لم أرد أن تمر مقابلة الباحث الإسرائيلي آدم راز مع صحيفة "هآرتس " قبل أيام مرور الكرام، لأن ما قام به هذا الباحث هو عمل في غاية الأهمية تتعلق بعمليات النهب التي ارتكبها الصهاينة بحق ممتلكات الشعب الفلسطيني خلال حرب عام 1948. ويقول راز في مقابلته إن معظم الإسرائيليين، متدينين وغير متدينين عسكريين ومدنين شاركوا وتورطوا في عمليات نهب ممتلكات الفلسطينيين في المدن والقرى بلا استثناء.
هذا الباحث، انطلق في بحثه من تصريح لمؤسس دولة إسرائيل ديفيد بن غوريون يقول فيه "إن الإسرائيليين لصوص"، وهو تصريح قاله في تموز عام 1948، أي بعد شهرين من إعلانه إقامة دولة إسرائيل، وبدأ يجمع الوثائق ويجري المقابلات. الاستنتاج الأبرز للباحث، أن معظم الإسرائيليين نهبوا محتويات منازل الفلسطينيين وممتلكاتهم، ماكينات خياطة، أثاث، كتب، كل شيء، ويضيف كان المستوطنون اليهود يذهبون للقرى ويعودون محملين بأكياس على ظهورهم وفي سياراتهم، نهبوا كل ما وقعت عليه أيديهم.
لهذا البحث أهمية كبيرة، في أنه وثيقة مسندة بالمقابلات الشخصية والوثائق الرسمية، فهي بالنسبة للشعب الفلسطيني مستند للمطالبة بالتعويض، انطلاقًا من قرار الأمم المتحدة 194 الذي يدعو إلى عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وتعويضهم عن كل ضرر لحق بهم ولممتلكاتهم. وللبحث أهمية لأنه يشير بشكل صريح لسياسة التطهير العرقي التي مارستها العصابات الصهيونية لتشريد الشعب الفلسطيني من وطنه، والبحث يؤكد ملكية الفلسطينيين لهذه القرى والمدن ولهذه الممتلكات المنهوبة في وضح النهار.
وبالرغم من أهمية ما قام به هذا الباحث، الذي بذل جهدًا ليكون موضوعيًا، فإنه لم يشر بشكل مباشر لعملية النهب الأكبر. وهي نهب الحركة الصهيونية لأرض فلسطين، فالقصة أكبر بكثير من سرقة ممتلكات خاصة، بالرغم من أهمية الإشارة والبحث في هكذا أمر. الحركة الصهيونية جاءت إلى فلسطين بمشروع استعماري اعتمد على رواية تنفي وجود الشعب الفلسطيني، ليجد راز في بحثه أنه كان هناك شعب، كان مستقرًا ومزدهرًا ينمو ويتطور بشكل طبيعي كغيره من شعوب المنطقة فقامت العصابات الصهيونية بتشريده ونهب ممتلكاته.
لم يتوقف المشروع الصهيوني باستكمال عملية النهب بعد حرب عام 1967 وهو مستمر بنهم حتى اللحظة عبر التهديد والاستيطان. لقد وجد اليمين الإسرائيلي بإدارة الرئيس ترامب فرصًا ليحاول تصفية القضية وطمس الحقيقة الفلسطينية التي نهضت من جديد بعد نكبة عام 1948.
إن الشعب الفلسطيني حقيقة ليست قابلة للطمس والدليل بحث راز، الفلسطينيون حقيقة تاريخية وراهنة ومعترف بها دوليًا، وله حقوق وطنية ثابته على رأسها حق العودة وتقرير المصير والاستقلال الوطني. كل ما يحاول نتنياهو وترامب هو القفز عن هذه الحقوق لكنهم لن ينجحوا حتى لو طبعت كل الأنظمة العربية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها