصفقة القرن أو صفقة ترامب كمرجعية للتسوية.
وفي الإطار السابق، تقوم العديد من الحركات الاجتماعية السياسية محليًا وعربيًا ودوليًا بإحياء هذا اليوم، ومن هذه الحركات الحملة الأكاديمية الدولية لمناهضة الاحتلال والضم. وتكتسب أنشطة هذه الحملة المناصرة للقضية الفلسطينية أهمية بالغة لسببين مهمين: الأول كون أعضاء هذه الحملة من النخب العلمية والبحثية والأكاديمية الوازنة فلسطينيًا وعربيًا ودوليًا. أما السبب الثاني فهو كون هذه الحملة رفعت شعارها للتضامن مع الشعب الفلسطيني متضمنًا محاربة الاحتلال والضم والتطبيع.
وفي سياق مواجهة موجة التطبيع فكريًا وعلميًا، يمكن اقتراح أن تتضمن الجهود البحثية تفكيك الخطاب التطبيعي وذلك بهدف تفنيد الرواية التطبيعية ونسفها من أساسها. وبالضرورة، فان تحليل الخرافات التي يقوم عليها مفهوم التطبيع يمكن أن يكون مفيدًا في هذا الإطار. وفي الواقع، تقوم الرواية التطبيعية على عدة خرافات بعيدة كل البعد عن الحقائق؛ فهي تقوم أولاً على أن التطبيع قد أوقف الضم برغم أن تعليق الضم كما جاء في اتفاقيات التطبيع مع الكيان الصهيوني هو تعليق مؤقت، ويشير إلى اعتراف ضمني بشرعية الضم بعد فترة زمنية متفق عليها.
أما الخرافة الثانية التي تأسست الرواية التطبيعية عليها فهي أن التطبيع قد أدى إلى السلام، رغم أن الدول المطبعة لم تكن في حالة حرب أساسًا مع دولة الاحتلال، وبالضرورة فان حالة التطبيع لن تنهي حرب هذه الدول مع دولة الاحتلال لأنه لم تكن هنالك حرب بالأساس.
وترتبط الخرافة الثالثة للرواية التطبيعية بأن التطبيع يؤدي إلى الأمن، في الوقت الذي قسمت فيه العملية التطبيعية الشرق الأوسط إلى قطبين متناحرين أو مجموعة من الأقطاب المتصارعة، وأقصد هنا المحور الإيراني والمحور الخليجي، وهو الأمر الذي يؤدي حتما الى عدم الاستقرار والتصعيد في المنطقة، وسيزيد من مخاطر حدوث حرب وتحالفات مبنية على توازنات القوة بين الأقطاب الإقليمية.
وتنطوي الخرافة الرابعة والأخيرة للرواية التطبيعية على أن التطبيع يؤدي إلى التنمية الاقتصادية في المنطقة، في حين أن الاستثمارات العربية والسياحة في المنطقة ستكون أكثر عائدية وإنتاجية في دول مستقرة مثل الدول الأوربية وليس في منطقة غير مستقرة كما هو الحال عليه في المنطقة العربية.
وبالضرورة، يمكن أن تنجح الجهود الأكاديمية في مواجهة الخطاب التطبيعي في حال استطاعت هذه الجهود تكوين وخلق قيادة نخبوية تتشكل من الأكاديميين ودور صناع الفكر والسياسات، بحيث تستطيع هذه النخب أولاً تحويل خطاب التطبيع من خطاب للسلام والأمن إلى خطاب للتخوين والهزيمة، كما تستطيع ثانيًا ربط خطاب التطبيع بتسهيل عملية المساس بالمقدسات والاعتراف بسيادة الاحتلال عليها، وثالثًا، تستطيع هذه النخب استنهاض الفكر القومي والديني المضاد للتطبيع.
وإذا ما نجحت هذه الجهود في إعادة إنتاج فكر مضاد للتطبيع يقوم على أساس الهوية العربية وجذرية الصراع مع المحتل وحتمية الانتصار، فمن الممكن أن تتوج-هذه الجهود في تعزيز الرواية العربية والفلسطينية، وتفنيد الرواية التاريخية الصهيونية، وربط مفهوم التطبيع بالخرافات التي قامت عليها الحركة الصهيونية في الأساس.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها