يسعى معارضون لقرار القيادة إعادة العلاقات مع الجانب الإسرائيلي كما كانت عليه قبل 19 أيار مايو إلى تبرئة المطبعين، عبر منحهم ذرائع – لم يفكر بها المطبعون ذاتهم – لتبرير طعناتهم للشعب الفلسطيني من الخلف، ونكثهم لقرارات القمم العربية.
المعارضون الذين نقصدهم هنا يقدمون أنفسهم في وسائل إعلام عربية يصرف عليها المطبعون أو في وسائل دولية ناطقة بالعربية على أنهم أكاديميون أو رؤساء مراكز أبحاث متخصصة أو قادة في فصائلهم، نراهم يتفننون في كي ذاكرة ووعي المتلقي، ويطلقون لألسنتهم العنان في مشاهد مسرحية انفعالية وأحيانًا غاية في الهدوء كالتلاميذ الذين حفظوا الدروس عن ظهر قلب، يلقونها بلا أدنى تفكير وتفكر بمعاني كلامهم، ولا يعنيهم فيما إذا كانت ذاكرة الجمهور مستيقظة، ذلك أنهم يظنون أو يفترضون غفلة الجمهور عن الأحداث، فجل اهتمامهم تغطية وسيلة الإعلام التي تستضيفهم في هجومها المبرمج على القيادة الفلسطينية والمشروع الوطني وحركة التحرر الوطنية الفلسطينية، حتى إن هذه الوسائل تتجرد من ثوب المهنية تمامًا، بلا أدنى حياء وتفتح بتقاريرها التي تسبق ظهور هؤلاء على الشاشات العابثة بعقل الجمهور العربي والفلسطيني، حيث تفوح منها رائحة الحقد والكيدية لمنظمة التحرير الفلسطينية وقيادة الشعب الفلسطيني الشرعية.
منذ أيام ونحن نسمع ذات النغمة النشاز وهي أن قرار القيادة إعادة العلاقة مع الجانب الإسرائيلي جاء "ليبرر ويمنح الشرعية" لتطبيع دولة الإمارات ومملكة البحرين مع حكومة منظومة الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي، ليس هذا وحسب بل يذهب هؤلاء (المحللون المتخصصون) ومدراء المراكز الاستراتيجية في استخفافهم بالجمهور إلى تصوير أنفسهم ككاشفين عن نوايا الرئيس أبو مازن والقيادة الفلسطينية، وأن معلوماتهم موثوقة ولم يبق لهم سوى القول إنهم كالمشايخ الدجالين الذين يكتبون (الحجب) للمساكين التعساء من الناس، يتواصلون مع الجن الأزرق الذي يخترق النفوس، ويفتح الخزائن وبوابات مغارات الكنوز ويزودهم بالمعلومات.
نحن لا نحتاج لتبرير قرارات قيادتنا السياسية، لإدراكنا أن للرئيس أبو مازن سياسة واضحة صريحة، وهو شجاع بما فيه الكفاية ليتخذ القرارات الوطنية بوضح النهار، ولا يأتي بما يخالفها في السر كما يفعل البعض، الذين يقولون كلامًا في الغرف ويخالفونه في العلن، فالمصالح العليا للشعب الفلسطيني هي ناظم قرارات الرئيس ودافعها، حيث الانسجام بين استقلالية القرار الوطني الفلسطيني ومبدأ مركزية القضية الفلسطينية لدى الأمة العربية، فالرئيس أبو مازن لم ولن تمنعه قوة في الأرض عن أخذ قرار يحقق مصلحة وطنية فلسطينية عليا، تمامًا كما لا تقدر قوة في الأرض على منعه من أخذ موقف مضاد من أي قرار يتعارض مع مصالح الشعب الفلسطيني العليا وثوابته وأهدافه ولنا في موقفه الشجاع من صفقة القرن الاستعمارية وصاحبها فرعون هذا الزمان (دونالد ترامب) مثال حي، ونعتقد أن هؤلاء المستثمرين بالقضية الفلسطينية (بالجعجعة الكلامية) يعلمون جيدًا موقف الرئيس أبو مازن من الذين سقطوا في مستنقع التطبيع، وكيف أنه هدد بأخذ ذات الموقف من أي مطبع جديد.
يجب أن يعلم كل من يبدي الحرص على القضية الفلسطينية بغض النظر عن نواياه ومقاصده، أن للشعب الفلسطيني قيادة رشيدة، تمد بلا حدود الحكمة ومعاني الثبات والعقلانية والواقعية في القيادة على من تنقصه التجربة والخبرة فيها، وأن الشعب الفلسطيني لا يحتاج أوصياء عليه وعلى قضيته، فقد بلغنا مئة عام ونيف من النضال جعلت من الصغير فيه رجلا قبل الأوان، أما ولنا رئيس قد شاب شعره وهو ماض في دروب الكفاح والنضال والسياسة والدبلوماسية والفكر والثقافة والكتابة للتاريخ، فإننا لن نصغي إلا لكلمة حق ومنطق نلمس فيها إخلاصًا وصدقًا ومساندة، ومن ليس لديه من هذا فليوفر جعجعته ويبعد ضجيجه عنا، فقد سئمنا هذا النوع من النفاق.
ما نحتاجه في الحقيقة أن يكف (الدجالون) المستترون بمسميات كبيرة عن تزييف مفكرة الجمهور الفلسطيني والعربي على حد سواء، لأن التطبيع لم يأت بعد قرار القيادة إعادة العلاقة مع الجانب الإسرائيلي، وإنما جاء في ذروة انقطاع علاقة فلسطين المحتلة، مع منظومة حكومة الدولة القائمة بالاحتلال، وأن هذا التطبيع كان بمثابة إعلان ولادة بعد علاقة لا شرعية دامت سنوات يبلغ عددها اكبر من عدد أصابع اليدين الاثنتين اللتين ستقبضان ثمن هجماتهم الفضائية المنظمة على الرئيس أبو مازن وقيادة حركة فتح.. وفي هذا السياق نذكرهم بافتتاح ممثلية إسرائيلية ترقى لقنصلية في العاصمة الإماراتية أبوظبي، متخفية بيافطة الوكالة الدولية للطاقة المتجددة "إيرينا" التي تضم 145 دولة، بدون بعثات دبلوماسية في أبوظبي، ونعتقد أنهم يعلمون أن وزير البنية التحتية الإسرائيلي عوزي لانداو شارك في العام 2010في بمؤتمر "إيرينا" في أبوظبي كأول زيارة لوزير إسرائيلي إلى الإمارات "حيث اغتيل مسؤول مالية حماس محمود المبحوح في دبي، بعد شهر من هذه الزيارة! أما صور رفع العلم الإسرائيلي في عاصمة الإمارات في مناسبات عديدة وعزف النشيد الإسرائيلي وزيارة وزيرة الثقافة الإسرائيلية فقد كانت على قدم وساق قبل إيقاف العلاقة مع الجانب الإسرائيلي وأثنائها وما زالت بعد قرار إعادتها.. أما البحرين فإن عشرين سنة من العلاقات السرية مع إسرائيل مرت قبل التوقيع على اتفاقية للتطبيع وإقامة علاقات دبلوماسية!.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها